الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والثلاثون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ:"قُومُوا فَلأُصَلِّي لَكُمْ". قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْتُ أنَا وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
قوله: عن إسحاق بن أبي طلحة، هو للكشميهني والحموي، وللباقين إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. وقوله: إنَّ جدّته مليكة، قيل الضمير في جدته يعود على إسحاق، وقيل يعود على أنس، أي جدته أم أمه أم سليم، وهذا هو الصحيح، لحديث أنس عند أبي الشيخ في فوائد العراقيين "أرسلتني جدتي واسمها مليكة"
…
إلخ، وكونها جدة أنس لا ينفي كونها جدة إسحاق؛ لأن إسحاق جدته أم سليم، أم أبيه عبد الله، ومليكة أم جدته، فهي جدته الثانية.
وقوله: الطعام صنعته له، أي لأجل طعام، وهو مشعر بأن مجيئه كان لذلك، لا ليصلي بهم ليتخذوا مكان صلاته مصلى لهم، كما في قصة عتبان بن مالك الآتية، وهذا هو السر في كونه بدأ في قصته عتبان بالصلاة قبل الطعام، وهنا بالطعام قبل الصلاة، فبدأ في كل منهما بأصل ما دُعي لأجله.
وقوله: ثم قال "قوموا" استدل به على ترك الوضوء مما مست النار، لكونه صلى بعد الطعام، وتعقب بما رواه الدارقطنيّ في غرائب مالك عن أنس بلفظ "صنعت مليكة للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا، فأكل منه وأنا معه، ثم دعا بوضوء فتوضأ
…
" الحديث. وقوله: فلأِصليَ، أي بكسر اللام وفتح الياء. وفي رواية الأصيلي
بحذف الياء، قال ابن مالك: روي بحذف الياء وثبوتها ساكنة ومفتوحة، ووجهه أن اللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف تقديره: قوموا فقيامكم لأُصلي لكم. ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون الفاء زائدة، واللام متعلقة بقوموا. وعند سكون الياء يحتمل أن تكون اللام أيضًا لام كي، وسكنت الياء تخفيفًا، أو لام الأمر، وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، كقراءة قُنْبل {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] وعند حذف الياء، اللامُ لام الأمر، وأمْرُ المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيحٌ، قليل في الاستعمال، ومنه قوله تعالى {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12]. ويجوز فتح اللام، ولم ترد به الرواية، كما قال في الفتح.
وقال القسطلاني: إن فتح اللام مع سكون الياء رواية الأربعة، وتوجيهه أن اللام لام ابتداء للتأكيد، أو لام الأمر فتحت على لغة بني سليم، وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل .. إلخ ما مر، أو اللام جواب قسم محذوف، والفاء جواب شرط محذوف، أي إنْ قمتم فوالله لأصلي لكم، وتُعُقب بأنْ لا وجه للقسم، ولو أريد ذلك لقال الأصلين بالنون، وقيل: إن في رواية الكشميهني "فأصل" بحذف اللام، وليس من النسخ الصحيحة، كما قال في الفتح. وحكى ابن قرقول عن بعض الروايات "فلِنصلِّ" بالنون وكسر اللام والجزم، واللام على هذا لام الأمر، وكسرها لغة معروفة. وقوله: لكم، أي لأجلكم. قال السهيليّ: الأمر هنا بمعنى الخبر، وهو كقوله تعالى {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75]، ويحتمل أن يكون أمرًا لهم بالائتمام، لكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعلهم بفعله.
وقوله: من طول ما لُبِس، أي بضم اللام وكسر الموحدة، وقد استدل به، كما مرّ في باب من صلى في فَرّوج حرير، على منع افتراش الحرير، لعموم النهي عن لباس الحرير، ولا يرد على ذلك أن من حلف لا يلبس حيرًا لا يحنث بالافتراش؛ لأن الإِيمان مبناها على العُرف. وقوله: فنضحته، يحتمل أن يكون
النضح لتليين الحصير أو لتنظيفه أو لتطهيره، والأخير أوْلَى، وهو المتبادر؛ لأنه في التوجه للصلاة، والحصير متطرق فيه الشك في النجاسة، لاسوداده من طول اللبس، فهو جار على مذهب مالك من وجوب النضح عند الشك في النجاسة. وأما التليين والنظافة فلا يحصلان بالنضح بتاتًا، وإنما يحصلان بالغسل، فقول صاحب الفتح: ولا يصح الجزم بالأخير الذي هو التطهير؟ غيرُ ظاهر، بل اللازم الجزم به فتأمل منصفًا.
وقوله: وصففت أنا واليتيم، كذا للأكثر، وللحمويّ والمستملي "فصففت واليتيم" بغير تأكيد، والأول أفصح، ويجوز في اليتيم الرفع على العطف، والنصب على المفعول معه، ويأتي في السند قريبًا الكلامُ على اليتيم، وعلى العجوز التي هي مليكة. وقوله: ثم انصرف، أي إلى بيته أو مِن الصلاة، وفي الحديث إِجابة الدعوة ولو لم تكن عُرسًا، ولوكان الداعي امرأة، لكن حيث تؤمن الفتنة، والأكل من طعام الدعوة، وصلاة النافلة جماعة في البيوت، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة، لأجل المرأة، فإنها قد يخفى عليها بعض التفاصيل، لبعد موقعها.
وفيه تنظيف مكان المصلي أو تطهيره على ما مرّ، وقيام الصبي مع الرجل صفًا، وتأخير النساء عن صفوف الرجال، وقيام المرأة صفًا وحدها إذا لم تكن معها امرأة غيرها، واستدل به على جواز صلاة المنفرد خلف الصف، ولا حجة فيه لذلك؛ لأن المنفرد امرأة. وفيه الاقتصار في صلاة النهار على ركعتين خلافًا لمن اشترط أربعًا، وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. وفيه صحة صلاة الصبي المميز ووضوئه، وأن محل الفضل الوارد في صلاة النافلة منفردًا، حيث لا تكون هناك مصلحة كالتعليم، بل يمكن إن يقال: هو إِذ ذاك أفضل، ولاسيما في حقه صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد مالك هذا الحديث في ترجمة صلاة الضحى، وتعقب بما رواه أنس بن سيرين عن أنس بن مالك "أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إِلا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلي له في بيته" أخرجه المصنف