الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والتسعون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي". قَالَ: وَقَالَ أَبِي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ.
قوله: "إني امرأة أُستَحاضُ" أي: بضم الهمزة وفتح المثناة مبني للمجهول، أي: يستمر بي الدم بعد أيامي المعتادة، إذ الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه، والسين في استحاض للتحول؛ لأن دم الحيض تحول إلى غير دمه، وهو دم الاستحاضة كما في استحجر الطين، وبُني الفعل فيه للمفعول، فقيل: استُحيضت المرأة، بخلاف الحيض، فيقال فيه: حاضت المرأة؛ لأن دم الحيض لما كان معتادًا معروف الوقت نُسب إليها، والآخر لما كان نادرًا مجهول الوقت، وكان منسوبًا إلى الشيطان كما في الحديث:"إنها رَكْضَة الشيطان"، بني للمفعول.
وتأكيدها بأن لتحقيق القضية لندور وقوعها، لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم متردد أو منكر.
وقوله: "فلا أطهر" أي: لدوامه.
وقوله: "أفأدع الصلاة" أي: أترك، والعطف على مقدر بعد الهمزة؛ لأن لها صدر الكلام، أي: أيكون لي حكم الحيض فأترك الصلاة، أو أن الاستفهام ليس باقيًا، بل للتقرير، فزالت صدريتها.
وقوله: "لا" أي: لا تدعي الصلاة.
وقوله: "إنما ذلك" بكسر الكاف. وقوله: "عِرْق" أي: دم عِرْق بكسر العين، ويسمى العاذِل بكسر الذال المعجمة.
وقوله: "وليس بحيض" لأنه يخرج من قعر الرحم.
وقوله: "فإذا أقبلت حَيْضتك" بفتح الحاء: المرة، وبالكسر: اسم للدم، والخرقة التي تستثفر بها المرأة، والحالة. أو الفتح خطأ؛ لأن المراد بها الحالة. ورده القاضي عياض وغيره، وقالوا: الصواب الفتح، إذ المراد: إذا أقبل الحيض.
وقوله: "فدعي الصلاة" يتضمن نهي الحائض عن الصلاة، وهو للتحريم، ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع.
وقوله: "وإذا أدبرت" أي: انقطعت.
وقوله: "فاغسِلي عنك الدم" يعني: واغتسلي، فذكر هنا غسل الدم، ولم يذكر الاغتسال، وذكر في كتاب الحيض في باب: إذا حاضت في شهر ثلاث حيض الاغتسال، فقال:"ثم اغتسلي وصلّي"، ولم يذكر غسل الدم، وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم ولم يذكر الاغتسال، ومنهم من ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم، وكلهم ثقات، وأحاديثهم في "الصحيحين"، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده، إذ لابد من كل منهما.
وفيه دلالة على أن فاطمة كانت معتادة، لتصريحه في الحديث الآتي بقوله:"دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها".
وقوله: "وقال أبي" بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة، أي: عروة بن الزبير، وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور، وقد بين ذلك الترمذي في روايته. وادعى آخر أن قوله:"ثم توضّئي" من كلام عروة موقوفًا عليه، وفيه نظر؛ لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع:"فاغسِلي".
وقوله: "ثم توضئي لكل صلاة" لم ينفرد أبو معاوية بهذا عن هشام، فقد
رواه النسائي عن حمّاد بن زيد، عن هشام، وقد رواها الدارِمي عن يحيى بن سليم، عن هشام.
وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميَّزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤدّاة أو مَقْضِيّة، لظاهر قوله:"ثم توضّئي لكل صلاة"، وبهذا قال الجمهور.
وعند الحنفية أن الوضوء متعلِّق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرُج وقت الحاضرة، وعلى قولهم، المراد بقوله: وتوضئي لكل صلاة، أي: لوقت كل صلاة، ففيه مجاز الحذف، ويحتاج إلى دليل. وعند المالكية: يستحب لها الوضوء، ولا يجب إلا يحدث آخر. وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط.
وكون المستحاضة لا يجب عليها إلا الوضوء كسائر الأحداث هو مذهب الجمهور، وما ورد في حديث عائشة عند البخاري من أن أُم حبيبة، تعني ابنة جحش رضي الله تعالى عنها، كانت مستحاضة فأمرها أن تغتسل، وقال:"هذا عرق"، فكانت تغتسل لكل صلاة، فهذا الأمر الوارد منه عليه الصلاة والسلام بالاغتسال مطلق لا يدل على التكرار، فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة، فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة.
وقال الشافعي: إنما أمرها عليه الصلاة والسلام أن تغتسل وتصلي، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا، وكذا قال الليث في روايته عند مسلم: لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي.
ويؤيده ما رواه أبو داود عن عكرمة أن أُم حبيبة استُحيضت، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، فإذا رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت.
وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كَثير وابن إسحاق، عن