الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والثلاثون
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِى فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى! قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ".
قوله: "وعن أبي هُريرة" هو معطوف على الإسناد الأول، وجزم الكِرْماني بأنه تعليق بصيغة التمريض فأخطأ، فإن الحديثين ثابتان في نسخة همّام بالإسناد المذكور. وقد أخرج البخاري هذا الثاني من رواية عبد الرزّاق بهذا الإِسناد في أحاديث الأنبياء.
وقوله: "بَيْنا أيوب" وفي رواية أحاديث الأنبياء: "بينما"، وأصل بينا بين أُشبعت الفتحة أو زيدت الميم.
و"يغتسل" خبر المبتدأ، والجملة في محل الجر بإضافة بين إليه، والعامل:"خرَّ عليه" أو: هو مقدر، وخرَّ مفسِّر له. وقد مر في أوائل أحاديث الوحي إشباع الكلام على بينا. وعند أحمد وابن حِبّان عن أبي هريرة:"لما عافى الله أيّوبَ أمطر عليه جرادًا من ذهب".
وقوله: "فخرَّ عليه جراد من ذهب" في رواية أحاديث الأنبياء: "رِجْل جرادٍ من ذهب"، والرِّجْلِ -بكسرٍ فسكون-: الطائفة العظيمة من الجراد، والجراد اسم جمع، واحدُه جرادة، كتمر وتمرة. وحكى ابن سيدة أنه يقال للذكر: جراد، وللأنثى جرادة، وسُمّي جرادًا لأنه يجرد الأرض، أي: يأكلها.
وقوله: "يَحْتَثي في ثوبه" بإسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة، وفي رواية:"يَحْثي" بفتح المثناة التحتية، وفي رواية القابِسيّ:"يحتثِن" بنون في
آخره بدل الياء، والحَثْيَة هي الأخذ باليدين جميعًا، وفي رواية بَشير بن نَهيك:"يلتقِط"، وفي حديث ابن عبّاس عند أبي حاتم:"فجعل أيّوب ينشُرُ طرفَ ثوبه فيأخذ الجراد، فيجعله فيه، فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية".
وهل كان الجراد حقيقة ذا روح إلا أن اسمه ذهب، أو كان على شكل الجراد وليس فيه روح، والأظهر الثاني.
وقوله: "فناداه ربه"، يُحتمل أن يكون بواسطة أو بإلهام، ويُحتمل أن يكون بغير واسطة كما كلَّم موسى.
وقوله: "قال: بلى وعزتك" أي: أغنيتني، ولو قيل في مثل هذه المواضع بدل بلى: نعم. كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 170]، لم يجُز، بل يكون كُفرًا؛ لأن بلى مختصّة بجواب النفي، وتصييره إثباتًا، ونعم مقرِّرة لما سبقها من نفي أو إثبات.
والفقهاء لم يفرِّقوا بينهما في الأقارير لأن مبناها على العرف، ولا فرق بينهما في العرف، ولا يُحمل هذا على المعاتبة، وإنما هو استنطاق بالحجة.
وقوله: "ولكن لا غنى بي عن بركتك" أي: خيرك، وغِنى بكسر الغين- والقصر من غير تنوين، على أن لا لنفي الجنس، ورُوي بالتنوين والرفع على أن لا بمعنى ليس، ومعناهما واحد؛ لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، إلا أن الأولى توجب الاستغراق، والثانية تجوِّزه. وخبر لا، يُحتمل أن يكون: بي، أو: عن بركتك. وفي رواية بشير بن نَهِيك: "فقال: ومَنْ يشبعُ من رحمتك؟ أو قال: من فضلك".
ووجه الدلالة من حديث أيوب هذا أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد، ولم يعاتبه على الاغتسال عُريانًا، فدل على جوازه.
وفي الحديث جواز الحِرْص على الاستكثار من الحل الذي حق من وَثِق من نفسه بالشكر عليه. وفيه تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة.