الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والسبعون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
قوله: "أكل كَتِفَ شاة" أي: لحمه، وللمصنف في الأطعمة:"تعرَّقَ" أي: أكل ما علي العَرْق بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم، ويقال له: العُراق بالضم أيضًا.
وكان ذلك في بيت ضُباعة بنت الزُّبير بن عبد المطلب، وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم كما قاله القاضي إسماعيل. ويُحتمل أنه كان في بيت مَيْمونة كما يأتي من حديثها قريبًا، وهي خالة ابن عبّاس، كما أن ضُباعة بنت عمه، وبيَّن النسائي من حديث أُم سلمة أن الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال.
وقوله: "ثم صلى ولم يتوضأ" يعني مما مسَّتِ النار، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي والثوري والليث والأوزاعي وإسحاق وأبى ثور محتجّين بهذه الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم وغيرهما.
وقالت طائفة: يجب ممّا مسته النار: عائشة وأبو هريرة وزيد بن ثابت وابن عمر وأبو موسى وعمر بن عبد العزيز والحسن والزُّهري وأبو قِلابة، محتجّين بأحاديث صحيحة منها حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"توضؤوا مما مسَّتِ النار".
وقد مرَّ عند الترجمة القول بالتفرقة بين لحم الإبل وغيره، وما استدل به المفرقون.
وفي "البيهقي" عن الزُّهري أنه قال في أكله عليه الصلاة والسلام من كتف شاة ولم يتوضأ: ذهبت تلك القصة في الناس، ثم أخبر رجالٌ من أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم، ونساءٌ من أزواجه أنه قال:"توضؤوا مما مسَّتِ النار"، فكان الزُّهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مسَّتِ النار ناسخ لأحاديث الإباحة؛ لأن الإِباحة سابقة.
واعتُرض عليه بحديث جابر قال: "كان آخر الأمرينِ من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تركُ الوضوء مما مسَّتِ النارِ"، رواه أبو داود والنّسائي وغيرهما، وصححه ابن خزيمة وابن حِبّان وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي، وإن هذا اللفظ مختصرٌ من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم شاة، فأكل منها، ثم توضأ وصلى الظهر، ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ. فيُحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مسَّتِ النار، وأن توضُّؤه للظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة.
وحكى البَيْهقي عن عثمان الدّارِمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب، ولم يتبين الراجح منها، نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فرجَّحنا به أحد الجانبين، وارتضى النّووي هذا في "شرح المهذب"، وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة.
قال النّووي: كان الخلاف فيه معروفًا بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإِجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلَاّ ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل.
وجمع الخطّابي بوجه آخر، وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب. وقال المهلَّب: كانوا في الجاهلية قد ألفوا قلة التنظيف، فأمروا بالوضوء مما مسَّتِ النار، فلما تقررت النظافة في الإِسلام، وشاعت، نُسخ الوضوء تيسيرًا على المسلمين.