الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُدِّ". وعنده أيضًا من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: "وكان عليه الصلاة والسلام يتوضَّأُ بإناء يسعُ رطلين، ويغتسِلُ بالصّاع". ولابني خزيمة وحِبان، والحاكم في "مستدركه" عن عبد الله بن زيد: "أنه عليه الصلاة والسلام أُتي بثلثي مُدٍّ من ماء، فتوضأ، فجعل يُدَلِّك ذراعيه".
وفي قوله هنا: "يدلِّك ذراعيه" تصريح بما ذهب إليه مالك في مشهور القولين عنه من وجوب الدَّلك بنفسه، والدَّلْك الواجب عنده هو إمرار اليد على العضو إمرارًا متوسِّطًا، وهذا لا يخلو منه وضوء ولم يُرو عنه صلى الله عليه وسلم أنه اكتفى بإدخال العضو في الماء من غير أن يُمِرَّ يده عليه في وضوء ولا غُسل. والقول الثاني عن مالك أن الدَّلك واجب لا لنفسه، بل لإِيصال الماء إلى البشرة، فلو أدخل يده في ماء حتى تحقق وصول الماء للبشرة كفاه. ذلك.
والجمع بين هذه الروايات المتقدمة هو كما قال الشافعي رحمه الله تعالى: لأنها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله، وهو يدل على أنه لا حدَّ في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه، بل القلة والكثرة باعتبار الأحوال والأشخاص.
وفي اختلاف الروايات رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية، وكذا من قال به من الحنفية، مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع. وحمله الجمهور على الاستحباب؛ لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله تعالى عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك، ففي "مسلم" عن سَفينة مثله. ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله، وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة، وهو أيضًا في حق من يكون خلقه معتدلًا، وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله:"وكره أهل العلم الإِسراف فيه، وأن يجاوِزوا فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم".
رجاله أربعة:
الأول: أبو نُعيم الفضل بن دُكَيْن مرّ في السادس والأربعين من كتاب
الإيمان. ومر أنس بن مالك في السادس منه.
والثاني من السند: مِسْعر بن كِدام -بكسر الميم من مِسعر، والكاف من كِدام- ابن طُهير بن عبيدة بن الحارث بن هِلال بن عامر بن صَعْصَعة الهلالي العامري الرَّوّاسيّ -بفتح المهملة وتشديد الواو- وأبو سلمة الكوفي أحد الأعلام.
قال هشام بن عُروة: ما قدم علينا من العراق أفضل من أيّوب ومن ذاك الرَّوّاسي، يعني مسعرًا، إلَاّ أن رأسه كان كبيرًا. وقال إبراهيم بن سعد: كان شعبة وسفيان إذا اختلفا في شيءٍ قالا: اذهب بنا إلى الميزان مسعرٍ. وقال شعبة: كنّا نسمي مسعرًا المصحف لصدقه وحفظه وقلة خطئه. وقال شعبة: مسعر في الكوفيين كابن عَوْن في البَصْريين. وفيه يقول ابن المبارك:
مَن كانَ ملتمِسًا جليسًا صالِحًا
…
فليأتِ حَلْقَةَ مسعرِ بن كِدامِ
في أبيات. وقال مُحمد بن مِسعْر: كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن مسعر إذا خالفه الثَّوري، فقال: الحكم لمسعر، فإنه المصحف. وقال معنٌ المسعوديُّ: ما رأيت مسعرًا في يوم إلَاّ وهو فيه أفضل مما مضى أو من سعد. وقال الحَكَم بن هشام: حدثنا مسعر قال: دعاني أبو جعفر ليُولِّيَني، فقلت: إن أهلي يقولون: لا نرضى اشتراءك في شيء بدرهمين، وأنت توليني، فأعفاني. وقال الثَّوري: كنا إذا اختلفنا في شيء سألنا عنه مسعرًا. وقال ابن المَديني: قلت ليَحْيى بن سعيد: أيّهما أثبت هشام الدَّسْتُوائي أو مسعر؟ قال: ما رأيت مثل مسعرٍ، كان مسعر من أثبت الناس. وقال أحمد: كان ثقة خيارًا حديثه حديث أهل الصدق. وقال ابن أبي حاتم: سُئل أبي عن مسعر وسفيان، فقال: مسعرٌ أعلى إسنادًا وأجود حديثًا وأتقن، ومسعر أتقن من حمّاد بن زيد. وقال أبو نُعيم: كان مسعرُ شكّاكًا في حديثه، وليس يُخطىء في شيء من حديثه إلَاّ في حديث واحد. وقال وكيع: شكُّ مسعر كيقين غيره. وقال العِجْلي: كوفي ثقة ثبت في الحديث. وكان الأعمش يقول: شيطان مسعر يستضعفه فيشككه، وكان يقول الشعر. وقال ابن عُيينة: كان من معادن