الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والأربعون
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
قوله: ابن بحينة، صفة أخرى لعبد الله لا مالك، وحينئذ تحذف الألف من السابقة لمالك خطأً؛ لأنها وقعت بين علمين من غير فأصل، فينون مالك، وتثبت الألف من ابن بحينة؛ لأنه وإن كان صفة لعبد الله، لكن وقع الفاصل. وقوله: إذا صلَّى، أي سجد، من إطلاق الكل على الجزء. وقوله: فرَّج بين يديه، بفتح الفاء وتشديد الراء، والمعروف في اللغة التخفيف، أي نحّى كل يدٍ عن الجنب الذي يليها. وقوله: حتى يبدو بياض إبطيه، بفتح واو يبدو، أي يظهر، وفي رواية الليث "فرج يديه عن إبطيه حتى أني لأرى بياض إبطيه". وأخرج التِّرمِذيّ، وحسَّنه، عن عبد الله بن أرقم "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت انظر إلى عُفْرَتي إبطيه إذا سجد" والعُفرة بياض ليس بالناصع، ويجب أن يعتقد أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن لإبطيه رائحة كريهة، بل كان عطر الرائحة كما ثبت في الصحيحين. وللحاكم عن ابن عباس نحو حديث عبد الله بن أرقم، وعنه عند الحاكم أيضًا "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يُرى وَضَحُ إبطيه" وعند مسلم عن ميمونة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي يديه، فلو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت" وروى الطبرانيّ وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال: "لا تفترش السَّبْع، وادَّعم على راحتيك وأَبْدِ ضَبْعَيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك".
وعند مسلم عن عائشة "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل افتراش السبع"، ولابن خُزيمة عن أبي هريرة، رفعه "إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش
الكلب، وليضم ذراعيه" ولمسلم عن البراء، رفعه "إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك" قال القرطبيّ: الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنه يخف بها اعتماده عن وجهه، ولا يتأثر أنفه ولا جبهته، ولا يتأذّى بملاقاة الأرض. وقال غيره: هو أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان. وقال ابن المنير: الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه، ويتميز حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد، ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه، ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض في سجوده، وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض؛ لأن المقصود هناك إظهار الاتحاد بين المصلين، حتى كأنهم جسد واحد، وهذا كله في حق الرجل.
وأما المرة فتضم بعضها إلى بعض؛ لأنه أستر لها وأحوط، وكذا الخنثى، وظاهر الأحاديث المذكورة وجوب التفريج، لكن أخرج أبو داود ما يدل على أنه للاستحباب، وهو حديث أبي هريرة "شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مشقة السجود عليهم، إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب" وترجم له الرخصة في ترك التفريج، قال ابن عَجْلان، أحد رواته: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود واعيًا، وأخرج التَّرمذيّ الحديث المذكور ولم يقع في روايته "إذا انفرجوا" فترجم له باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود، فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالبًا للقيام، واللفظ محتمل ما قال، لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد.
وقال ابن التين: فيه دليل على أنه لم يكن عليه قميص، لانكشاف إبطيه وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام، وقد روى التِّرمذيّ في الشمائل عن أم سلمة قالت:"كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص" أو أراد الراوي أن موضع بياضهما لو لم يكن عليه ثوب لرؤي. قال القرطبيّ: واستدل به على أنّ إبطيه عليه الصلاة والسلام لم يكن عليهما شعر، وفيه نظر، فقد حكى المحب الطبريّ أن من خصائصه عليه الصلاة والسلام أن الإبط من جميع الناس