المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الرابع والمئة - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٥

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌باب غسل الرجلين إلى الكعبين

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب استعمال فضل وضوء الناس

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من مَضْمض واستنشق من غَرْفة واحدة

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مسح الرأس مرة

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغسل والوضوء في المِخْضَب والقدح والخشب والحجارة

- ‌الحديث الستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من التور

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء بالمُدِّ

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

- ‌الحديث الحادي والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من مضمضر من السويق ولم يتوضأ

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب هل يُمَضْمِض من اللبن

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من النوم

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من غير حدث

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء في غسل البول

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌تنبيه

- ‌باب صب الماء على البول في المسجد

- ‌الحديث الخامس والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب يهَريق الماء على البول

- ‌الحديث السابع والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب بول الصِّبْيان

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول قائمًا وقاعدًا

- ‌الحديث التسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط

- ‌الحديث الحادي والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول عند سُباطة قوم

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غَسل الدم

- ‌الحديث الثالث والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

- ‌الحديث السابع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث المائة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء

- ‌الحديث الحادي والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول في الماء الدائم

- ‌الحديث الرابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أُلقِي على ظهرِ الْمُصَلِّي قذر أوْ جِيفَةٌ لمْ تَفْسُد عليهِ صَلاتُهُ

- ‌الحديث الخامس والمئة

- ‌رجاله عشرة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البصاق والمخاط ونحوه في الثوب

- ‌الحديث السادس والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر

- ‌الحديث السابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه

- ‌الحديث الثامن والمئة

- ‌رجاله أربعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب السِواك

- ‌الحديث التاسع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العاشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دفع السواك إلى الأكبر

- ‌الحديث الحادي عشر والمائة

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف الإسنادين:

- ‌باب فضل من بات على الوضوء

- ‌الحديث الثاني عشر والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌تنبيه

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الغُسْلِ

- ‌باب الوضوء قبل الغسل

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غُسْلَ الرجل مع امرأته

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغُسل بالصاع ونحوه

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أفاض على رأسه ثلاثًا

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغسل مرة واحدة

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من بدأ بالحِلاب أو الطيب عند الغُسل

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تفريق النُسل والوضوء

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغُسل

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب إذا جَامَعَ ثم عاد ومن دار على نسائه في غُسْلٍ واحد

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غَسْلِ المذي والوضوء منه

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة

- ‌الحديث الرابع والعشرين

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تخليلِ الشَّعَرِ حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يُعِدْ كسل مواضع الوضوء منه مرة أخرى

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج ولا يتيمم

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌ورجالها أربعة:

- ‌باب نفض اليدين من الغسل عند الجنابة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من بدأ بشقِّ رأسه الأيمن في الغسل

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌بابُ مَنِ اغْتَسلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ في الخَلْوَةِ ومَنْ تَسَتَّر فالتستُّر أَفْضَلُ

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التستر في الغسل عند الناس

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب إذا احتلمت المرأة

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عرق الجُنُب وأن المسلم لا يَنْجُس

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ

الفصل: ‌الحديث الرابع والمئة

‌الحديث الرابع والمئة

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ". وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ".

قوله: "إن الأعرج حدثه" كذا رواه شُعيب، ووافقه ابن عُيينة فيما رواه الشافعي عنه عن أبي الزناد، ورواه أكثر أصحاب ابن عُيينة عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، والطريقان صحيحان معًا، فلأبي الزناد فيه شيخان، ولفظهما في سياق المتن مختلف كما سيُشار إليه.

وقوله: "نحن الآخِرون السابقون" في رواية مسلم: "نحن الآخِرون ونحن السابقون" أي: الآخرون زمانًا، الأوَّلون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول من يُحشر، وأول من يُحاسب، وأول من يُقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة.

وفي "فوائد" ابن المقرىء عن أبي هريرة بلفظ: "نحن الآخِرون في الدنيا، ونحن السابقون، أول من يدخل الجنة؛ لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا".

وفي حديث حذيفة عند مسلم: "نحن الآخِرون من أهل الدنيا، والأوَّلون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق".

وقيل: المراد بالسبق هنا إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، ويوم الجمعة وإن كان مسبوقًا بسبتٍ قبله أو أحدٍ، لكن لا يُتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقًا.

ص: 266

وقيل: المراد بالسَّبْق أي: إلى القَبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب، فقالوا: سمعنا وعصينا والأول أقوى.

واختُلف في الحكمة في تقديم هذه الجملة على الحديث المقصود، فقال ابن بطّال: يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في نسق واحد، فحدث بهما جميعًا. ويُحتمل أن يكون همّام فعل ذلك لأنه سمعهما من أبي هُريرة. وإلا فليس في الحديث مناسبة للترجمة.

وجزم ابن التين بالأول، وهو متعقَّب بأنه لو كان حديثًا واحدًا ما فصَّله المصنف بقوله:"وبإسناده". وأيضًا: قوله: "نحن الآخرون السابقون" طرف من حديث مشهور، يأتي في الجمعة، فلو راعى البخاري ما ادعاه، لساق المتن بتمامه. وأيضًا حديث الباب مرويٌّ بطرق متعددة في دواوين الأئمة عن أبي هريرة، وليس في طريق منها في أول:"نحن الآخِرون السابقون".

وقول ابن بطّال: يُحتمل أن يكون همّام

إلخ. وهمٌ تبعه عليه جماعة، فليس لهمّام ذكر في هذا الإِسناد.

قلت: يُجاب عن ابن بطّال بأنه قال ما قال في نظير هذا الحديث، فقد أخرج البخاري في كتاب التعبير عن همّام عن أبي هُريرة مثل هذا، صدَّره أيضًا بقوله:"نحن الآخِرون السابقون"، قال: وبإسناده. ولا تأتي فيه المناسبة المذكورة، مع ما فيها من التكلُّف.

والظاهر أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة مَعْمر عن همّام عنه، ولهذا قلَّ حديث يوجد في هذه إلا وهو في الأخرى، وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة، أخرج الشيخان غالبها، وابتداء كل نسخة منهما حديث:"نحن الآخِرون السابقون"، فلهذا صدَّر به البخاري فيما أخرجه من كل منهما.

قلت: ففي هذا جواب عن ابن بطال في ذكره لهمّام، فظاهر هذا الكلام أنه مذكور في هذا الحديث بعينه، وإن لم يذكره البخاري. وقد مر الكلام على

ص: 267

النسخة مستوفى عند الحديث الأخير من بدء الوحي.

والصواب في مناسبة الحديث للجملة السابقة هو أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة، لتضمُّنه موضع الدِّلالة المطلوبة، وإن لم يكن باقيه مقصودًا، كما صنع في حديث عروة البارقي الآتي في الجهاد في شراء الشاة، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة.

وقد وقع لمالك في "الموطأ" نحو هذا، إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متونًا بسند واحد، أولها:"مر رجل بغصن شوك"، وآخرها:"لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوًا" وليس غرضه منها إلا الحديث الأخير، لكنه أدّاها على الوجه الذي سمعه.

وقال ابن العربي في "القبس": نرى الجهّال يتبعون تأويلها، ولا تعلُّق للأول منها بالباب أصلًا.

وقيل: وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر من يُدفن من الأمم في الأرض، وأول من يخرج منها؛ لأن الوعاء آخر ما يُوضع فيه أول ما يُخْرَج منه، فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر، فينبغي أن يجتنب ذلك. ولا يخفى ما فيه.

وقيل: وجه المناسبة أن بني إسرائيل وإن سبقوا في الزمان، لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه، فلعلهم كانوا لا يجتنبونه.

وتُعُقِّب بأن بني إسرائيل كانوا أشدَّ مبالغة في اجتناب النجاسة، بحيث كانت النجاسة إذا أصابت جلد أحدهم قرضه، فكيف يُظن بهم التساهل في هذا، وهو استبعاد لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور، وما مر أولى.

وقوله: "وبإسناده" أي: إسناد هذا الحديث السابق.

وقوله: "الذي لا يَجْري" قيل: هو تفسير للدائم، وإيضاح لمعناه. وقيل: احترز به عن راكد يجري بعضه، كالبرك. وقيل: احترز به عن الماء الدائر؛ لأنه

ص: 268

جارٍ من حيث الصورة، ساكن من حيث المعنى. وقال ابن الأنباري: الدائم من حروف الأضداد، يقال للساكن والدائر، ومنه أصاب الرأس دوامٌ، أي: دُوار، ويطلق على البحار والأنهار الكبار التي لا ينقطع ماؤها أنها دائمة، بمعنى أن ماءها غير منقطع. وقد اتفق على أنها غير مرادة هنا، وعلى هذا فقوله:"الذي لا يجري" صفة مخصصة لأحد معنى المشترك، وهذا أولى من حمله على التأكيد الذي الأصل عدمه. ولا يخفى أنه لو لم يقل:"الذي لا يجري" لكان مجملًا، بحكم الاشتراك الدائر بين الدائر والدائم، وحينئذ فلا يصح العمل على التأكيد.

وقيل: الدائم والراكد مقابلان للجاري، لكن الدائم هو الذي له نبعٌ، والراكد الذي لا نبع له.

وقوله: "ثم يغتسل" بضم اللام على المشهور، وجوَّز ابن مالك الجزم عطفًا على "يبولنَّ"، لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية، ولكنه بُني على الفتح لتوكيده بالنون.

ومنع القرطبي ذلك، فقال: لو أراد النهي لقال: ثم لا يغتسِلنَّ، فحينئذ يتساوى الأمران في النهي عنهما؛ لأن المحل الذي تواردا عليه شيء واحد، وهو الماء، فعُدوله عن ذلك يدُل على أنه لم يُرِد العطف، بل نبَّه على مآل الحال، والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله. ومثَّلَه بقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يضربنَّ أحدُكم امرأته ضربَ الأمة ثم يضاجعُها" فإنه لم يروه أحد بالجزم؛ لأن المراد النهي عن الضَّرب؛ لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها، فتمتنع لاساءته إليها، فلا يحصُل له مقصوده، وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها. وفي حديث الباب: ثم هو يغتسل منه.

وتعُقِّب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطِف عليه نهي آخر غير مؤكد، لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر.

وقال القُرطبي: لا يجوز النصب، إذ لا تُضمر أن بعد ثم.

ص: 269

وأجازه ابن مالك بإعطاء ثم حكم الواو.

وتعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون المنهي عنه الجمع بين الأمرين، دون إفراد أحدهما.

وضعَّفه ابن دقيق العيد، بأنه لا يلزم أن يدُل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيُؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب، ويُؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر، كحديث مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن البول في الماء الراكد". وعنده أيضًا عن أبي هُريرة بلفظ:"لا يغتسِلْ أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنب". وروى أبو داود النهي عنهما في حديث واحد بلفظ: "لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسِل فيه من الجنابة".

واستدل به بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل؛ لأن البول ينجِّس الماء، فكذلك الاغتسال، وقد نهى عنهما معًا، وهو للتحريم، فيدل على النجاسة فيهما. ورُدَّ بأنها دِلالة اقتران، وهي ضعيفة، وعلى تسليمها فلا تلزم التسوية، فيكون النهي عن البول لئلا ينجِّسَه، وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبَهُ الطُّهورية، ويزيد ذلك وضوحًا قولُه في رواية مسلم: كيف يفعل يا أبا هُريرة؟ قال: "يتناوله تناولًا" فدل على أن المنع من الاغتسال فيه لئلا يصير مستعملًا، فيمتنع على الغير الانتفاع به، والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره.

قال في "الفتح": وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور، وقد تقدمت الأدلة على طهارته.

قلت: هذا على مذهبه من أن النهي للتحريم. وحمل مالك النهي عن الاغتسال في الماء الراكد على التنزيه، ومحل الكراهة عنده إذا لم يستبحر جدًّا، بحيث لا يؤثر فيه الاغتسال، وأن لا تكون له مادة، وإلا فلا كراهة، وأن لا يحصُل له التنجيس بالاغتسال، وأن لا يكون في ملكه، وإلا مُنع في الأول، وأبيح في الثاني.

ص: 270