الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي عشر
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَاّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لَا نَدْرِى مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ:"لَا ضَيْرَ أَوْ لَا يَضِيرُ ارْتَحِلُوا". فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ. قَالَ:"مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟. قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ". ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلَانًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: "اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ". فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا. قَالَا لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا. قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ قَالَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتِ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِىءُ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِى تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي. فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ. قَالَ: فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ أو
السَّطِيحَتَيْنِ وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِىَ، وَنُودِىَ فِي النَّاسِ: اسْقُوا وَاسْتَقُوا. فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ:"اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ". وَهْىَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اجْمَعُوا لَهَا". فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا. قَالَ لَهَا:"تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى أَسْقَانَا". فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ. فَقَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِىءُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ. وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ: تَعْنِى السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِى هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِى الإِسْلَامِ؟ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلَامِ.
قوله: كنا في سفر، اختلف في تعيين هذا السفر، ففي مسلم عن أبي هريرة، أنه وقع عند رجوعهم من خيبر قريبٌ من هذه القصة. وفي أبي داود عن ابن مسعود "أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحُدَيبيةِ ليلًا، فنزل فقال: مَن يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا
…
الحديث". وفي الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلًا "عرّس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً بطريق مكة، ووكّل بلالًا" وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلًا أن ذلك كان بطريق تبوك. وللبيهقيّ في الدلائل نحوه، عن عقبة بن عامر. وروى مسلم حديث أبي قتادة في نومهم عن صلاة الصبح مطولًا، ورواه البخاريّ في الصلاة مختصرًا، ولم يعينا.
وفي رواية لأبي داود أن ذلك كان في جيش الأُمراء، وتعقب بأن جيش
الأمراء كان في غزوة مؤتة، ولم يحضرها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة جيش الأمراء غزوة أخرى غير غزوة مؤتة، واختلف هل كان نومهم عن صلاة الصبح مرة أو أكثر؟ فجزم الأصيليّ بأن القصة واحدة، وتعقبه عياض بأن قصة أبي قتادة مُغايرة لقصة عِمران بن حصين، فإن قصة أبي قتادة، كما يأتي فيها، أن أبا بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، لم يكونا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نام. وقصة عمران فيها أَنَّهُما كانا معه، كما بين قريبًا. وفي قصة عمران أن أول من استيقظ أبو بكر، ولم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى أيقظه عمر بالتكبير وقصة أبي قتادة فيها أن أوّل مَنْ استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم. وفيهما عير من أن عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي قتادة ذكر أن عِمران بن حصين سمعه وهو يحدث بالحديث بطوله، فقال له: انظر كيف تحدث، فإني كنت شاهدًا القصة، قال: فما أنكر عليه من الحديث شيئًا، فهذا يدل على اتحادها. لكن لمدعي التَّعدد أن يقول: يحتمل أن يكون عمران حضر القصتين، فحدّث بإحداهما، وصدّق عبد الله بن رباح لما حدث عن أبي قتادة بالأخرى، ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها كما مرَّ.
وحاول ابن عبد البرّ الجمع بينها بأنّ زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم من الحديبية، وأن اسم طريق مكة يصدق عليها، وهذا ظاهر البطلان، لأن طريق خيبر إلى جهة الشام لا جهة مكة، ورواية عبد الرزاق بتعيين غزوة تبوك ترد عليه. وروى الطبرانيّ عن عمرو بن أمية شبيهًا بقصة عمران، وفيه أن الذي كلأ لهم الفجر ذو مُخبر، وأخرجه من طريق ذي مخبر أيضًا، وأصله عند أبي داود، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن بلالًا هو الذي كلأ لهم الفجر، وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظًا كما في قصة أبي قتادة. ولابن حبّان في صحيحه عن ابن مسعود أن كلأ لهم الفجر. وهذا أيضًا يدل على تعدد القصة.
وقوله: أسْرينا، قال الجوهري: تقول: أسريت وسَرَيت بمعنى إذا سَرَيت ليلًا. وقال صاحب المحكم: السُّرى سير عامة الليل، وقيل سير الليل كله، والحديث يخالفه. وقوله: وقعنا وقعة، أي نمنا نومة، وقوله: ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، أي من الوقعة في آخر الليل، وكلمة "لا" لنفي الجنس، ووقعة
اسمها، وأحلى خبرها، وقيل: خبرها محذوف، وأحلى صفة لوقعة. وفي رواية أبي قتادة عند المصنف أن سبب نزولهم في تلك الساعة سؤالُ بعض القوم في ذلك، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أخاف أن تناموا عن الصلاة، فقال بلال: أنا أوقظهم" وقوله: فكان أول من استيقظ فلان، أول بالنصب؛ لأنه خبر كان مقدمًا، وفلان اسمها، وفلان بدل من أول على أنه اسم كان التامة المستغنية عن الخبر، بمعنى وُجِد. وقول الزركشيّ إن "مَنْ" نكرة موصوفة، فيكون أول نكرة أيضًا لإضافته إلى نكرة، أي أول رجل استيقظ. قال الدمامينيّ: إنه لا يتعين لجواز كونها موصولة، أي: وكان أول الذين استيقظوا، وأعاد الضمير بالإِفراد رعاية للفظ مَن، وفلان المستيقظ أولًا هو أبو بكر الصديق، كما أخرجه المصنف في علامات النبوءة.
وقوله: ثم فلان، يحتمل أن يكون عِمران الراوي؛ لأن ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك، ولا تمكنه مشاهدته إلاّ بعد استيقاظه. قال في المصابيح: الأَوْلَى أن يجعل هذا من عطف الجُمَل، أي ثم استيقظ فلان، إذ تَرَتُّبُهم في الاستيقاظ يدفع اجتماعهم جميعهم في الأولية، ولا يمتنع أن يكون من عطف المفردات. ويكون الاجتماع في الأولية باعتبار البعض لا الكل، أي أن جماعة استيقظوا على الترتيب، وسبقوا غيرهم في الاستيقاظ. لكن هذا لا يتأتى على رأي الزركشيّ؛ لأنه قال: أي أول رجل، فإذا جعل هذا من قبيل عطف المفردات، لزم الإِخبار عن جماعة بأنهم أوّل رجل استيقظ، وهو باطل.
وقوله: ثم فلان، يشبه أن يكون من شارك عمران في رواية هذه القصة المعنية، وهو ذو مخبر، كما في الطبرانيّ عنه أنه قال: فما أيقظني إلاّ حر الشمس، فجئت أدنى القوم فأيقظته، وأيقظ الناس بعضهم بعضًا حتى استيقظ صلى الله عليه وسلم. ويأتي قريبًا تعريف ذي مخبر. وقوله: فنسي عَوف، يعني نسي تسمية الثلاثة، مع أن شيخه كان يسميهم، وقد شاركه في روايته عنه سَلَم بن زُرير، فسمى أول من استيقظ كما أخرجه المصنف في علامات النبوءة، وهو أبو بكر كما مرَّ.
وقوله: ثم عمر بن الخطاب الرابع، صفة لعمر المرفوع عطفًا على ثم فلان، أو بالنصب خبر كان أي ثم كان عمر بن الخطاب الرابع من المستيقظين. وقوله: إذا نام لم يُوقَظ، بضم المثناة التحتية مبنيًا للمفعول مع الإِفراد، وللأربعة ثم "نوقظه" بنون التكلم وكسر القاف، والضمير المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: لا ندري ما يحدث له، أي بضم الدال من الحديث، أي من الوحي، كانوا يخافون قطع الوحي بإيقاظه، فلا يوقظونه لاحتمال ذلك. قال ابن بطال: يؤخذ منه التمسك بالأمر الأعم احتياطًا. وقوله: وكان رجلًا جَليدًا، بفتح الجيم من الجلادة أي: الصلابة، زاد مسلم هنا "أجوف" أي رفيع الصوت، يخرج صوته من جوفه بقوة.
وقوله: حتى استيقظ بصوته، بالباء الموحدة أي: بسبب صوته، وللأربعة لصوته، باللام، أي لأجل صوته، وإنما استعمل التكبير لسلوك طريق الأدب، والجمع بين المصلحتين الذكر والاستيقاظ، وخص التكبير لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة. وقوله: الذي أصابهم، أي من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها. وقوله: قال لا ضير أو لا يَضير: أي لا ضرر، والشك من عوف كما صرح به البيهقيّ في روايته. ولأبي نعيم في المستخرج "لا يسوء ولا يضير". وفيه تأنيس لقلوب الصحابة، لما عرض لهم من الأسف على ذوات الصلاة في وقتها، بأنهم لا حرج عليهم، إذ لم يتعمدوا ذلك.
وقوله: ارتحلوا، بصيغة الأمر للجماعة المخاطَبين، من الصحابة، واستدل به على جواز تأخير الفائتة عن وقت ذكرها إذا لم يكن عن تغافل أو استهانة. وقوله: فارتحل، أي النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، ولأبي ذَرٍّ وابن عساكر "فارتحلوا" أي عقب أمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وبين مسلم عن أبي هريرة السبب في الأمر بالارتحال من ذلك الموضع الذي ناموا فيه،. ولفظه "فإن هذا منزل حَضَرنا فيه الشيطان" ولأبي داود عن ابن مسعود "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغَفْلة" وهذا يرد على من زعم أن العلة فيه كون ذلك كان وقت الكراهة، بل في حديث الباب أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس. ولمسلم عن أبي هُريرة "حتى ضربتهم الشمس" وذلك لا يكون إلاّ بعد أن يذهب وقت الكراهة،
وقيل: إنما أخّر عليه الصلاة والسلام الصلاةَ لاشتغالهم باحوالها. وقيل: تحرزاً من العدو. وقيل: انتظارًا لما نزل عليه من الوحي، وقيل: ليستيقظ من كان نائمًا، وينشط من كان كسلانًا.
وروي عن ابن وهب وغيره، أن تأخير قضاء الفائتة منسوخٌ بقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وفيه نظر؛ لأن الآية مكية والحديث مدنيّ، وكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟ وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وحديث "إنّ عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي" قال النوويّ: له جوابان أحدهما: أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث والألم، ولا يدرك ما يتعلق بالعين؛ لأنها نائمة والقلب يقظان. والثاني: أنه كان له حالان: حال كان قلبه لا ينام، وهو الأغلب، وحال ينام فيه قلبه، وهو نادر، فصادف قصة النوم عن الصلاة. قال: والمعتمد هو الأول، والثاني ضعيف، ولا يقال القلب، وإن كان لا يدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلًا، لكنه يدرك إذا كان يقظانًا مرورَ الوقت الطويل، فإن من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس مدة طويلة لا تخفى على من لم يكن مستغرقًا؛ لأنا نقول: يحتمل أن يقال إنه كان قبله عليه الصلاة، إذ ذاك، مستغرقًا بالوحي، ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم، كما كان صلى الله عليه وسلم يستغرق حالة إلقاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل؛ لأنه أوقع في النفس، كما في قضية سهوه في الصلاة. وقريب من هذا جواب ابن المنير أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم أولى أو على السواء، وقد أجيب عن الإِشكال بأجوبة أخرى ضعيفة، منها أن معنى قوله: لا ينام قلبي، أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه، ومنها أن معناه لا يستغرق بالنوم حتى يوجد منه الحدث، وهذا قريب من الذي قبله. قال ابن دقيق العيد: كأنّ قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإدراك حالة الانتقاض، وذلك بعيد، وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم "إنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي" خرج جوابًا عن قول عائشة: أتنام قبل أن توتر؟ وهذا كلام لا تعلق له بانتقاض الطهارة الذي تكلموا فيه، وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر، فتحمل يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر، وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين من شرع فيه متعلقًا باليقظة.
قال: فعلى هذا فلا تعارض، ولا إشكال في حديث النوم حتى طلعت الشمس؛ لأنه يحمل على أنه عليه الصلاة والسلام اطمأنّ في نومه لما أوجبه تعب السير، معتمدًا على من وكّله بكلاءة الفجر، ومحصله تخصيص اليقظة المفهومة من قوله "ولا ينام قلبي" بإدراكه وقت الوتر إدراكًا معنويًا، لتعلقه به، وأن نومه في حديث الباب كان نومًا مستغرقًا ويؤيده قول بلال له: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم، ولم ينكر عليه، ومعلوم أن نوم بلال كان مستغرقًا، واعترض عليه بأن ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب، وأجاب بأنه يعتبر إذا قامت عليه قرينة، وأرشد إليه السياق، وهو هنا كذلك، قلت: بل يعترض بأنه موجب إبطال حديث النوم، ومساواة النبي صلى الله عليه وسلم لغيره في النوم، فمن كان شرع في النوم متعلق القلب باليقظة، كان له ذلك، ومن شرع في النوم مطمئن القلب به، لم يحصل له ذلك الانتباه، فلا خصوصية له إذًا بأنّ عينيه تنامان ولا ينام قلبه، وهذا باطل يديه.
ومن الأجوبة الضعيفة أيضًا قول من قال: كان قلبه يقظانًا، وعلم خروج الوقت، لكن ترك إعلامهم بذلك عمدًا لمصلحة التشريع، وقول من قال: المراد بنفي النوم عن قلبه أنه لا يطرأ عليه أضغاث أحلام كما يطرأ على غيره، بل كل ما يراه في نومه حق ووحيٌ. وأقرب هذه الأجوبة إلى الصواب الأول على الوجه الذي قررناه. وهذه المعارضة والأجوبة عنها قد مرت في باب "السمر في العلم" بعينها، فهي هنا مكررة.
وقال القرطبيّ: أخذ بهذا بعض العلماء، فقال من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر، فليتحول عن موضعه، وإن كان واديًا فليخرج منه، وقيل: إنما يلزم في ذلك الوادي بعينه، وقيل: هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعلم من حال الوادي ولا غيره ذلك إلاّ هو، وقال غيره: يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان عن عبادة استحب له التحول منه، ومنه أمره عليه الصلاة والسلام الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحويل من مكانه إلى مكان آخر.
وقوله: فسار غير بعيد، يدل على أن الارتحال المذكور وقع على خلاف
سيرهم المعتاد. وقوله: ونودي بالصلاة، واستدل به على الأذان للفوائت، وتعقب بأن النداء أعم من الأذان، فيحتمل أن يراد به هنا الإِقامة، وأجيب بأن عند مسلم عن أبي قَتادة التصريحُ بالتأذين، وكذا عند المصنف في أواخر المواقيت، وبالأذان للفائتة قال الشافعيّ في القديم، وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثَور وابن المنذر، مستدلين بما في حديث أبي قتادة من قوله "قم فأذّن بالناس بالصلاة" وبما رواه أبو داود عن عمران بن حصين "ثم أمر مؤذنًا فأذنَ فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم أقام ثم صلى الفجر".
وقال مالك والأوزاعيّ، والشافعيّ في الجديد: لا يؤذَّن لها، واستدلوا بحديث جابر عند البخاريّ في المواقيت "فتوضأ لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" وأجابوا عن حديث أبي قتادة يحمل الأذان فيه على الإِقامة، وتعقب هذا بأنه عقب في الحديث الأذان بالوضوء، ثم بارتفاع الشمس، فلو كان المراد به الإِقامة لما أخر الصلاة عنها، وأجيب أيضًا بحمله على المعنى اللغويّ، وهو محض الإِعلام، ولاسيما على رواية الكشميهنيّ، فإنّ فيها "فآذن" بالمد وحذف الموحدة من بالناس، وآذن معناه أعلم.
قلت: ورواية غير الكشميهنيّ المارة دالة أيضًا على أن المراد به الإِعلام، لأن لفظها كما مرَّ "أذن بالناس بالصلاة" وهذا هو لفظ القرآن في الإِعلام بالحج، كما قال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]، فلو كان المراد الأذان الشرعيّ لقال: أذّن للصلاة أو بالصلاة، واعترض الآخرون الاستدلال بحديث جابر، بأن المغرب كانت حاضرة، ولم يذكر الراوي الأذان لها، وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة، فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك، لا أنّه لم يقع في نفس الأمر، وأجيب باحتمال أن تكون المغرب لم يتهيأ إيقاعها إلاّ بعد خروج وقتها، على رأي من يذهب إلى القول بتضييقه، ويؤيد هذا ما في حديث أبي سعيد من قوله "فصلى بعد مضي هَوِيّ من الليل".
وقوله: فصلى بالناس، فيه مشروعية الجماعة في الفائتة، وعليه أكثر أهل العلم إلاّ الليث، مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت. وقوله: إذا هو
برجل، يأتي ما قيل فيه في السند. وقوله: أصابتني جنابة ولا ماء، بفتح الهمزة، أي معي أو موجود، وحذفُ الخبر أبلغ في عذره لما فيه من عموم النفي كأنه نفى وجود الماء بالكلية، بحيث لو وجد بسبب أو سعى لحصله، فإذا نفى وجوده مطلقًا كان أبلغ في النفي وأعذر له.
وقوله: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، أي المذكور في الآية الكريمة، فاللام فيه للعهد، ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما يحصل به المقصود من الإِفهام، لأنه أحاله على الكيفية المعلومة من الآية، ولم يصرح له بها، ودل قوله: يكفيك، على أن المتيمم في مثل هذه الحالة لا يلزمه القضاء، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: يكفيك أي للأداء، فلا يدل على ترك القضاء.
وفي الحديث جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن سياق القصة يدل على أن التيمم كان معلومًا عندهم، لكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر، بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع، وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه، فكأنه كان يعتقد أن الجنب لا يتيمم، فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم، ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلًا، فكان حكمه حكم فاقد الطهورين، ويؤخذ من هذه القصة أن للعالم إذا رأى فعلًا محتملًا أن يسال فاعله عن الحال فيه، ليوضح له وجه الصواب. وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة، وأنّ ترك الشخص الصلاة بحضرة المصلين مَعيب على فاعله بغير عذر. وفيه حسن الملاطفة والرفق في الإنكار.
وقوله: فدعا فلانًا، هو عمران بن حصين، كما يأتي قريبًا. وقوله: فابتغيا، أي بالتاء الفوقية بعد الباء الموحدة من الابتغاء، وللأصيليّ: فابغيا، وهو من الثلاثي، وهمزته همزة وصل، ولأحمد "فابغيان" والمراد الطلب. يقال: ابتغ الشيء أي تطلبه، وابغ الشيء أي اطلبه، وابغني أي اطلب لي. وفيه الجوي على العادة في طلب الماء وغيره، دون الوقوف عند غرقها، وإنّ التسبب في ذلك غير قادح في التوكل. وقوله: بين مزادتين أو سطحتين، المزادتان تثنية مَزَادة، بفتح الميم والزاي، قربة كبيرة يزاد فيها جلد من غيرها، فلذلك سميت مزادة،
وتسمى السطيحة، لتسطيح أحد الجلدين على الآخر. والشك من عوف الراوي، لخلو رواية مسلم عن أبي رجاء منه. وفي رواية مسلم "فإذا نحن بامرأةٍ سادلة، أي مدلية رجليها بين مزادتين" والمراد بهما الراوية. وقوله: من ماء على بعير، سقط "من ماء" عند ابن عساكر. وقوله عهدي به أمسِ، بالبناء على الكسر عند الحجازيين، خبر لمبتدأ الذي هو عهدي، وعند تميم يعرب غير منصرف للعلمية والعدل.
وقوله: هذه الساعةَ، بالنصب على الظرفية. وقال ابن مالك: أصله في مثل هذه الساعة، فحُذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، بعد حذف في. وقوله: ونفرنا خلوفًا: النفر ما دون العشرة أو الناس، وهو اللائق هنا لأنها أرادت أن رجالها تخلّفوا لطلب الماء أوغيره. وخُلوف، بضم الخاء المعجمة واللام، جمع خالف. والخالف المستقي، ويقال لمن غاب، ولعله المراد هنا، أي أنّ رجالها غابوا عن الحي، وخلوفًا بالنصب على الحال، السادّة مسد الخبر، كما في رواية المستملي والحموي، أو منصوبًا بكان المقدرة أي كانوا خلوفًا. وهذا هو الأظهر. وفي رواية الأصيلىّ خُلوفٌ بالرفع خبر المبتدأ أي: غُيب. وقوله: الصابي، بلا همزة، أي الماثل، ويروى بالهمزة من صبأ صُبُوءًا، أي خرج من من دين إلى دين. ويأتي تفسيره للمصنف في آخر الحديث.
وقوله: هو الذي تعنين، أي تردين، وفيه حسن أدب؛ لأنهما لو قالا: لا لإِلفات المقصود، ولو قالا نعم، لكان فيه تقرير لكونه عليه الصلاة والسلام صابئًا، فتخلصا بهذا اللفظ أحسن تخلص، وأشار إلى ذاته الشريفة، لا إلى تسميتها. وفيه جواز الخلوة بالأجنبية في مثل هذه الحالة، يعني عند تعددهما وأمن الفتنة. وقوله: فاستنزلوها عن بعيرها، أي طلبوا منها النزول عنه، وجمع باعتبار عليّ وعِمران ومن تبعهما ممن يعينهما. وقوله: ففرغ فيه، من التفريغ. وللكشميهنيّ: فأفرغ فمه من الإفراغ.
وقوله: من أفواه المزادتين أو السَّطيحتين، جمع الأفواه في موضع التثنية، على حد قوله تعالى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] إذ ليس لكل مزادة
سوى فم واحد. وقوله: وأوكأ أفواههما، أي ربط. وقوله: وأطلق العَزَالي: أي فتح، والعزالي، بفتح المهملة والزاي وكسر اللام، ويجوز فتحها وفتح الياء، جمع عزلاء، بإسكان الزاي والمد، أي فم المزادتين الأسفل، وهي عُرْوتها التي يخرج منها الماء بسعة، ولكل مزادة عزلاوان من أسفلها. وزاد الطبرانيّ والبيهقيّ من هذا الوجه "فتمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين" وبهذه الزيادة تتضح الحكمة في ربط الأفواه بعد فتحها، ويعرف منها أن البركة إنما حصلت بمشاركة ريقه الطاهر المبارك للماء.
قلت: صب عليه الصلاة والسلام من غير المحل الذي خالطه ريقه، لتبقى بركة ريقه مخالطة للماء، فلا يخرج الريق من الماء، فتزول عنه البركة. وقوله: أسقوا بهمزة قطع مفتوحة، من أسقى، أو بهمزة وصل مكسورة من سَقى، أي أسقوا غيركم، كالدوابّ. وقوله: واستقوا، أي اشربوا أنتم، فالفرق بين استقى وسقى هو أن الأول سقيه لنفسه والثاني سقيه لغيره من ماشيته ونحوها. وقيل فيهما بالعكس، وقيل إنهما بمعنى، والأول أصح. وقوله: وكان آخر ذلك "أن أعطى" يجوز في آخر النصب على أنه خبر كان مقدمًا، والرفع على أن "أن أعطى" هو الخبر، والأول، كما قال أبو البقاء، أقوى؛ لأنّ أن والفعل أعرف من المعرف بالإِضافة، وقد قرئ {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [العنكبوت: 29] بالوجهين، واستدل بهذه القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره، كمصلحة الطهارة بالماء لتأخير المحتاج إليهما عمن سقى واستقى. ولا يقال وقع في رواية سَلَم بن زرير "غير أنّا لم نسق بعيرًا" لا نقول هو محمول على أن الإِبل لم تكن محتاجة إذ ذاك للسقي، فيحمل قوله "فسقى" على غيرها.
وقوله: فأفرغه، بهمزة قطع في أفرغه، وقوله: وأيمُ الله، بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة، أصله أَيْمُنُ الله، وهو اسم وُضع للقسم هكذا، ثم حذفت منه النون تخفيفًا وألفه ألف وصل مفتوحة، ولم يجىء كذلك غيرها. وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: أيْمُ الله قسمي. وفيها لغات كثيرة
نحو عشرين، تأتي إن شاء الله تعالى في اليمين. وقوله: أشد مِلأةً، بكسر الميم وسكون اللام بعد همزة، أي امتلاءً، وفي رواية البيهقيّ "أملأ منها" والمعنى أنهم يظنون أن ما بقي فيها من الماء أكثر مما كانَ أولًا. قال بعض العلماء الأقدمين: إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها، لأنها كانت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد، فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب.
قلت: الذين أخذوها لم يأخذوا شيئًا من مائها، وإنما أتوا بها النبيّ صلى الله عليه وسلم، وبعد مجيئها له لم ينقص من مائها شيئًا، بل زاد كما هو ظاهر الحديث، فلا يحتاج إلى ما ذكر، وهذا من أعظم آياته وباهر دلائل نبوته، حيث توضأوا وشربوا وسقوا واغتسل الجنب، بل رواية مسلم بن زرير أنهم ملأوا كل قربة كانت معهم، مما سقط من العزالي، وبقيت المزادتان مملوءتين، بل تخيل الصحابة أن ماءهما أكثر مما كان أولًا.
وقوله: اجمعوا لها لعله تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها، وما نالها من مخافتها أخذ مائها، لا أنه عوض عما أُخذ من الماء، ففيه جواز الأخذ للمحتاج برضى المطلوب منه، أو بغير رضاه إن تعين. وفيه جواز المعاطاة في مثل هذا من الريبات والإباحات من غير لفظ من المعطي والآخذ. وقوله: من بين عَجوة، بفتح أوله، تمر بالمدينة معروف. وقوله: ودقيقة وسويقة، بفتح أولهما، ولكريمة بضمة مصغران مع تثقيل الثاني. وقوله: حتى جمعوا لها طعامًا، زاد أحمد في روايته كثيرًا وفيه إطلاق لفظ الطعام على غير الحنطة والذرة، خلافًا لمن أبى ذلك، ويحتمل أن يكون قوله: حتى جمعوا لها طعامًا ما، أي غير ما ذكر من العجوة وغيرها. وقوله: قال: تَعَلَّمين، بفتح أوله وثانيه وتشديد اللام، أي اعلمي، وللإسماعيليّ: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وللأصيلىّ: قالوا فتحمل على أنهم قالوا لها ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام.
وقوله: ما رَزِئنا من مائك شيئًا، بفتح الراء وكسر الزاي، ويجوز فتحها،
وبعدها همزة ساكنة، أي نقصنا. وظاهره أن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده وأنه لم يختلط فيه شي من مائها في الحقيقة، وإن كان في الظاهر مختلطًا، وهذا أبدع وأغرب في المعجزة، وهو ظاهر قوله "ولكن الله أسقانا" بالهمز. ولابن عساكر "سقانا" ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من مقدار مائك شيئًا. واستدل بهذا على جواز استعمال أواني المشركين ما لم يتعين فيها النجاسة. وفيه إشارة إلى أن الذي أعطاها ليس على سبيل العوض عن مائها، بل على سبيل التكرم والتفضل، وقد اشتمل على علم عظيم من أعلام النبوءة.
وقوله: فقالوا: ما حبسك؟ وللأصيلىّ "فقالوا لها" وفي رواية "قالوا" بدون فاء. وقوله: قالت العجب، أي حبسني العجب. وقوله: إلى هذا الذي، ولأبي ذَرٍّ "إلى هذا الرجل الذي" وقوله: لأسحر الناس من بين، عبرت عن النيانية، وكان المناسب التعبير بقي بدل من، على أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض. وقوله: وقالت بأصبعها، أي أشارت، وهو من إطلاق القول على الفعل، والوسطى والسَّبابة يشار بهما عند المخاصمة والسب، وهي أي السبابة، المُسَبِّحة أيضًا، لأنها يشار بها إلى التوحيد والتنزيه.
وقوله: أو إنه لرسول الله حقًا؟ هذا منها لم يثبت به الإِيمان للشك، لكن أخذت في النظر فاعقبها الحق فآمنت بعد ذلك. وقوله: بعد ذلك يغيرون، للأصيلي "بعد يغيرون" وهو بضم الياء، من أغار، ويجوز فتحها من غار، وهو قليل. وقوله: الصِّرْم الذي هي منه، بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، النفر النازلون بأهليهم على الماء، أو أبيات من الناس مجتمعة، وإنما لم يغيروا عليهم، وهم كفرة للطمع في إسلامهم بسببها، أو لرعاية ذمامها.
وقوله: فقالت يومًا لقومها: ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم محمدًا، ما موصولة، وأرى بفتح الهمزة بمعنى أعلم، والمعنى الذي أعتقده أن هؤلاء يتركونكم عمدًا لا غفلة، ولا خوفًا منكم، بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم، وهذه الغاية في مراعاة الصحبة اليسيرة، وكان هذا القول سببًا لرغبتهم في الإِسلام. وفي رواية