الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ". فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ". قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ ". قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا".
قوله: "خرج رسول الله" أي: من بيته أو مسجده.
وقوله: "في أضحى" أي: في يوم أضحى، بفتح الهمزة وسكون الضاد جمع أضحات إحدى أربع لغات في اسمها، بضم الهمزة وكسرها، وضحية كهدية، والأضحى يُذَكَّر ويؤنث، سميت بذلك لأنها تُذْبَح في الضُّحى، وهو ارتفاع النهار.
وقوله: "أو فطر" أي: أو في يوم فطر، شكٌّ من الراوي.
وقوله: "إلى المُصَلَّى" فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة، فقال:"أيها الناس تصدَّقوا".
وقوله: "يا معشر النساء" المعشر كل جماعة أمرهم واحد، وهو يَرِدُ على ثعلبٍ، حيث خصَّه بالرجال، إلَاّ إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر
لا تقييده كما في الحديث.
وقوله: "فإني أُرِيْتُكُنّ" الفاء للتعليل، و"أُرِيْتُكُن" بضم الهمزة وكسر الراء، أي: إن الله تعالى أَراهُنَّ له ليلة الإسراء.
وقوله: "أكثرَ أهل النار" بنصب أكثر مفعول أُرِيْتُكُن الثالث، أو على الحال إذا قُلنا: إن أفعل لا تتعرَّفُ بالإِضافة.
وقوله: "فقلن" بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي:"قلن" بلا فاء.
وقوله: "وبم" قيل: الواو استئنافية، وقيل: عاطفة على مقدر، تقديره: وما ذنبُنا؟ قاله العيني.
قلت: المقدر المعطوف عليه هو عين المعطوف، فلا يَصح، والباء تعليلية، والميم أصلها ما الاستفهامية، فحُذِفَت منها الألف تخفيفًا. وفرقًا بين الاستفهام والخبر. نحو:{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43]، وأما قراءة عكرمة:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 78]، فشاذة.
وقوله: "وتكفرن العشير" أي: تَجْحَدْنَ حق الخليط، وهو الزوج، أو هو أعم من ذلك، والخطاب عامٌّ، غلبت فيه الحاضرات على الغُيَّب.
وقوله: "من ناقصات عقل ودين" صفة لموصوف محذوف، قال الطيبي: قوله: "ما رأيت من ناقصات
…
إلخ" زيادة على الجواب، تسمى الاستِتْباع، والظاهر أن ذلك من جملة أسباب كونهن أكثر أهل النار؛ لأنهن إذا كنَّ سببًا لإِذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي، فقد شاركته في الإثم.
وقوله: "أَذْهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن" أي: أشد إذهابًا على مذهب سيبويه، حيث جوز بناء أفعل التفضيل من الثلاثي المزيد فيه، وكان القياس فيه: أشد إذهابًا. واللُّبُّ أخصُّ من العقل، وهو خالص ما في الإنسان من قواه، فكل لُبٍّ عقل، وليس كل عقل لُبًّا. والحازم: الضابط لأمره. وهذه
مبالغة في وصفهِنَّ بذلك؛ لأن الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن، فغير الضابط أولى.
قوله: "قلن: وما نُقصان ديننا وعقلنا؟ " كأنه خَفِي عليهنَّ ذلك حتى سألن عنه، ونفس هذا السؤال دالٌّ على النقصان؛ لأنَّهُنَّ سلمن ما نُسِبَ إليهن من الأمور الثلاثة: الإكثار، والكُفران، والإذهاب، ثم استشكلن كونهن ناقصات.
وما ألطف ما أجابهن به صلى الله عليه وسلم من قوله: "أليس شهادة المرأة مثلُ نصفِ شهادة الرجل
…
إلخ"، فأجابهن بما لا تعنيف فيه ولا لوم، بل خاطَبَهُنَّ على قَدْرِ عقولهن، وأشار بقوله: "مثل نصف شهادة الرجل" إلى قوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]؛ لأن الاستظهار بأخرى مؤذِن بقلة ضبطها. وحملُ بعضِهم العَقْلَ هنا على الدِّية بعيد، وسياق الكلام يأباه.
وقوله: "فذلك من نقصان عقلها" بكسر الكاف خطابًا للواحدة التي تولَّت خطابه عليه الصلاة والسلام، فإن قيل: هو خطاب للإناث، والمعهود فيه فذلكُنَّ، أحيب بأنه قد عُهِدَ في خطاب المذكر الاستغناء بذلك عن ذلكم، قال الله تعالى:{فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ} [البقرة: 85]، فهذا مثله في المؤنث.
على أن بعض النحاة نقل لغة بأنه يَكْتفي بكاف مكسورة مفردة لكل مؤنث أو الخطاب لغير معين من النساء، ليعم الخطاب كلاًّ منهن على سبيل البدل، إشارة إلى أن حالتهن في النقص تناهت في الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها، فلا تختص به واحدة دون واحدة، فلا تختصُّ حينئذ بهذا الخطاب مخاطبة دون مخاطبة، ويجوز فتح الكاف على أنه للخطاب العام، ويؤخذ منه أنه لا يواجه بذلك الشخص المعين، ففي الشمول تسلية وتسهيل.
وقوله: "لم تصلِّ ولم تَصُم" أي: لِما قام بها من مانع الحيض، وفيه إشعار بأن منع الحائض من الصلاة والصوم كان ثابتًا بحُكم الشرع قبل ذلك المجلس.
وقوله: "فذلك من نُقصان دينها" أي: بكسر الكاف وفتحها كالسابق.
قيل: وهذا العموم فيهِنَّ يعارِضه حديث: "كمُلَ من الرجال كثيرٌ، ولم يكمُلْ من النساء إلا: مريمُ ابنة عمران، وآسيةُ بنت مُزاحم". وفي رواية الترمذي وأحمد: "أربع: مريمُ ابنة عمران، وآسية امرأة فِرْعَون، وخديجة بنت خُوَيْلِد، وفاطمة بنت محمد".
وأجيب بأن الحكم على الكل بشيء لا يستلزِم الحكم على كل فرد من أفراده بذلك الشيء، وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومُهُنَّ على ذلك، لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرٌ من الافتتان بهن، ولهذا رتَّب العذاب على ما ذُكِر من الكفران وغيره لا على النقص، وليس نقص الدين منحصرًا فيما يحصُل به الإثم، بل في أعم من ذلك؛ لأنه أمر نسبي، فالكامل مثلًا ناقض عن الأكمل، ومن ذلك الحائض، لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض، لكنها ناقصة عن المصلّي.
وهل تُثاب على هذا الترك لكونها مكلَّفة به كما يُثاب المريض على النوافل التي كان يصليها في صحته، وشُغِل بالمرض عنها.
قال النووي: الظاهر أنها لا تُثاب، والفرق بينها وبين المريض أنه ينوي أنه يفعل لو كان صحيحًا مع أهليته، وهي ليست بأهل، ولا يمكنها أن تنوي؛ لأنها حرام عليها.
قال في "الفتح": وعندي في كون هذا الفرج مستلزمًا لكونها لا تُثاب وقفة.
قلت: ما قاله هو الظاهر، فإن كونها ليست أهلًا للفِعْل لا يمنعُ من أن تُثاب على نية أنها لو قدرت لفعلت، كما يتمنى الرجل أنه لو كان له مال لَعَمِل فيه ما يعمل فلان في ماله، ويحصُلُ الأجر بذلك كما في الحديث.
وقد مرّ الكلام على باقي مباحث هذا الحديث مستوفى في باب: كفران العشير من كتاب الإِيمان، وباب عظة الإِمام النساء، وفي باب: هل يَجْعَلُ للنساء يومًا؟ من كتاب العلم.