الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والمئة
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَسَأَلَهُ النَّاسُ وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ: بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا بَقِىَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاءٌ، وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ.
قوله: "وسأله الناس وما بيني وبينه أحد" جملة حالية، وأراد بقوله:"وما بيني وبينه أحد" أي: عند السؤال، ليكون إدل على صحة سماعه منه، لقربه منه.
وقوله: "بأي شيء" الجار متعلق بسأل، والمجرور للاستفهام.
وقوله: "دُوْوِي" بواوين، الأولى ساكنة والثانية مكسورة، مبني للمفعول من المُداواة، وربما حُذف في بعض الأصول إحدى الواوين، كداود في الخط.
وقوله: "جرح النبي صلى الله عليه وسلم" يعني الذي أصابه في غزوة أحد، ومجموع ما ذُكر في الأخبار أنه شُجَّ وجهه، وكُسرت رباعيته، وجُرحت وجنته، وشفتُه السُّفلى من باطنها، ووَهِيَ منكِبُهُ من ضربة ابن قَمِئة، وجُحِشت رُكبته.
وروى عبد الرزاق عن الزُّهري قال: ضُرب وجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف سبعينَ ضربةً، وقاه الله شرَّها كلها. وهذا مرسلٌ قوي. ويُحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة في الكثرة.
وذكر ابن هشام عن أبي سعيد الخُدري أن عُتبة بن أبي وقّاص هو الذي كَسَرَ رباعية النبي صلى الله عليه وسلم السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في جبهته، وأن عبد الله بن قمِئة جرحه في وجنته فدخلت
حَلَقَتان من حَلَق المِغْفر في وجنته، وأن مالك بن سنان مصَّ الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ازدَرَدَه، فقال:"لن تمسَّك النار".
وروى ابن إسحاق عن سعد بن أبي وقّاص أنه قال: ما حَرَصْتُ على قتل رجل قطُّ حِرصي على قتل أخي عُتبة بن أبي وقّاص لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
وفي الطبراني عن أبي أمامة، قال: رمى عبد الله بن قمِئة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشجَّ وجهه، وكسر رباعيته، فقال: خُذها وأنا ابن قَمِئة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه: "مالك أقْمَأَكَ الله؟ " فسلط الله عليه تَيْسَ جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطَّعَه قطعةً قطعةً.
وأخرج ابن عائذ في "المغازي" نحوه، إلَاّ أنه قال: فانصرف إلى أهله، فخرج إلى غنمه، فوافاها على ذروة جبل، فدخل فيها، فشدَّ عليه تيسُها، فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل، فتقطع. فالأول جعل القاتل له تيس الجبل، وهذا جعله تيس غنمه.
ولابن عائذ أيضًا عن الأوزاعي: بلغنا أنه لما جُرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، أخذ شيئًا، فجعل ينشِّف به دمه، وقال:"لو وقع منه شيء على الأرض لنزل عليكم العذابُ من السماء"، ثم قال:"اللهم اغفِر لقومي فإنهم لا يعلمون".
وقوله: "ما بقي أحدٌ أعلمُ به مني" برفع أعلم صفة لأحد، أو بالنصب على الحال، وإنما قال ذلك لأنه كان آخر من بقي من الصحابة بالمدينة كما عند المصنف في النكاح، وكان بين الوقعة وبين تحديث سهل بذلك أكثر من ثمانين سنة.
وقوله: "يجيء بتُرسه" أي: بضم التاء، جمعه أتراس.
وقوله: "فأُخذ حصيرٌ فأُحرق فحُشي به" بضم الهمزة في الأوَّلين والحاء في الأخير بالبناء للمفعول في الجميع، والضمير في "به" لما أُحرق.