الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والعشرون
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِى الْخَمِيلَةِ، فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَنُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِى الْخَمِيلَةِ. قَالَتْ: وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الْجَنَابَةِ.
قوله: "فأدخلني معه في الخميلة"، الخميلة الأخيرة هي الخميلة الأولى، لأن المعرفةْ إذا أُعيدت بلفظِها كانت عينَ الأولى، وقد مرّ الكلام على هذا الحديث عند ذكره في باب من سمّى النِّفاس حيضًا.
وقوله: "قالت: وحدثتني" أي: قالت زينب مما هو داخل تحت الإِسناد الأول، و"حدثتني" عطفٌ على قالت أُم سلمة الأول، أو عطف جملة على جملة، كما في:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، أي: ولِيَسْكُنْ زوجُك.
وقولها: "كان يقبِّلها وهو صائم" روي أيضًا عن عائشة في كتاب الصوم: "كان صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل ويبُاشر وهو صائم، وكانَ أمَلْكَكُم لإِرْبِه". والتقبيل أخص من المباشرة، فهو من ذكر العامِّ بعد الخاص.
وقد اختُلِف في القبلة والمباشرة للصائم على أقوال:
فكرهها قومٌ مطلقًا، وهو مشهور مذهب مالك، إن علمتَ السلامة من المذي أو المني أو الإنعاظ الكامل عند ابن القاسم، وإن لم تعلم السلامة بأن
عُلِم عدمُها أو ظُنَّ حَرُمَتِ المقدماتُ كلها، وان شكَّ في السلامة وعدمها فيه خلاف، هَلْ تحرُمُ أو تُكْرَه.
وروى ابن أبي شَيْبة بإسناد صحيح عن ابن عُمر أنه كان يكرهُ القُبلة والمباشرة.
ونقَل ابنُ المنذرِ عن قومٍ تحريمَها، واحتجوا بقوله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}
…
الآية [البقرة: 187]، فمنع من المباشرة في هذه الآية نهارًا. وأجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن عن الله تعالُّ، وقد أباح المباشرة نهارًا، فدلَّ على أن المباشرة في الآية: المراد بها الجِماع لا ما دونَه من قُبلة ونحوها.
وأفتى عبد الله بن شُبْرُمة أحد فقهاء الكوفة بإفطار من قبَّل وهو صائم، ونقله الطحاوي عن قومٍ لم يسمِّهم.
وأباح القُبلة: قومٌ مطلقًا، وهُو المنقول صحيحا عن أبي هُريرة، وبه قال: سعيد، وسعد بن أبي وقاص، وطائفة، بل بالغ بعض أهل الظّاهر فاستحبَّها.
وفرق آخرون بين الشابِّ والشيخ، فكرهها للشاب، وأباحها للشيخ، وهو مشهور عن ابن عبّاس، أخرجه عنه مالك، وسعيد بن منصور، وجاء فيه حديثان فيهما ضعف عند أبي داود، عن أبي هريرة، وأحمد عن عبد الله بن عُمر.
وفرَّق آخرون بين من يملِكُ نفسَه ومن لا يملك كما أشارت إليه عائشة، وكما مرّ في مباشرة الحائض.
وقال التِّرمِذي: ورأى بعضُ أهل العلم أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبِّل، وإلا فلا، ليَسْلَمَ له صومُه. وهو قول سفيان، والشافعي. فالنظر في ذلك لمن لا يتأثّر بالمباشرة والتقبيل، لا للتفرقة بين الشاب والشيخ؛ لأن عائشة كانت شابّة.
ويدُلُّ على ذلك ما رواه مسلم عن عمر بن أبي سَلَمة، وهو ربيبُ النبي
-صلى الله عليه وسلم، أنه سأله عليه الصلاة والسلام: أيقبِّل الصائم؟ فقال: سل هذه لأُم سلمة، فأخبرته أنه عليه الصلاة والسلام يصنعُ ذلك. فقال: يا رسول الله، قد غُفِر لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخّر. فقال:"أما والله إني لأتقاكُم لله، وأخشاكُم له". وعمر حينئذٍ كان شابًّا، ولعله كان أول ما بلغ.
وفيه دِلالة على أنه ليس من الخصائص. وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار، عن رجل من الأنصار، أنه قبَّل امرأته وهو صائم، فأمر امرأته أن تسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، فسألته، فقال:"إني أفعلُ ذلك". فقال زوجها: يرخِّص الله لنبيه ما يشاء. فرجَعَتْ، فقال:"أنا أعلمُكُم بحدود الله وأتقاكم".
وقال النووي: القُبلة في الصوم ليست محرمَّة على من لم تحرِّك شهوته، لكن الأولى له تركها، وأما مَن حرَّكَت شهوتَه فهي حرام في حقه على الأصح. وقيل: مكروهة.
وروى ابن وَهْب عن مالك إباحتها في النفل دون الفرض، وهذا الذي قاله قريب من التفصيل المار عن المالكية. وقد قال المازَرِيّ منهم: ينبغي أن يُعتبر حال المقبِّل، فإن أثارت منه القُبلة الإِنزال حَرُمت عليه، لأن الإِنزال يُمنع منه الصائم، فكذلك ما أدّى إليه، وإن كان عنها المذي، فمن رأى القضاء منه قال: يحرم في حقه، ومن رأى أَنْ لا قضاءَ، قال: يكره. وإن لم تؤدِّ القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسدِّ الذريعة.
قال: ومن بديعِ ما رُوي في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام للسائل عنها فيما أخرجه أبو داود والنسائي عن عمر، وقال النسائي: إنه منكر، وصححه ابن خُزيمة وابن حِبّان والحاكم:"أرأيتَ لو تمَضْمَضْتَ؟ "، فأشار إلى فقهٍ بديعٍ، وذلك أن المضمضة لا تنقُضُ الصوم، وهي أول الشُّرب ومفتاحه، كما أن القُبلة من دواعي الجِماع ومفتاحه، والشرب يُفسد الصوم كما يفسده الجِماع، فكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا تُفْسِد الصوم، فكذلك أوائل الجِماع.
وألزم ابن حَزْم أهل القياس أن يقيسوا الصيامَ على الحجِّ في منع المباشرة ومقدمات الجِماع، للاتِّفاق على إبطالهما بالجِماع.
واختَلَفت العلماء فيما إذا باشر أو قبَّل أو نظر فأنزل أو أمذى، فقال الكوفيون والشافعي: يقضي إذا أنزل في غير النظر، ولا قضاء في الإمذاء. قال النووي: لا خلاف أنها، أي: القبلة، لا تُبْطِل الصوم، إلا إن أنزل بها. وقال مالك بوجوب الكفارة عند الإِنزال مطلقًا من قُبلة كان أو ملامسة أو فكر. وقال ابن القاسم: تجب إلا إذا حَصَل عن نظر أو فكر غير مُدامَيْن. وقال أَشْهَب: لا تجب إلا مع المداومة مطلقًا. وقال اللَّخْمي: إذا كان حصولُه مخالفًا للعادة لا تجِبُ، وإذا حصل المذي، فإن كان عن قُبلة ومباشرة قضى، وقيل: لا قضاء فيه، وإن كان عن نظرٍ وفِكْرٍ غير مُدامَيْن بدون قصد، لا قضاء فيه. وفي المدامَيْن قولان، والمشهور عدم القضاء. وإن حصل الإنعاظ الكامل ففيه ثلاثة أقوال، قال أشهب: لا قضاء فيه مطلقًا. وقيل: فيه القضاء مطلقًا. وفصَّل ابن القاسم بين ما إذا كان عن قبلة ومباشرة ففيه القضاء، وإلا فلا قضاء. واحتجَّ القائل بالكفارة بالإِنزال بأنه أقصى ما يُطلب بالجماع من الالتذاذ في كل ذلك. وتعقَّبه الآخرون بأن الأحكام عُلِّقت بالجِماع، ولو لم يكن إنزال، فافترقا.
قلت: هذا التعقُّب غير ظاهر؛ لأن الجِماعَ المعلَّقةُ به الأحكام، غايتُه وثمرتُه الإِنزال، فتتعلَّق به كما تعلقت بسببه.
وروَى عبد الرزاق عن حُذيفة بإسناد ضعيف: "من تأمَّلَ خَلْقَ امرأتهِ وهو صائمٌ، بطُلَ صومُه".
وقال ابن قُدامة: من قبَّل فأنزل أفطر بلا خلاف، وفيه نظر؛ لأن ابن حَزْم قد حكى أنه لا يُفطر ولو أنزل. وقوّى ذلك وذهب إليه.
وما رواه النّسائي عن عائشة أن الأسود سألها: أيُباشِر الصائم؟ قالت: لا. قلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت: إنه كان أمْلَكَكُم لإِربهِ بما يدُلُّ بظاهره على أنها اعتقدت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، يُجمع