الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والستون
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ". وَأُجْلِسَ فِى مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ.
قوله: "لما ثَقُل" أي: في المرض، وهو بضمِّ القاف بوزن صَغُر، وفي "القاموس" ثَقِلَ كفَرِحَ، فهو ثاقل وثقيل، اشتد مرضه. يقال: ثقل في مرض إذا رَكَدت أعضاؤه عن خفة الحركة.
وقوله: "استأذن أزواجه في أن يمرَّضَ" -بفتح الراء الثقيلة -أي: يُخدم. وروى ابن سعد بإسناد صحيح "أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين بذلك. فقالت لهن: إنّه يشُقُّ عليه الاختلاف". وفي رواية هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة عند المؤلف "أنه كان يقول: أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ يريد يوم عائشة، فأذِن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها"، وفي رواية ابن أبي مُلَيْكة عن عائشة "أن دخوله بيتها كان يوم الاثنين، ومات يوم الاثنين الذي يليه، وكان أول ما بدأ مرضه في بيت ميمونة"، وعند أحمد عن عائشة "أنه صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: إني لا أستطيع أن أدور بيوتَكُنَّ، فإذا شئتُنَّ أذِنْتُنَّ لي"، وعند أبي شَيْبة من مرسل أبي جعفر "أنه عليه الصلاة والسلام قال:
أين أكونُ غدًا، كررها، فعرفت أزواجه أنه إنما يريد عائشة، فقلن: يا رسول الله، قد وَهَبْنا أيامنا لأُختنا عائشة"، وعند الإسماعيلي عن عائشة: "كان يقول: أين أنا حِرْصًا على بيتِ عائشة، فلمّا كان يومي سَكَن، وأذن له أزواجه أن يمرَّض في بيتي".
وقوله: "في بيتي" أي: بيت عائشة، ونسبته لها بالنظر إلى سكناها به.
وقوله: "فأذِنَّ له" بفتح الهمزة وكسر الذال وتشديد النون، أي الأزواج، ورُوي بضمِّ الهمزة وكسر الذال على البناء للمجهول. واستُدِلَّ به على أن القَسْم كان واجبًا عليه، ويُحتمل أن يكون فعل ذلك تطييبًا لهن.
وقوله: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رَجُلَيْن تخطُّ رِجلاه في الأرض" أي: لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض، وفي رواية تأتي:"يُهادي بينَ رجلين" بضم الياء وفتح الهاء، أي: يعتمد على الرجلين متمايلًا في مشيه من شدة الضَّعْف، والتّهادي التمايل في المشي البطيء. وقوله:"قال عبيد الله" هو الراوي له عن عائشة، وهو بالإسناد المذكور من غير أداة عطف.
وقوله: "قال: هو علي" زاد الإسماعيلي عن مَعْمر: "ولكن عائشة لا تطيبُ له نفسًا بِخَيْر"، ولابن إسحاق في "المغازي" عن الزُّهري:"ولكنها لا تقدِرُ أن تذكره بخير".
وفي هذا ردٌّ على من تنطَّع فقال: لا يجوز أن يُظَنَّ ذلك بعائشة، وإنما لم تسمِّه لما كان عندها منه مما يحصُل للبشر، مما يكون سببًا في الإعراض عن ذكر اسمه.
وفيه ردٌّ أيضًا على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعيّن في جميع المسافة، إذ كان تارة يتوكأ على الفضل كما في رواية لمسلم:"خرج بين الفضل بن عباس ورجل آخر"، وفي رواية له:"بين رجُلَين أحدهما أسامة"، وعند الدارقطني:"أسامة والفَضْل"، وعند ابن حِبّان:"بين بُرَيْرة ونُوْبة" بضم النون وسكون الواو ثم موحدة، وهو اسم عبدٍ لا أمة كما جزم به سَيْف في "الفتوح"،
وعند ابن سعد: "بين الفَضْل وثَوْبان" قائلًا: إن في جميع ذلك الرجل الآخر هو العبّاس، واختُصَّ بذلك إكرامًا له. وهذا توهُّم ممن قاله، والواقع خلافه، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازمٌ بأن المبهم هو علي، فهو المعتمد. ودعوى وجود العباس في كل مرة، والذي يتَبَدّل غيره مردود بما مر عن الدّارقُطني وابن حِبّان وابن سَعْد، فإنه صريح في أن العبّاس لم يكن في واحدة منها.
ويُجمع بين هذه الروايات بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين بُريرة ونُوبة، ومن ثَمَّ إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي أو غيرهما، أو يُحمل على تعدد الخروج، فيتعدد من اتّكأ عليه، وهو أولى من قول من قال: تناوبوا في صلاة واحدة.
وقوله: "وكانت عائشة تحدَّث" هو معطوف أيضًا بالإِسناد المذكور.
وقوله: "هَريقوا عليَّ" كذا للأكثر، وللأصيليّ بزيادة الهمزة وسكون الهاء، قال سيبويه: أَهراق يُهْريقُ إهرياقًا، مثل اسطاعَ يُسطيعُ اسطياعًا بقطع الهمزة وفتحها في الماضي، وضمِّ الياء في المستقبل وهي لغة في أطاعَ يُطيعُ، فجُعِلَت السين والهاء عوضًا من ذهاب حركة عين الفعل. وروي بفتح الهاء واستشكل، ويوجه بأن الهاء مبدلة من الهمزة؛ لأن أصل هَرَاق أراق، ثم اجتُلِبت الهمزة، فتحريك الهاء على بقاء البدل والمبدل منه، وله نظائر. وذكر له الجوهري توجيهًا آخر، وأن أصله أأريقوا، فأبدلت الهمزة الثانية هاءً للخفّة. وجزم ثعلب بأن أهَريقوا بفتح الهاء.
وقوله: "من سبع قرب" في رواية للطبراني في هذا الحديث: "من آبار شتّى"، والظاهر أن ذلك للتداوي، لقوله في رواية أخرى في "الصحيح":"لعلّي أستريحُ فأَعْهَدُ" أي: أوصي، وهذا مثل ما في هذه الرواية هنا:"لعلّي أعهد إلى الناس".
قال الخطابي: يشبه أن يكون خَصَّ السبع تبركًا بهذا العدد؛ لأن له دخولًا