الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُبالون بالحيض، وإنما وصفه بأنه أذىً، ورتَّب الحكم عليه بالفاء. إشعارًا بأنه العلة.
وقَوْله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} تأكيد للحكم، وبيان لغايته، وهو أن يغتسِلْن بعد الانقطاع، ويدلُ عليه صريحًا قراءة:{يَطْهُرْنَ} بالتشديد، بمعنى: يغتسلن. والتزامًا. قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} فإنه يقتضي تأخر جواز الإتيان عن الغسل، وقال أبو حنيفة: إن طهُرت لأكثر الحيض جاز إتيانها قبل الغسل. وقال ابن شعبان من المالكية: يجوز إتيانها بعد الطُّهر إذا تيممت قبل أن تغتسل.
وقوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} أي: بتجنبه في الحيض، وهو القبل، ولا تعدوه إلى غيره، فهو المأتي الذي أمركم به وحلله لكم.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} أي: من الذنوب.
وقوله: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} أي: المتنزهين عن الفواحش والأقذار، كمجامعة الحائض، والإتيان في غير القبل.
ذكرت الآية كلها في رواية ابن عساكر، ولأبوي ذرٍّ والوقت:"فاعتزلوا إلى قوله يحب المتطهرين". وفي رواية: "ويسألونك عن المحيض الآية".
باب كيف كان بَدْءُ الحيض
أي: ابتداؤه، ويجوز تنوين باب بالقطع عمّا بعده، وتركه بالإضافة إليه، وقد مرَّ ما فيه في قوله أول الكتاب:"باب: كيف كان بدء الوحي".
وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا شَيءٌ كتَبَهُ الله على بَنَاتِ آدَمَ.
بجر: "قول" ورفعه.
وقوله: "هذا شيء" الإشارة إلى الحيض.
وقوله: "كتبه الله علي بنات آدم" أي: لأنه من أصل خِلْقَتِهنَّ الذي فيه
صلاحهن، ويدل له قوله تعالى:{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90]، المفسر بأصلحناها للولادة برد الحيض إليها بعد عقرها. وأخرج الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أن ابتداء الحيض كان على حوّاء عليها السلام بعد أن أُهْبِطَت من الجنة.
والتعليق المذكور وصله المصنف في الباب الذي يليه عن عائشة بلفظ: "هذا أمر" ووصله بعد ستة أبواب في باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، بلفظ:"فإن ذلك شيء" بدل قوله هنا: "هذا شيء".
وقالَ بَعْضُهُمْ كانَ أوَّلُ ما أُرسلَ الحَيْضُ على بَني إسْرَائيلَ.
قوله: "أول" بالرفع لأنه اسم كان، والخبر:"علي بني إسرائيل".
وقوله: "أُرْسِل" بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول، والحيض نائبه، وكأنه يشير إلى حديث عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح، قال:"كان الرجال والنساء من بني إسرائيل يصلّون جميعًا، فكانت المرأة تتشوَّف للرجل، فألقى الله عليهنَّ الحيضَ، ومنعهنَّ المساجد". وعنده عن عائشة نحوه.
فالبعض المبهم هو عبد الله بن مسعود وعائشة كما علمت، وعبد الله قد مرَّ في أول كتاب الإيمان في ذكر حديث منه، ومرَّت عائشة في الثاني من بدء الوحي.
قال أبُو عَبْدِ اللهِ وحديثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ
قوله: "أكثر" قيل: معناه أشمل من قول بعضهم السابق؛ لأنه عامٌّ في جميع بنات آدم، فيتناول الإسرائيليات ومن قبلَهن، أو المراد أكثر شواهدًا وأكثر قوة. وقال الداوودي: ليس بينهما مخالفة، فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم، فعلى هذا، فقوله:"بنات آدم" عام أريد به الخصوص.
وما قاله غير ظاهر، فالمخالفة كما ترى ظاهرة، فإن هذا القول يلزم منه أن غير نساء بني إسرائيل لم يُرسل عليهن الحيض، والحديث ظاهر في أن جميع
بنات آدم كتب عليهن الحيض إسرائيلياتٍ كُنَّ أو غيرهن، وقد مرَّ في حديث ابن عباس التصريح بأن أول ابتداء الحيض كان على حواء.
وأخرج الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] أي: حاضت. والقصة متقدمة علي بني إسرائيل بلا ريب.
قال في "الفتح": ويمكن أن يُجمع بينهما مع القول بالتعميم، بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مُكْثِه بهنَّ عقوبة لهن لا ابتداء وجوده.
وتعقبه العيني فقال: كيف يقول: لا ابتداء وجووه. والخبر فيه: "أول ما أرسل". وبينه وبين كلامه منافاة، وأيضًا: من أين وردَ أن الحيض طال مكثه على نساء بني إسرائيل، ومن نقل هذا.
قلت: هذا الاعتراض ساقط، فإن قوله في الحديث:"أول ما أرسل" لا منافاة فيه لما قال، بل فيه دلالة له؛ لأن الإرسال عبارة عن الانطلاق، والانطلاق فيه دلالة على الكثرة، والكثرة تستلزم طول المكث، والتوفيق بين الأحاديث لا يشترط فيه النفل، بل يحصُل بما هو ممكن مما يزيل التعارض كما هو مقرر في علم الأصول.
وأجاب العيني بأنه يمكن أن الله تعالى قطع حيض نساء بني إسرائيل عقوبةً لهُن ولأزواجهن لكثرة عنادِهم، ومضت على ذلك مدة، ثم إن الله رحمهم وأعاد حيض نسائهم الذي جعله سببًا لوجود النسل، فلما أعاده عليهم كان ذلك أول الحيض بالنسبة إلى مدة الانقطاع، فأطْلَق الأولية عليه بهذا الاعتبار؛ لأنها من الأمور النسبية.
قلت: هذا الجواب ظاهر السقوط لما فيه من البُعد من انقطاع الحيض وإعادته، فما في الأحاديث دلالة على أنه انقطع بعد أن حصل، ولما فيه أيضًا من منافاة الحديث، فإن الحديث فيه أن الحيضَ أُرسل عقوبة لنساء بني إسرائيل، وهو قال: إن هذا الابتداء والإرسال كان رحمة لهن.