الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدُل على أن الطهارة لا تتبعَّضُ اتجه، ولو ابتدأ اللبس بعد غسلهما، ثم أحدث قبل وصولهما إلى موضع القدمين لم يجز المسح.
رجاله خمسة:
الأول: أبو نُعيم الفَضْل بن دُكَيْن مرَّ في السادس والأربعين من كتاب الإيمان، وكذلك زكريا بن أبي زائدة. ومرَّ عامر بن شُراحيل الشعبي في الثالث من كتاب الإيمان. ومرَّ عُروة بن المغيرة في السابع والأربعين من كتاب الوضوء.
ومرَّ أبوه المغيرة في الثاني والخمسين من كتاب الإيمان.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع والعنعنة، ورواته كلهم كوفيون، وفيه رواية التابعي الكبير عن التابعي، وبيان موضع من أخرجه في الحديث السابع والستين قبل هذا بقريب.
باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق
قوله: "من لحم الشاة" نص على لحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما هو دونها بالأولى، وأما ما فوقها فلعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل؛ لأن من خصه من عموم الجواز علَّله بشدة زُهومته، فلهذا لم يقيده بكونه مطبوخًا وهو قول أحمد، واختاره ابن خُزيمة وغيره من محدثي الشافعية.
وفيه حديثان: أحدهما رواه مسلم من طُرق عن جابر بن سَمُرة أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أنتوضّأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضّأ، وإن شئت فلا تتوضّأ". قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، فتوضأ من لحوم الإبل". والثاني عن البراء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "توضؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضّؤوا من لحوم الغنم" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خُزيمة وابن الجارود.
قال البيهقي: قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سَمُرة وحديث البراء، قاله أحمد بن حَنْبل، وإسحاق بن راهويه.
وقوله: "والسويق" السويق هو ما اتُّخذ من شعير أو قمح يُدق فيكون كالدقيق إذا احتيج إلى أكله خُلط بماء أو لبن أو رُبٍّ ونحوه.
وقد وصفه أعرابي فقال: عدة المسافر، وطعامُ العَجْلان، وبُلْغَة المريض.
قال ابن التين: ليس في أحاديث الباب ذكر السويق. وأجيب بأنه دخل من باب الأولى؛ لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دُسومته فعدمه من السويق أولى، ولعله أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده، إذ فيه: "فلم يُؤت إلا بالسويق
…
إلخ".
وأكَلَ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعثمانُ رضي الله عنهم فَلَمْ يَتَوَضَّؤُوا.
كذا في رواية أبي ذر إلا عن الكُشميهني بحذف المفعول، وهم يعُم كل ما مست النار وغيره. وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني والحموي والأصيلي:"وأكل أبو بكر وعمر وعثمان لحمًا" بإثباته.
وهذا التعليق وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليمان بن عامر، قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا ممّا مستِ النار ولم يتوضؤوا. ورواه التِّرمذي عن أبي عُمر مطولًا. ورواه ابن حِبّان عن عبد الله بن محمد. ورواه ابن خُزَيمْة عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه الطّحاوي من عشر طرق.
ورجاله ثلاثة:
عمر بن الخطاب مرَّ تعريفه في حديث: "إنما الأعمال" أول حديث، وعثمان بن عفان مرَّ في باب ما يُذكر في المناولة من كتاب العلم.
وأما أبو بكر فهو أبو بكر الصديق عبد الله بن عُثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرة بن كعب بن لُؤي القرشي التَيْميّ الصِدّيق ابن أبي قُحافة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أُمه أُم الخير سلمى بنت صَخْر بن عامر ابنة عم أبيه.
ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر. روى ابن البرقي من حديث عائشة: "تذاكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ميلادَهما عندي، فكان أبو بكر أكبر صحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان، واستمر معه طول إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية يوم تبوك معه، وحج بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع، واستقر خليفة في الأرض بعده، ولقَّبه المسلمون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو أول مَنْ أسلم من الرجال فى قول طائفة من أهل السير والخبر، وأول مَنْ صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر أولئك. وروي عن ميمون بن مِهْران قال: لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم من زمن بَحيرا الراهب، واختلف بينه وبين خديجة حتى تزوجها، وذلك قبل أن يولد علي.
وكان في الجاهلية وجيهًا رئيسًا من رؤساء قريش، وإليه كانت الأشناق في الجاهلية، والأشناق الديات، كان إذا حمل شيئًا قالت فيه قريش: صدقوه، وأمصوا حمالته وحمالة من قام معه أبو بكر، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدِّقوه.
وأسلم على يدي أبي بكر الصديق الزُّبير وعُثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عَوْف.
وكان يقال له: عتيق. واختلف العلماء في المعنى الذي قيل له به عتيق، فقال الليثُ بن سعد وجماعة معه: إنما قيل له: عتيق لجماله وعَتَاقة وجهه. وقال مُصعب الزُّبيري وطائفة من أهل النسب: إنّما سمي أبو بكر عتيقًا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقيل: سمي عتيقًا لأنه قديم في الخير. وقيل: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، فقالت: اللهم إن هذا عتيقُك من الموت فهبه لي. وروي عن عائشة أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بفناء البيت، وبيني وبينهم السَّتْر، إذ جاء أبو بكر رضي الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سرَّه أن ينظر إلى عتيقٍ من النار فلينظر إلى أبي بكر" فغلب عليه اسم عتيق. وروي عن القاسم بن محمد قال: سألت عائشة عن اسم أبي بكر،
فقالت: عبد الله. فقلت: إن الناس يقولون: عتيق. قالت: إن أبا قُحافة كان له ثلاثة أولاد، فسمّى واحدًا عتيقًا، والثاني مُعْتَقًا، والثالث عُتَيْقًا بالتصغير.
وسمي الصِّدّيق لبداره إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم. وقيل: بل قيل له: الصديق، لتصديقه له في خبر الإسراء.
ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] ، فإن المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع، إذ لا يُعترض بأنه لم يتعيّن لأن عبد الله بن أبي بكر وعامر بن فُهيرة وعبد الله بن أُرَيْقط الدليل كانوا معهما، لأنه لم يصحبه في الغار إلَاّ أبو بكر، فإن عبد الله بن أبي بكر كان يتردّد عليهما بما وقع بعدهما، من الأخبار بمكة، وكان عامر يقوم بغذائهما من الشياه، والدليل لم يصحبهما إلَاّ من الغار وكان على دين قومه مع ذلك كما في نفس الخبر، وقد قيل: إنه أسلم بعد ذلك.
وثبت في "الصحيحين" من حديث أنس أن أبا بكر الصديق حدثه قال: قلت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونحن بالغار: لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصَرَنا تحتَ قدميه. فقال: "يا أبا بكر: ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما". وعن أبي أمامة الباهلي، قال عمرو بن عَبْسة: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازلٌ بعُكاظ، فقلت: يا رسول الله: مَنْ اتَّبعك على هذا الأمر؟ قال: "حر وعبد، أبو بكر وبلال". فأسلمت عند ذلك.
وروي عن الشعبي أنه قال: قلت لابن عباس أو سُئل: أيٌّ الناس كان أول إسلامًا؟ قال: أما سمعت قول حسان:
إذا تذكَّرْتَ شجوًا من أخي ثقةٍ
…
فاذكُر أخاكَ أبا بكرٍ بما فَعَلا
خيرَ البريةِ أتقاها وأعدَلَها
…
بعد النَّبيِّ وأوفاها بما حَملا
والثّاني التاليَ المحمودَ مشهدُهُ
…
وأوّلَ الناس ممّن صدَّق الرُّسُلا
وثانيَ اثنينِ في الغارِ المنيفِ وَقَدْ
…
طافَ العدوُّ به إذ صَعَّدوا الجبلا
وكان حِبَّ رسولِ اللهِ قد علموا
…
خيرُ البريةِ لم يعْدِلْ به رجلًا
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان: "هل قلت في أبي بكر شيئًا؟ "، قال: نعم. وأنشده هذه الأبيات، فسُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال: أحسنتَ يا حسان.
واختُلف في مُكثهما في الغار، فقيل: ثلاثًا وهو الصحيح. وروي في حديث مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مكثتُ مع صاحبي في الغار بضعة عشر يومًا، ما لنا طعام إلَاّ ثمر البرير" يعني: الأراك، والأول أصح.
وروي عن هشام بن عُروة عن أبيه قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفًا، فأنفقها في سبيل الله.
وقالت عائشة إنه مات وما ترك دينارًا ولا درهمًا.
وروي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنهم قالوا لها: ما أشدَّ ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان المشركون قُعودًا في المسجد الحرام، فتذاكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاموا إليه، وكان إذا سألوه عن شيءٍ صدقهم، فقالوا: ألست تقول في آلهتنا كذا وكذا؟ قال: "بلى"، قالت: فتشبثوا به بأجمعهم، فأتى الصريخُ إلى أبي بكرٍ، فقيل له: أدرك صاحبك. فخرج أبو بكر حتى دخل المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مجتمعون، فقال: ويلَكُم، أتقتلونَ رجلًا أن يقول: ربيَّ الله وقد جاءكم بالبيِّناتِ من ربكم؟! فَلَهَوْا عن رسول صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا على أبي بكرٍ يضربونه. قالت: فرجع إلينا، فجعل لا يَمَسُّ شيئًا من غدائره إلَاّ جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإِكرام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مالٌ ما نفعني مالُ أبي بكر".
وأعتق أبو بكر سبعةً كانوا يُعذبون في الله: بلال، وعامر بن فُهيرة، وبَريرة، والنَّهدية، وابنتها، وجارية بني مؤمُّل، وأم عُبيس.
وقيل لمحمد بن الحنفية: لأيِّ شيءٍ قُدم أبو بكر حتى لا يُذكر فيهم غيره؟ قال: لأنه كان أفضلهم إسلامًا حين أسلم، فلم يزل كذلك حتى قبضه الله.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا لي صاحبي فإنكم قلتم لي: كذبت. وقال: صدقت".
وقال صلى الله عليه وسلم في البقرة والذئب: "آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعُمر" وما هما، ثم علما منه بما كانا عليه من اليقين.
وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله: من أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة". قلت: من الرجال. قال: "أبوها".
وعن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من أمنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنتُ متَّخِذًا خليلًا لاتَّخذتُ أبا بكر خليلًا، ولكن أخوة الإِسلام، لا تَبْقَيَنَّ في المسجد خوخةٌ إلا خوخةُ أبي بكر".
وروي أنْ رجلًا من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى مجلس فيه القاسم ابن محمد بن أبي بكر الصِّديق: والله ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من موطىء إلَاّ وعلي معه فيه. فقال القاسم: يا أخي لا تحلف. قال: هلم. قال: بلى ما لم ترده، قال الله تعالى:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40].
واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته بعده بما أظهر من الدلائل البينة على محبته في ذلك، وبالتعريض الذي يقوم مقام التصريح، ولم يصرِّح بذلك لأنه لم يُؤمر فيه بشيء، وكان لا يصنع شيئًا في دين الله إلَاّ بوحي، والخلافة ركن من أركان الدين.
ومن الدلائل الواضحة على ذلك ما رُوي عن محمد بن جُبير بن مُطعم عن أبيه، قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن شيء، فأمرها أن ترجِعَ إليه. فقالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك -تعني الموت-؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجديني فائتِ أبا بكر". قال الشافعي: فيه دليل على أن الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر.
وروي عن عبد الله بن زَمْعة بن الأسود، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليلٌ، فدعاه بلال إلى الصلاة، فقال:"مُروا مَن يُصلّي بالناس"، فخرجت،
فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبًا. فقلت: قم يا عُمر فصلِّ بالناس. فقام عمر، فلما كبَّر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم-صوته، وكان مُجْهِرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فأين أبو بكرٍ؟! يأبى الله ذلك والمسلمون"، فبعث إلى أبي بكرٍ، فجاء بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس طول علته حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا أيضًا واضح في ذلك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللَّذَيْنِ من بعدي، أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسَّكوا بهدي ابن أُم عبد".
وعن عبد الله بن مسعود كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عُمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أنشدتُكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكرٍ أن يصلي بالناس؟ قالوا له: اللهم نعم. قال: فأيُّكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقامٍ أقامه فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: كلنّا لا تطيبُ نفسه، ونستغفر الله.
وقال قيسُ بن سعد بن عُبادة: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لياليَ وأيّامًا يُنَادَى بالصلاة، فيقول:"مُروا أبا بكرٍ يصلّي بالنّاس"، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت، فإذا الصلاة عَلَمٌ على الإِسلام، وقِوامُ الدين، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فبايَعْنا أبا بكر.
وقال ابن مسعود: اجعلوا إمامكم خيرَكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل إمامنا خيرنا.
وكان أبو بكر يقول: أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك كان يُدعى: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عُمر يُدعى خليفة أبي بكر صدرًا من خلافته حتى تسمّى بأمير المؤمنين لقصة ذُكرت في ترجمته.
وعن أبي مُلَيْكة، قال: قال رجل لأبي بكر: يا خليفة الله. قال: لست بخليفة الله، ولكني أنا خليفةُ رسول الله، وأنا راضٍ بذلك.
وعن النَّزّال بن سَبْرة، عن علي رضي الله عنه، قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر.
وكان علي رضي الله تعالى عنه يقول: سبقَ رسول صلى الله عليه وسلم، وثنّى أبو بكر، وثلَّث عمر، ثم حفَّتْنا فتنةٌ يعفو الله فيها عمَّن يشاء.
وقال عبد خَيْر: سمعت عليًّا رضي الله تعالى عنه يقول: رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع ما بين اللَّوْحين.
وقال رضي الله عنه: لا يفضِّلني أحدٌ على أبي بكر وعُمر لأَجلِدَنَّهُ حدَّ المفتري.
وروي عن ابن أَبْجَر قال: لما بُويع لأبي بكر جاء أبو سفيان إلى علي، فقال: غلبكم على هذا الأمر أرزلُ بيت في قريش، أما والله لأملأنّها خيلًا ورجالًا. فقال علي: ما زلتَ عدوًا للإسلام وأهله، وما ضر ذلك الإِسلام وأهله شيءٌ، وإنّنا رأينا أبا بكر لها أهلًا.
وروي عن عبد الله بن جَعْفر بن أبي طالب من وجوه أنه قال: ولِيَنا أبو بكر فخير خليفة، أرحمه بنا، وأحناه علينا.
وعن سعيد بن المسيِّب: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجَّت مكة، فسمع بذلك أبو قُحافة، فقال: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أمر جلل. قال: فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك أبو بكر. قال: فهل رضِيَتْ بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطيَ لما منَعَ الله.
وعن أبي تميم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: "لو اجتَمَعْتُما في مشورةٍ ما خالفتُكما".
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يرسله إلى اليمن، استشار أبا بكر وعمر، فقال كل برأيه، فقال:"إن الله يكره فوق سمائه أن يُخطىء أبو بكر".
وعن علي رضي الله تعالى عنه، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ولأبي بكر:"مع أحدِكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل".
وعن أبي سعيد الخُدري قال: قال أبو بكر: ألست أول من أسلم؟ ألست أحق بهذا الأمر؟ ألست كذا؟ ألست كذا؟ رجاله ثقات.
ومن أعظم مناقبه أن ابن الدغنة سيد القارة لما ردَّ إليه جواره بمكة، وصفه بنظير ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم، فتواردا فيها على نعت واحد من غير أن يتواطآ على ذلك، وهذا غاية في مدحه؛ لأن صفات النبي صلى الله عليه وسلم منذ نشأ كانت أكمل الصفات.
وقال ابن إسحاق في "السيرة الكبرى": كان أبو بكر رجلًا مؤلِّفًا لقومه، محببًا، سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلمهم مما كان منها من خير وشر، وكان تاجرًا ذا خُلُق ومعروفٍ، وكانوا يألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإِسلام من وَثِقَ به، فأسلم على يديه من مرَّ ذكرهم.
وكان أبو بكر رجلًا نحيفًا أبيضَ خفيفَ العارضَيْن أجنى لا يستمسك، أزرتُه تسترخي عن حَقْويه، معروقَ الوجه، غائرَ العَيْنين، نَاتىءَ الجبهة، عاريَ الأشاجع، هكذا وصفته ابنته عائشة. ووصفه الزُّهري فقال: كان أبيض لطيفًا جعدًا مشرفَ الوركين.
بويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، ثم بويع بيعة العامة يوم الثلاث من غد ذلك اليوم، وتخلف عن بيعته سَعْد بن عُبادة، وطائفة من الخَزْرج، وفِرقة من قُريش، ثم بايعوه بعد غير سعد. وقيل: لم يتخلَّف عن بيعته يومئذ أحد من قريش، وقيل: تخلف عنه من قُريش علي والزُّبير وطلحة وخالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنهم، ثم بايعوه بعد ذلك. وقيل: إن عليًّا لم يبايعه إلَاّ بعد موت فاطمة، ثم لم يزل سامعًا مطيعًا له يثني عليه ويفضِّله.
وعن محمد بن سيرين، قال: لما بُويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبطأ
عليٌّ في بيعته، وجلس في بيته، فبعث إليه أبو بكر: ما أبطَأَ بك عني؟ أكرهت إمارتي؟ فقال علي: ما كرهتُ إمارتك، ولكني آليتُ أن لا أرتدي رداءً إلَاّ إلى صلاة حتى أجمع القرآن. قال ابن سِيرين: فبلغني أنه كتبه على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوُجِدَ فيه علم كثير.
وعن عِكرمة قال: لما بُويع لأبي بكر تخلَّف علي عن بيعته، وجلس في بيته، فلقيه عمر، فقال: تخلفت عن بيعة أبي بكر؟! فقال: إني آليت بيمين حين قُبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أرتدي برداءِ إلَاّ إلى الصلاة المكتوبة حتى أجمعَ القرآن، فإني خشيت أن ينفَلِتَ، ثم خرج فبايعه.
ورَوى زيد بن أسلم عن أبيه أن عليًّا رضي الله عنه والزُّبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة ويشاورانها في أمرهما، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها وقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان من الخلق أحدٌ أحبَّ إلينا من أبيك، وما أحد أحب إلينا بعده منك، وقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنَّ ولأفعلنَّ، ثم خرج، وجاؤوها، فقالت لهم: إن عُمر قد جاءني، وحلف لئن عُدتم ليفعلَنَّ، وأيم الله لَيَفِيَنَّ بها، فانظُروا في أمركم، ولا ترجِعُوا إلى، فانصرفوا ولم يرجعوا حتى بايعوا لأبي بكر.
وروي أن خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، تربَّص ببيعته شهرين، ولقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم، وقال: يا بني عبد مناف، لقد طِبْتم نفسًا عن أمركم يليه غيركم، فأما أبو بكر فلم يَحْفِل لها، وأما عمر فاضطَغَنَها عليه، فلما بعث أبو بكر خالد بن سعيد أميراً على ربع من أرباع الشام، وكان أول من استُعمل عليها، جعل عمر يقول: أبو مرة، وقد قال ما قال؟! فلم يزل بأبي بكر حتى عزله وولّى يزيد بن أبي سُفيان. وقال ابن أبي يزيد الجُمَحي القُرَشي:
شكرًا لِمَنْ هُو بالثناءِ خليقُ
…
ذهبَ اللَّجاجُ وبُويع الصديقُ
من بعدِ ما رحضت بسعدٍ نعلُه
…
ورَجا رجاءً دونَه العيّوقُ
جاءتْ به الأنصارُ عاصبَ رأسهِ
…
فأتاهُمُ الصّديقُ والفاروقُ
وأبو عُبَيْدة والذينَ إليهِمُ
…
نفس المؤمَّلِ للبقاءِ نَتوقُ
كُنّا نقولُ لها عليٌّ والرِّضى
…
عمرٌ وأوْلاهُم بتلكَ عتيقُ
فدَعَتْ قريشٌ باسمهِ فأجابَها
…
إن المنوَّهَ باسمهِ الموثوقُ
وقال أبو الهيثم بن النَّبهان:
وإني لأرجو أن يقومَ بأمرنا
…
ويحفَظَهُ الصِّديقُ والمرءُ من عَدي
أولاكَ خيارُ الحيِّ فِهرِ بن مالكٍ
…
وأنصارُ هذا الدينِ من كل مُعْتَدِ
وقال أبو محْجَن فيه:
سُمِّيتَ صِدّيقًا وكلُّ مهاجرٍ
…
سواك يُسَمّى باسمهِ غيرُ منكَرِ
سبقتَ إلى الإِسلام واللهُ شاهدٌ
…
وكنتَ جليسًا بالعريشِ المشَهَّرِ
وبالغارِ إذْ سُمّيتَ بالغارِ صاحبًا
…
وكنتَ رفيقًا للنّبيِّ المطهَّرِ
له مائة واثنان وأربعون حديثًا، اتفقا على ستة، وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بحديث واحد.
وروى عنه: عُمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عَوْف، وابن مسعود، والعبادلة ما عدا ابن الزُّبير، وحُذيفة، وزيد بن ثابت، وعُقبة بن عامر، وولداه عبد الرحمن وعائشة، وخلق.
كانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يومًا، وفي هذه المدة قام لقتال أهل الردة، وظهر من فضل رأيه في ذلك وشدته مع لينه ما لم يُحتسب، فأظهر الله به دينه، وقتل على يديه وببركته كل من ارتدَّ عن دين الله، حتى ظهر أمر الله وهم كارهون.
وكانت وفاته يوم الإثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: مات لليلة خلت من ربيع الأول. وقيل: لثمان بقين من جُمادى الآخرة. وقيل: قُدِّر مُكثه في الخلافة سنتان وثلاثة أشهر إلَاّ خمس ليال. وقيل: سنتان وثلاثة أشهر وسبع. وقيل: سنتان وثلاثة أشهر واثنتا عشرة. وقيل: عشرة.
واختلف في السبب الذي مات منه، فقال الواقِدي: إنه اغتسل في يوم باردٍ، فحُمَّ ومرض خمسة عشر يومًا. وقيل: كان به طَرَفٌ من السلِّ، وقيل: إنه سُمَّ. فقد رُوي من طريق الزُّهري أن أبا بكر والحارث بن كَلَدة أكلا خزيرة أهديت لأبي بكر، وكان الحارث طبيبًا، فقال لأبي بكر: ارفع يدك، والله إن فيها لَسُمُّ سَنَة، فلم يزالا عليلين حتى ماتا لانقضاء السنة في يوم واحد.
وأوصى أن تُغَسِّلَه أسماء بنت عُميس زوجته، فغسَّلته، وصلى عليه عمر، ونزل في قبره عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، ودُفن ليلًا ببيت عائشة رضي الله تعالى عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يختلِفون أن سنه انتهت إلى حين وفاته ثلاثًا وستين سنة، إلَاّ ما لا يصحُّ، وأنه استوفى بخلافته سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان نَقْش خاتمه: نعمَ القادرُ اللهُ. وقيل: نقشه: عبد ذليلٌ لربٍّ جليل.
والتَّيْمِيّ في نسبه مر في الأول من بدء الوحي.