الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصيلي: "خيرًا" بالنصب عطفًا على من الموصول.
وقوله: "ثم أمَّنا" فاعل أمَّنا جابر كما جاء مصرحًا به في كتاب الصلاة: "إن جابراً صلى في إزار، فقال له قائل: تصلي في إزار واحد؟ " ولا التفات إلى من جعله من مقوله، والفاعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، والانقياد إلى ذلك.
وفيه جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم إذا قصد الرادُّ إيضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك، وفيه كراهة التنطّع والإسراف في الماء.
رجاله سبعة:
الأول: عبد الله بن محمد الجُعْفي المُسْنِدي وقد مرَّ في الثاني من كتاب الإيمان. ومرَّ زُهير بن معاوية وأبو إسحاق السبيعي في الرابع والثلاثين من كتاب الإِيمان. ومرَّ محمد بن علي الباقر في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين بعد الأربعين من كتاب الوضوء. ومرَّ جابر بن عبد الله في الرابع من بدء الوحي.
الثاني من السند: يحيى بن آدم بن سليمان الأموي مولى آل أبي مُعَيْط أبو زكريا الكوفي.
قال ابن مَعين والنسائي وابن سعد: ثقة. وذكره ابن حِبّان في "الثقات"، وقال: كان متقنًا يتفقه. وقال يحيى بن أبي شيبة: ثقة صدوق ثبت حجة، ما لم يخالف من هو فوقه مثل وكيع. وقال العجلي: كان ثقة جامعًا للعلم عاقلًا ثبتًا في الحديث. وسُئِل أبو داود عن معاوية بن هشام ويحيى بن آدم، فقال: يحيى بن آدم واحد الناس. وقال أبو حاتم: كان يتفقه وهو ثقة. وقال يعقوب بن شَيْبة: ثقة كثير الحديث، فقيه البدن، ولم يكن له سن متقدم، سمعت علي بن المديني يقول: يرحم الله تعالى يحيى بن آدم، أيُّ علم كان عنده، وجعل يُطريه.
وقال أبو أُسامة: ما رأيت يحيى بن آدم إلا ذكرت الشعبي.
روى عن: عيسى بن طَهْمان، ومَطَر بن خليفة، وإسرائيل، والثوري، وجرير بن حازِم، وزهير بن مُعاوية، وخلق.
وروى عنه: أحمد، وإسحاق، وعلي بن المديني، ويحيى بن مَعين، وأبو كُريب، والمسنِدي، وابنا أبي شيبة، وهارون الحمّال، وخلق.
مات في ربيع الأول سنة ثلاث ومئتين.
والسادس: علي بن الحُسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين، ويقال: أبو الحسن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله المدني زين العابدين، وأُمه سُلافة بنت يَزْدَجُرد آخر ملوك فارس، وهي عمة أم يزيد بن الوليد الأموي المعروف بالناقص.
وكان قُتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان لما تتبّع دولة الفرس، وقتل فيروز بن يَزْدَجُرد المذكور، بعث بابنتيه إلى الحجّاج بن يوسف، وكان يومئذ أمير العراق وخراسان، وقتيبة نائبه بخراسان، فأمسك الحجاج إحدى البنتين لنفسه، وأرسل الأخرى إلى الوليد بن عبد الملك، فأولدها يزيد الناقص، واسمها شاه فريد، وسُمي النّاقص لنَقْصِه أعطية الجُند.
وكان يقال لزين العابدين: ابن الخِيْرتَيْن. لقوله صلى الله عليه وسلم: "لله تعالى من عِباده خِيرتان، فخيرته من العرب قُريش، ومن العجم فارس".
وفي كتاب "ربيع الأبرار" أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، كان فيهم ثلاث بنات ليزدَجُرْد، فباعوا السبايا، وأمر عمر ببيع بنات يزدجرد أيضًا، فقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: إن بنات الملوك لا يُعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة. فقال: كيف الطريق إلى العمل معهن؟ قال: يقوَّمْن، ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارُهُنَّ، فقوِّمْن، فأخذهن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، وأخرى لولده الحسين، وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق وكان تربيته رضي الله عنهم أجمعين، فأولد
عبد الله أمته سالمًا، وأولد الحسين أمته زين العابدين، وأولد محمد بن أبي بكر الصديق أمته القاسم، فهؤلاء الثلاثة بنو خالة، وأمهاتهم بنات يزدجرد.
وفي "الكامل" للمبرِّد: يروى عن رجل من قريش لم يُسمَّ لنا، قال: كنت أجالس سعيد بن المسيِّب، فقال لي يومًا: من أخوالك؟ فقلت له: أمي فتاة. فكأني نَقْصتُ من عينه، فأمهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم، فلما خرج من عنده، قلت: يا عم: من هذا؟ فقال: سبحان الله أتجهل مثل هذا من قومك؟ هذا سالم بن عبد الله. قلت: فمن أمه؟ قال: فتاة. قال: ثم أتاه القاسم بن مُحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، فجلس عنده، ثم نهض. قلت: يا عم: من هذا؟ فقال: أتجهل مثل هذا من أهلك؟ ما أعجب هذا؟ هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. قلت: فمن أمه؟ قال: فتاة. فأمهلت شيئاً حتى جاءه علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما، فسلم عليه، ثم نهض، فقلت: يا عم: من هذا؟ قال: هذا لا يسع مسلمًا أن يجهله، هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت: من أمه؟ قال: فتاة. فقلت: يا عم: رأيتني نقصت من عينك لما علمت أن أمي فتاة، أفما لي في هؤلاء أسوة. قال: فجلَلْتُ في عينه جدًّا.
وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى فشا فيهم علي بن الحسين وسالم بن عبد الله بن عمرو القاسم بن محمد، ففاقوا أهل المدينة فقهًا وورعًا، فرغب الناس في السراري.
وقيل: إن أمه سِندية، يقال لها: سُلافة، ويقال لها: غزالة.
وزين العابدين أحد الأئمة الاثني عشر، ومن سادات التابعين. قال الزُّهري: ما رأيت قرشيًّا أفضل منه. وقال ابن سعد في الطبقة الثانية من طبقات التابعين من أهل المدينة: أمه أم ولد، وكان ثقة مأمونًا ورعًا كثير الحديث عاليًا رفيعًا، كان مع أبيه يوم قُتل وهو مريض، فسَلِم. وقال الزُّهري أيضًا: كان أفقه منه، ولكنه كان قليل الحديث. وقال مالك: قال نافع بن جُبَيْر بن مُطعم لعلي بن الحسين: إنك تجالس أقوامًا دونًا، فقال علي بن الحسين: إني
أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني. قال: وكان علي بن الحسين رجلًا له فضل في الدين. وقال مالك: لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل علي بن الحسين. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها الزُّهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي. وقال يحيى بن سعيد: سمعت علي بن الحسين، وكان أفضل هاشمي أدركته. وقال سعيد بن المسيِّب: ما رأيت أورع منه. وقال العجلي: مدني تابعي ثقة. وقال جُوَيْرية بن أسماء: ما أكل علي بن الحسين لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهمًا قط.
وقال ابن عُيينة: حج علي بن الحسين، فلما أحرم واستوت به راحلته، اصفرَّ لونه وانتفض، ووقع عليه الرِّعْدة، ولم يستطع أن يلبي. فقيل له: مالك لا تُلبّي؟ فقال: أخشى أن أقول: لبيك، فيقال لي: لا لبيك. فقيل له: لابد من هذا. فلما لبّى غُشِيَ عليه، وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجَّه.
وقال مالك: لقد أحرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يقول: لبيك، قالها، فأُغمي عليه حتى سقط من ناقته، فهُشم، ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمّى زين العابدين لعبادته.
وروي عن أبي جعفر أن أباه علي بن الحسين قاسَمَ الله تعالى مرتين، وقال: إن الله تعالى يُحبُّ المؤمن المذنب التوّاب.
وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يُؤْتَوْنَ به من الليل.
وقال موسى الرضي عن أبيه عن جده، قال: قال علي بن الحسين: إني لأستحي من الله أن أرى الأخ من إخواني، فاسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا.
وقال أبو حازم عن أبيه: سمعت علي بن الحسين، وقد سُئل: كيف كانت
منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى القبر، وقال: منزلتهما منه الساعة.
وقال عُبيد الله بن عبد الرحمن بن مَوْهَب: جاء قوم إلى علي بن الحسين، فأثنوا عليه، فقال: ما أكذبكم وأجرأكم على الله، نحن من صالحي قومنا، فحسبُنا أن نكون من صالحي قومنا.
وعن موسى بن طريف قال: استطال رجل على علي بن الحسين، فأغضى عنه، فقال له: إياك أعني. فقال له: وعنك أُغضي.
وكان زين العابدين كثير البِرِّ بأمه، حتى قيل له: إنك أبو الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صَحْفة. فقال: أخاف أن تسبِق يدي إلى ما تسبق إليه عينها، فأكون قد عققتها.
وهذا ضد قصة أبي الحسن مع ابنته، فإنه قال: كانت لي ابنة تجلِسُ معي على المائدة، فتُبْرز كفًّا كأنه طلعة، في ذراع كأنها جمارة، فما تقع عينها على لقمة نفيسة إلا خصَّتْني بها. فزوجتها، فصار يجلِسُ معي على المائدة ابنٌ لي، فيبرِزُ كفًّا كأنه كرنافة، في ذراع كأنها كربة، فوالله ما تسبِق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
وحكى ابن قُتيبة أن أم زين العابدين زوَّجها بعد أبيه يزيد مولى أبيه، وأعتق جارية له وتزوجها، فكَتَبَ إليه عبد الملك بن مروان يعيِّره بذلك، فكتب إليه زين العابدين:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، وتزوجها، وأعتق زيد بن حارثة، وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش.
وفضائل زين العابدين أكثر من أن تُحصر.
روى عن: أبيه، وعمه الحسن، وأرسل عن جده علي بن أبي طالب، وروى عن ابن عباس، وأبي هريرة، والمِسْوَر بن مَخْرمة، وعائشة، وصفيّة بنت حُيي بن أخطب، وأم سلمة، وبنتها زينب بنت أبي سلمة، وأبي رافع مولى
النبي صلى الله عليه وسلم، وخلق.
وروى عنه: أولاده محمد وزيد وعبد الله وعمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وطاووس، وهما من أقرانه، والزُّهري، وأبو الزِّناد، وزيد بن أسلم، والحكم بن عُتيبة، وهشام بن عُروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخلق.
ولد يوم الجمعة سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وتوفي سنة أربع وتسعين. وقيل: اثنتين وتسعين للهجرة بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبر عمه الحسن بن علي في القُبة التي فيها قبر العباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وفي الحديث: "وقال رجل"، والمراد به: الحسن بن مُحمد بن علي بن أبي طالب الذي يُعرف أبوه بابن الحنفية، يُكنى الحسن بأبي محمد المدني.
قال ابن سعد: كان من ظرفاء بني هاشم، وأهل الفضل منهم، وكان يُقَدَّمُ على أخيه، أي: هاشم في الفضل والهيبة، وهو أول من تكلم في الإرجاء. وقال الزُّهري: حدثنا الحسن وعبد الله ابنا محمد، وكان الحسن أرضاهما في أنفسنا. وفي رواية: وكان الحسن أوثقهما. وقال عبد الله بن مَسْلَمة بن أسلم عن أبيه عن حسن بن محمد قال: وكان حسن من أوثق الناس عند الناس. وقال سُفيان عن عمرو بن دينار: ما كان الزُّهري إلا من غِلْمان الحسن بن محمد. وقال ابن حِبّان: كان من علماء الناس بالاختلاف.
وقال سلّام بن أبي مُطيع عن أيوب: أنا أتبرأ من الإرجاء، إن أول من تكلم فيه رجل من أهل المدينة، يقال له: الحسن بن محمد. وقال عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة أنهما دخلا على الحسن بن محمد، فلاماه على الكتاب الذي وضع في الإرجاء، فقال لزاذان: يا أبا عمرو، لوددت أني كنت مت ولم أكتبه.
قال في "تهذيب التهذيب": قلت: الإرجاء الذي تكلم الحسن بن محمد فيه غير الإرجاء الذي يعيبه أهل السنة المتعلق بالإيمان، وذلك أني وقفت على كتاب الحسن بن محمد المذكور، أخرجه ابن أبي عمرو العدني في كتاب