الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس عشر
حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ. قَالَ فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُؤِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صلى الله عليه وسلم.
قوله: ينقل معهم أي مع قريش، وقوله: الكعبة، أي لبنائها، وكان ذلك قبل البعثة. قيل: كان عمره عليه الصلاة والسلام إِذ ذاك خمسًا وثلاثين سنة. وقيل: كان قبل المبعث بخمس عشرة سنة. وقيل: كان عمره خمس عشرة سنة. ورواية جابر لذلك من مراسيل الصحابة، فإما أن يكون سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك، أو من بعض مَن حضر ذلك من الصحابة. والذي يظهر أنه العباس وفي سياق الحديث ما يستأنس به لأخذه من العباس، فلا يكون مرسلًا.
ويدل لأخذه منه عليه الصلاة والسلام ما رواه الطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا هل يقوم الرجل عريانًا؟ فقال: أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لما انهدمت الكعبة، نقل كل بطنٍ من قريش، وأنه عليه الصلاة والسلام نقل مع العباس، وكانوا يضعون ثيابهم على العواتق، يتقوون بها على حمل الحجارة. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاعتقلت رجلي، فخررت وسقط ثوبي، فقلت للعباس: هلمّ ثوبي، فلبست أتعرّى بعدها إِلاّ إِلى الغسل.
وفي إسناده ابن لُهيعة، وهو ضعيف، لكن تابعه عبد العزير بن سليمان عن أبي الزبير عند أبي نعيم، وقد حدث به عن العباس ابنُه عبد الله، وسياقه أتم.
أخرجه الطبرانيّ والبيهقيّ في الدلائل، والطبريّ في التهذيب، وأبو نعيم في المعرفة والدلائل عن ابن عباس. قال: حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال: لما بنت قريش الكعبة انفردتْ رَجُلبن رَجُلين ينقلون الحجارة، فكنت أنا وابن أخْي، فجعلنا نأخذ أُزرنا فنضعها على مناكبنا، ونجعل عليها الحجارة، فإذا دنونا من الناس لبسنا أُزرنا، فبينا هو أمامي، إذ صرع، فسعيت وهو شاخص ببصره إلى السماء، فقلت لابن أخي: ما شأنك؟ قال: نهيت أن أمشي عُريانًا. قال: فكتمته حتى أظهر الله نبوّته.
وأخرج الحاكم والطبرانيّ عن عبد الرزاق قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرَّضَم، ليس فيها مَدَر، وكانت قدر ما يقتحمها العناق، وكانت ثيابها توضع عليها، تسدل سدلًا، وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة، فأقبلت سفينة من الروم، حتى إذا كانوا قريبًا من جُدّة، انكسرت فخرجت قريش لتأخذ خشبها، فوجدوا الروميّ الذي فيِها نجارًا، فقدموا به والخشب ليبنوا به البيت، فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها، فبعث الله عليها طيرًا أعظم من النَّسر فغرز مخالبه فيها، فالقاها نحو أجياد، فهدمت قريش الكعبة، وبنوها بحجارة الوادي، فرفعوها في السماء عشرين ذراعًا، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد، وعليه نَمِرَة، فضاقت عليه النمرة، فذهب بعضها على عاتقه، فبدت عورته من صغرها، فنودي: يا محمد، خمِّر عورتك، فلم ير عُريانًا بعد ذلك. وكان بين ذلك وبين المبعث خمس سنين.
قال معمر: وأما الزُّهري فقال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحُلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة، فاحترقت فتشاورت قريش في هدمها، وهابوه، فقال الوليد إن الله لا يهلك من يريد الإصلاح، فارتقى على ظهر البيت ومعه العباس، فقال: اللهم لا نريد إلَّا الإصلاح، ثم هدم، فلما رأوه سالمًا تابعوه. والرَّضْمَ بالسكون ويحرك، وككتاب، صخور عظام يرضَم بعضُها فوق بعض في الأبنية. وعند الطبرانيّ عن أبي الطُّفيل أن اسم النجار المذكور "باقوم".وللفاكهيّ عن ابن جُريج قال: وكان يتجر إلى بَنْدرٍ وراء
ساحل عَدَن، فانكسرت سفينته بالشُّعَيبة، فقال لقريش: ان أجريتم عِيري مع عيركم إلى الشام أعطيتكم الخشب، ففعلوا.
وروى الأزرقيّ كان طولها سبعة وعشرين ذِراعًا، فاقتصرت قريش منها على ثمانية عشر، ونقصوا أذرع من عرضها أدخلوها في الحِجر، وروى ابن إسحاق أن السيل كان يأتي فيصيب الكعبة، فيتساقط من بنائها. وكان رَضَمًا فوق القامة، فأرادت قريش رفعها وتسقيفها، وذلك أن نفرًا سرقوا كنز الكعبة، فذكر القصة مطولة في بنائهم الكمعبة، وفي اختلافهم فيمن يضع الحجر الأسود، حتى رضوا بأول داخل، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فحكموه في ذلك، فوضعه بيده. وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعًا.
وروى ابن إسحاق في السيرة عن أبيه عمّن حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لمعَ غلمان هم أسناني، قد جعلنا أُزرنا على أعناقنا لحجارة ننقلها، إذ لكمني لاكم لكمةٌ شديدة ثم قال: اشدد عليك إزارك، فلم يعد يتعرّى بعد ذلك. وكان هذا في مدته عند حليمة، وهذا ان ثبت حمل على نفي التعرّي بغير ضرورة عادية، والذي في حديث الباب على الضرورة العادية، والنفي فيها على الإطلاق أو يتقيد بالضرورة الشرعية، كحال النوم مع الأهل أحيانًا.
وقوله: وعليه إزاره، ولابن عساكر "وعليه إزار" بغير ضمير، والجملة حالية بالواو، وفي بعض الأصول بغير واو. وقوله: لو حللت ازارك، جواب "لو" محذوف إن كانت شرطية، أي لكان أسهل عليك، وإن كانت للتمنى فلا حذف، وقوله:"فجعلت" للكشميهنيّ "فجعلته" بالضمير، أي الإزار. وقوله: قال "فحلِّه" يحتمل أن يكون مقول جابر أو مقول من حدثه به. وقوله: فسقط مَغشيًا عليه، بفتح الميم وسكرن الغين المعجمة، أي مُغمى عليه لانكشاف عورته، لأنه عليه الصلاة والسلام كان مجبولًا على أحسن الأخلاق من الحياء الكامل، حتى كان أشد حياءًا من العذراء في خِدرها، فلذلك غشي عليه.
وروي، مما هو غير الصحيحين، أن المَلَك نزل عليه فشد عليه إزاره.