الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراسيل عائشة، لأنها لم تدرك القصة، ويحتمل أن تكون أخذت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو من صحابيّ آخر، ومرَّ الكلام على مرسَل الصحابي في الثاني من بدء الوحي. أخرجه البخاريّ هنا وفي الهجرة عن مسدد، ومسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى، وأبو داود فيها عن القعنبيّ، والنَّسائيّ فيها عن قُتيبة، ثم قال المصنف:
باب وجوب الصلاة في الثياب
أي بالجمع على حد قولهم: فلان يركب الخيول ويلبس البرود، ويحتمل أن الجمع على التوزيع بالنسبة لكل مصل، والمراد ستر العورة، ويأتي قريبًا استيفاؤه. ثم قال: وقول الله تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أي وفي بيان قول الله تعالى. وللأصيلىّ وابن عساكر: وقول الله عز وجل وقوله: زينتكم، أي ثيابكم. لمواراةِ عوراتكم. وقوله: عند كل مسجد، أي صلاة أو طواف، فأراد بالزينة ما يواري العورة، وبالمسجد الصلاة، ففي الأول إطلاق اسم الحالِّ على المحل، وفي الثاني: إطلاق اسم المحل على الحالّ لوجود الاتصال الذاتي بين الحالّ والمحلّ. وهذا الآن أخذ الزينة نفسها، وهي عرض محال، فأريد محلها، وهو الثوب مجازًا، وكانوا يطوفون عُراة ويقولون: لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها، فنزلت الآية.
لا يقال نزول الآية في الطواف، فكيف يثبت الحكم في الصلاة؟ لأنا نقول العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. وهذا اللفظ عام، لأنه قال: عند كل مسجد، ولم يقل: عند المسجد الحرام، فنعمل بعمومه. وقيل: خذوا زينتكم، من قبيل إطلاق المسبب على السبب، لأنّ الثوب سبب الزينة، ومحل الزينة الشخص. وقيل: الزينة ما يتزين به من ثوب وغيره، كما في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] فالستر لم يجب لعين المسجد، وإنما وجب للصلاة، لا لأجل الناس حتى لو صلى وحده، ولم يستر عورته لم تجز صلاته، وإن لم يكن عنده أحد.
وقال في الفتح: أشار بالأية إلى ما أخرجه مسلم عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوفُ بالبيت عُريانة فتقول: من يعيرني تطوافًا، وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله، فنزلت {خُذُوا زِينَتَكُمْ} وفي تفسير طاوس في قوله تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] قال: الثياب. وصله البيهقيّ، ونحوه عن مجاهد، وقال ابن حزم: الاتفاق على أن المراد ستر العورة. وقال ابن بطال: أجمع أهل التأويل على أن نزولها في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة. ثم قال: ومن صلى ملتحفًا في ثوب واحد، هكذا ثبت للمستملي وحده هنا، وسيأتي قريبًا في باب مفرد، وعلى تقدير ثبوته هنا، فله تعلق بحديث سلمة المعلق بعده، كما سيظهر من سياقه. ثم قال: ويذكر عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يزره ولو بشوكة، في إسناده نظر. قوله: يَزُرّه بضم الزاي وتشديد الراء المضمومة، أي يشد إزاره، وتجمع بين طرفيه، لئلا تبدو عورته، ولو لم يمكنه ذلك إلَّا بان يغرز في طرفيه شوكة يستمسك بها. وأشار المؤلف بحديث سلمة إلى أن المراد بأخذ الزينة في الآية السابقة لُبْس الثياب لا تحسينها، وقد بين المصنف السبب في ترك جزمه به، وذكره له بصيغة التحريض بقوله: في إسناده نظر، وبيان ذلك هو أن هذا الحديث وصله المؤلف في تاريخه، وأبو داود وابنا خريمة وحبّان من طريق الدراوَرْديّ عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سَلَمة بن الأكوع "قلت: يا رسول الله إني رجل أتصيد، أفأصلي في القميص الواحد؟ قال نعم، زُرَّه ولو بشوكة" هذا لفظ ابن حبّان.
ورواه البخاريّ أيضًا عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة، فزاد في السند رجلًا، ورواه أيضًا عن مالك بن إسماعيل عن عطّاف بن خالد قال: حدثنا موسى بن إبراهيم قال: حدثنا سلمة، فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة، فاحتمل أن تكون رواية أبي أُويس من المزيد في متصل الإِسناد، أو يكون التصريح في رواية عطّاف وهمًا، فهذا وجه النظر في إسناده الذي حمل البخاري على تحريضه، وأما من صححه فقد اعتمد رواية الدراورديّ، وجعل رواية عطّاف شاهدة لاتصالها، ويحتمل أن يكون وجه النظر ما قال ابن القطان، من أن موسى هو ابن محمد بن إبراهيم
التيميّ المضعَّف، لكن رد ابن حَجَر بأنه غير صحيح، لأنه نسب في رواية البخاري مخزوميًا، وهو غير التيمي بلا تردد. نعم، وقع عند الطحاويّ موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظًا فيحتمل على بُعْدٍ أن يكونا جميعًا رويا الحديث، وحمله عنهما، وإلا فذكر محمد فيه شاذ. وسلمة بن الأكوع مرَّ في الخمسين من العلم.
ثم قال: ومن صلى في الثوب الذي يجامع فيه، ما لم ير فيه أذى، أي "وباب في بيان من صلى
…
الخ". وقوله: ما لم ير أذى: أي نجاسة، وللحمويّ والمستمليّ: ما لم ير أذى، بإسقاط "فيه" وأشار المصنف إلى ما رواه أبو داود والنَّسائي، وصححه ابن خُزيمة وابن حبان عن معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي كان يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى. وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية، بل ولا التعليق.
ثم قال: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يطوف بالبيت عريان، أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة في بعث علي في حجة أبي بكر بذلك، وقد وصله بعد قليل، لكن ليس فيه التصريح بالأمر. قلت: في الحديث الآتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليًا بذلك. والبخاري لم يقل إلَّا أن النبي، عليه الصلاة والسلام، أمر به، فصح التصريح، كما قال البخاريّ. وروى أحمد بإسناد حسن عن أبي بكر الصديق نفسه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه "لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" ووجه الاستدلال به للباب هو أن الطواف إذا منع فيه التعرّي، فالصلاة أولى إذ يشترط فيها ما يشترط في الطواف وزيادة.
وقد ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة مطلقًا، إلَّا أن الحنفية لا يشترطون الستر عن نفسه، فلو كان محلول الجيب، فنظر إلى عورته لا تبطل صلاته، والمشهور عند المالكية أنه شرط في صحة الصلاة مع الذكر، والقدرة غير شرط مع العجز والنسيان، وقيل: عندهم أنه واجب غير شرط في الصحة، وهذا مشهور أيضًا، لكن دون الأول، وعليه بعيد في الوقت مع
العصيان إن كان ذاكرًا قادرًا، ومنهم من أطلق كونه سنة لا يُبْطِل تركُها الصلاة. وقيل بندبيته، واحتج القائلون بالوحوب مع الشرطية بما مرَّ عن مسلم من حديث ابن عباس، وبما في صحيح ابن خُزَيمة عن عائشة، ترفعه "لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلَّا بخمار" وفي مسلم من حديث أبي سعيد، مرفوعًا "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة".
واستدل من حمله على الندب أو السُّنيّة بأن المراد بالزينة الزينةُ الظاهرة من الرداء وغير الملابس التي هي زينة، مستدلًا بما في الحديث من أنه كان رجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم، كهيئة الصبيان. واستدل أيضًا بأنه لو كان شرطًا في الصلاة لاختص بها، ولا افتقر إلى النية، ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود. والجواب عن الأول النقض بالإيمان، فهو شرط في الصلاة، ولا يختص بها، وعن الثاني باستقبال القبلة، فإنه لا يفتقر للنية، وعن الثالث على ما فيه بالعاجز عن القراءة، ثم عن التسبيح، فإنه يصلي ساكتًا. وما مرَّ عن الحنفية من اشتراط الستر عن نفسه هو مشهور مذهب مالك وكذلك إذا نظر عورة أمامه عامدًا أو ساهيًا لم تبطل على المعتمد.