الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والخمسون
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً.
قوله: "حدثنا وُهَيْب" أي: بإسناده المذكور في باب غسل الرجلين.
وذكر في هذه الرواية أن مسح الرأس مرة، وقد مر في باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا في الكلام على حديث عُثمان ما نُقل من الخلاف في استحباب العدد في مسح الرأس، ومن أقوى الأدلة على عدم العدد الحديث المشهور الذي صححه ابن خُزَيْمة وغيره، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص في صفة الوضوء، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ:"من زاد على هذا فقد أساء وظَلَم"، فإن في رواية سعيد بن منصور فيه التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة، فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبة.
ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحَّت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس، جمعًا بين هذه الأدلة.
وموسى هو موسى بن إسماعيل التَّبوذَكي وقد مر في الرابع من بدء الوحي. ووُهَيْب هو ابن خالد المذكور محله الآن. وطريقة موسى هذه تقدمت في الحديث الحادي والخمسين من كتاب الوضوء هذا.
باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة
واو "وُضوء" الأول مضمومة لأن المراد منه الفعل، وفي بعض النسخ:"مع المرأة"، وهو أعم من أن تكون امرأته أو غيرها.
و"وَضوء" الثاني واوه مفتوحة؛ لأن المراد به الماء الفاضل في الإناء بعد
فراغها من الوضوء.
و"فضل" مجرور عطفًا على "وضوء الرجل".
وَتوَضّأ عُمَرُ بالحَميم من بَيْتِ نَصْرَانيةٍ.
قوله: "بالحَميم" بفتح الحاء المهملة، أي: الماء المسخَّن، فعيل بمعنى مفعول.
ولفظ الأثر عند عبد الرزاق: "إن عُمر كان يتوضّأ بالحميم ويغتسل منه"، ولفظه عند الدّارقُطني:"كان يُسَخن له ماء في قُمْقُم ثم يغتسِلُ منه".
ومناسبة الأثر الأول للترجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرجل تَبَع له فيما يفعل، فأثار البخاري إلى الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل؛ لأن الظاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه، فيناسب قوله:"وضوء الرجل مع امرأته" أي: من إناء واحد.
وأما التطهُّر بالماء المسخن فاتّفقوا على جوازه إلا ما نُقل عن مجاهد.
وقوله: "ومن بيت نصرانية" معطوف على قوله: "بالحميم" أي: وتوضأ عمر من بيت نصرانية. ولفظ الأثر عند الشافعي: "توضّأ عمر من ماء في جرة نصرانية"، وهو من رواية ابن عُيينة عن زيد بن أسلم.
وأثبت الإسماعيلي واسطة بين ابن عُيينة وزَيْد، فقال: عن ابن زيد، عن أبيه به. وأولاد زيد هم: عبد الله، وأسامة، وعبد الرحمن. وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، والمظنون أنه هو الذي سمع من ابن عُيينة ذلك.
وهو مناسب لقوله في الترجمة: "وفضل وضوء المرأة"؛ لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل، مع جواز أن تكون تحت مسلم، واغتسلت من حيض ليحلَّ لزوجها وطؤها، ففضل منه ذلك الماء. وهذا وإن لم يقع به التصريح، لكنه محتملٌ، وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل ذلك عند عدم الاستفصال، وإن كان غيره لا يستدِلُّ بذلك، ففيه دليل على جواز التطهُّر بفضل وضوء المرأة
المسلمة، إذ لا تكون أسوأ حالًا من النصرانية.
وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال. وقال الشافعي في "الأم": لا بأس بالوضوء من ماء المشرك، وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسة. وقال ابن المُنْذِر: انفرد إبراهيم النَّخَعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جُنبًا، ويأتي هذا قريبًا عند الحديث الآتي.
واعترض القسطلاني على المصنف بإتيانه بهذين الأثرين، قائلًا: إنه لا مناسبة فيهما للترجمة. قال: أما توضُّؤ عمر بالحميم فلا يخفى عدم مناسبته، وأما توضّؤه من بيت نصرانية فلا يدُلُّ على أنه كان من فضل ما استعملته، بل الذي يدلُّ عليه جواز استعمال مياههم.
ولا خلاف في استعمال سؤر النصّرانية لأنه طاهر، خلافًا لأحمد وإسحاق رضي الله تعالى عنهما وأهل الظاهر، واختلف قول مالك رحمه الله تعالى، ففي "المدونة": لا يتوضأ بسؤر النّصراني ولا بما أدخل يده فيه. وفي "العتبية" أجازه مرة، وكرهه أخرى. ومشهور مذهبه الكراهة إلا إذا عُلمت النجاسة على فيه.
وفي رواية ابن عساكر حذف الأثرين، وهو أولى لعدم المطابقة بينهما وبين الترجمة.
ولعل ما مرَّ من المناسبة عن الفتح لم يظهر للقسطّلاني.
ووقع في رواية كريمة بحذف الواو من قوله: "ومن بيت" وهذا الذي جرّأ الكِرماني أن يقول: المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة. وأما الحميم فذكره لبيان الواقع.
وقد عرفت أنهما أثران متغايران.
الأول: وهو: "توضأ عُمر بالحميم" وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح، ورواه ابن أبي شيبة والدارقطني، وقال الدّارقُطني: إسناده صحيح.
والثاني: وهو "توضأ عمر من بيت نصرانية" وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما عن ابن عُيينة عن زيد بن أسلم، ورواه البَيْهقي من طريق سعدان بن نصر عنه، ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه.
وعمر مرَّ في الأول من بدء الوحي.