الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِىء بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِىء بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"مَنْ هَذِهِ؟ ". فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِىء بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِىء". فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِىء". قَالَتْ أُمُّ هَانِىء وَذَاكَ ضُحًى.
قوله: مرحبًا بأم هانىء، أي بباء الجر، ولابن عساكر "يا أم هانىء" بياء النداء، أي: لقيت رحبًا وسعة يا أم هانىء. وقولها هنا في الحديث "ذهبت فوجدته يغتسل" ظاهر في أن الاغتسال لم يقع في بيتها، وكذلك ما في الموطأ عنها، من أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل. وللمؤلف في باب "صلاة الضحى في السفر" قال:"دخل بيتها يوم الفتح، فاغتسل" وهذا ظاهر في أن الاغتسال وقع في بيتها، ويجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة عن مجاهد عن أم هانىء، وفيه أن أبا ذرٍّ ستره لما اغتسل، وأن في رواية أبي مُرة هنا عنها، أن فاطمة ابنته هي التي سترته، ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة، وكانت هي في بيت الحر بمكة، فجاءت إليه فوجدته يغتسل، فيصح القولان.
وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في
أثنائه. وقوله: قام فصلى ثمان ركعات، زاد كريب عن أم هانىء "فسلم من كل ركعتين" أخرجه ابن خزيمة، وفيه رد على من تمسك به في صلاتها موصولة، سواء صلى ثمان ركعات أو أقل. وفي الطبراني عن ابن أوفى أنه صلى الضحى ركعتين، فسألته امرأته فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين، وهو محمول على أنه رأى من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ورأت أم هانىء بقية الثمان، وهذا يقوي أنه صلاها مفصولة، وقوله: ملتحفًا في ثوب، هو موضع الحاجة من هذا الحديث، وقد مرَّ في الرواية المعلقة تفسيره بأنه المخالفة بين طرفي الثوب على العاتقين.
وقوله: زعم ابن أُمّي هو علي بن أبي طالب، وفي رواية الحموي ابن أبي، وهو صحيح في المعنى، فإنه شقيقها، وإنما خصت الأم في الرواية الأولي لكونها آكد في القرابة، ولأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها، فذكرت ما بعثها على الشكاية حيث أُصيبت من محل يقتضي أنها لا تصاب منه، لما جرت العادة أن الأُخُوة من جهة الأم أشد في اقتضاء الحنان والرعاية من غيرها.
وقوله: انه قاتلٌ رجلًا أي عازم على مقاتلة رجل، وفيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل. وقوله: فلان بن هبيرة، بالرفع بتقدير هو، أو بالنصب بدلًا من "رجلًا"، أو من الضمير المنصوب. وهُبيرة، بضم الهاء وفتح الموحدة، ابن أبي وهب بن عمرو المخزوميّ، زوج أم هانىء؛ ولدت منه أولادًا منهم هانىء الذي كنيت به، هرب من مكة عام الفتح لما أسلمت هي، ولم يزل مشركًا حتى مات، وترك عندها ولدها منه جَعْدَة، وهو ممن له رؤية، ولم تصح له صحبة، وابنه المذكور هنا يحتمل أن يكون جَعْدة هذا، ويحتمل أن يكون من غير أم هانىء، ونسي الراوي اسمه، لكن نقل ابن عبد البر عن أهل النّسب أنهم لم يذكروا لهبيرة ولداً من غير أم هانىء.
وقال ابن الجوزيّ: إنْ كان المراد بفلان ابنها، فهو جَعْدة. ورده ابن عبد البر وغيره، لصغر سنه، لأنه معدود فيمن له رؤية، ولم تصبح له صحبة، فكيفَ يتهيأ القتال لمن هذه سبيله؟ وحينئذ فلا يحتاج إلى الأمان، وأيضًا فإن عليًا لا
يقصد قتل ابن أُخته، فكونه من غيرها أرجح، وجزم ابن هشام بان اللّذين أجارتهما أم هانىء هما: الحارث بن هشام وزهير بن أبي أُمية المخزوميان، وعند الأزرقيّ عبد الله بن أبي ربيعة بدل زُهير. قال في الفتح: والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفًا، كأنه كان فيه فلان بن عم هبُيرة، فسقط لفظ "عم"، أو كان فيه فلان قريب ابن هبيرة، فتغير لفظ "قريب" بابن، وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هُبيرة، وقريبه، لكون الجميع من بني مخزوم. وقوله: قد أجرنا من أجرت، أي أمَّنَّا من أمنت، وقوله: قالت أم هانىء، وذاك ضحى، أي صلاته الثمان ركعات وقت ضحى، أو صلاة ضحى. وقد مرَّ هذا الحديث في الغسل في باب التستر، ومرَّ هناك الكلام على أوائله، ويأتي في صلاة الضحى في "باب صلاة الضحى في السفر" من طريق أخرى. وها أنا أذكر ما يتعلق به هنا، فأقول:
قد استدل به قوم على إثبات سنة الضحى، ونقل عياض عن قوم أنه ليس فيه دلالة على ذلك، قالوا: إنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد لما فتح الحيرة، كما نقله الطبريّ. وقال عياض أيضًا: ليس حديث أم هانىء بظاهر في أنه عليه الصلاة والسلام قصد بها سنة الضحى، وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط، وقد قِيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيها، وتعقبه النوويّ بأن الصواب صحة الاستدلال به، لما رواه أبو داود عن أم هانىء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سَبْحة الضحى.
ولمسلم في الطهارة عنها، في قصة اغتساله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى. وروى ابن عبد البَرّ في "التمهيد" عنها أيضًا قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ، فصلى ثمان ركعات، فقلت: ما هذه؟ فقال: هذه صلاة الضحى" واستدل به أيضًا على أن كثر الضحى ثمان ركعات، واستبعده السبليّ، ووجه بأن الأصل في العبادة التوقف، وهذا أكثر ما ورد في ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد من فعله دون ذلك، كحديث ابن أبي أوفى "أنه عليه الصلاة والسلام صلى الضحى ركعتين" أخرجه ابن عديّ.
وأخرج البخاري مثله من حديث عَتبان، وحديث عائشة عند مسلم "كان يصلي الضحى أربعًا، وحديث جابر عند الطبرانيّ في الأوسط "أنه صلى الله عليه وسلم، صلى الضحى ست ركعات" وأما ما ورد من فعله عليه الصلاة والسلام، ففيه زيادة على ذلك، كحديث أنس مرفوعًا "من صلى الضحى ثنتي عشر ركعة بني الله له قصرًا في الجنة" أخرجه التِّرمذِيّ واستغربه. وليس في إسناده من أطلق عليه الضعف، وعند الطبرانيّ من حديث أبي الدرداء مرفوعًا "من صلى الضحى ركعتين لم يُكتب من الغافلين، ومن صلى أربعًا كتب من التائبين، ومن صلى ستًا كفى ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيًا كُتب من العابدين، ومن صلى اثنتي عشر بني الله له بيتاً في الجنة" وفي إسناده ضعْف، وله شاهد من حديث أبي ذَرٍّ، رواه البزار. وفي إسناده ضعفٌ أيضًا. ومن ثَمّ قال الرويانىّ ومن تبعه: أكثرها ثنتا عشرة.
وقال النووي في "شرح المهذب" فيه حديث ضعيف كأنه يشير إلى حديث أنس، لكنه إذا ضُم إليه حديث أبي ذَرٍّ وأبي الدرداء، قَوِيَ وصَلُح للاحتجاج.
ونقل الترمذيّ عن أحمد أن أصح شيء ورد في الباب حديث أم هانىء، وهو كما قال. ولهذا قال النّووي في "الروضة" أفضلها ثمان، وأكثرها ثنتي عشرة، ففرق بين الأفضل والأكثر، ولا يتصور ذلك إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة بتسليمة واحدة، فإنها تقع نفلاً مطلقاً، عند من يقول إن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات، فأما من فَصَل، فإنه يكون صلى الضحى، وما زاد على الثمان يكون له نفلًا مطلقًا، فتكون صلاته ثنتي عشرة في حقه أفضل من ثمان، لكونه أتي بالأفضل. وزاد: وقد ذهب قومٌ منهم أبو جعفر الطبريّ، وبه جزم الخليميّ والرويانيّ من الشافعية، إلى أنه لا حد لأكثرها. وروى عن إبراهيم النخعيّ قال: سأل رجل الأسود بن يزيد: كم أصلي الضحى؟ قال: كم شئت. وفي حديث عائشة عند مسلم "كان يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء" وهذا الإطلاق قد يحمل على التقييد، فيؤكد أن أكثرها ثنتي عشرة.
وذهب آخرون إلى أن فضلها أربع ركعات، فحكى الحاكم في كتابه المفرد، في صلاة الضحى، عن جماعة من أئمة الحديث، أنهم كانوا يختارون
أن تصلى الضحى أربعًا، لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك، كحديث أبي الدرداء، وأبي ذَرٍّ عند التِّرمذيّ، مرفوعًا عن الله تعالى "ابن آدم، اركعْ أربعَ ركَعات من أول النهار، أكفك آخره". وحديث نعيم بن حماد عند النَّسائيّ، وحديثْ أبي أُمامة وعبد الله بن عمرو والنَّواس بن سمعان، كلهم بنحوه، عندَ الطبرانيّ، وحديث عقبة بن عامر، وأبي مُرّة الطائفىّ، كلاهما عند أحمد بنحوه، وحديث عائشة عند مسلم كما مرَّ قريبًا، وحديث أي موسى، رفعه "من صلى الضحى أربعًا بني الله له بيتًا في الجنة" أخرجه الطبراني في الأوسط، وحديث أبي أمامة مرفوعًا "أتدرون قوله تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] قال: وفّي عمل يوم بأربع ركعات الضحى" أخرجه الحاكم.
وجمع صاحب الهدى الأقوال في صلاة الضحى فبلغت ستًا:
الأول: مستحبة، واختلف في عددها، فقيل أقلها ركعتان وأكثرها اثنتي عشرة. وقيل: أكثرها ثمان، وقيل كالأول، لكن تشرع ستًا ولا عشرًا، وقيل كالثاني، لكن لا تشرع ستًا، وقيل: ركعتان فقط، وقيل أربع فقط. وقيل: لا حد لأكثرها.
والقول الثاني: لا تشرع إلاّ لسبب، واحتجوا بأنه عليه الصلاة والسلام لم يفعلها إلا بسبب، واتفق وقوعها وقت الضحى، وتعددت الأسباب، فحديث أم هانىء يوم الفتح كان بسبب الفتح، وأن سنة الفتح أن يصلي ثمان ركعات، ؤنقله الطبريّ من فِعل خالد بن الوليد لما فتح الحيرة، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفي، أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى حين بُشّر برأس أبي جهل، وهذه صلاة شكر، كصلاته يوم فتح مكة، وصلاته في بيت عتبان إجابةً لسؤاله أن يصلي في بيته مكاناً يتخذه مصلَّى، فاتفق أنه جاءه وقت الضحى، فاختصره الراوي، فقال: صلى في بيته الضحى. وخديث عائشة "لم يكن يصلي الضحى إلَّا أن يجيء من مَغْيَبه، لأنه كان ينهى عن الطروق ليلًا، فيقدُم في أول النهار، فيبدأ بالمسجد، فيصلي وقت الضحى".
القول الثالث: لا تستحب أصلًا، وصح عن عبد الرحمن بن عوف أنه لم
يصلّها، وكذلك ابن مسعود.
القول الرابع: يستحب فعلها تارةً وتركها تارة، بحيث لا يواظب عليها، وهذه إحدى الروايتين عنده والحجة فيه حديث أبي سعيد "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها" أخرجه الحاكم. وعن عكرمة: كان ابن عباس يصليها عشرًا، ويدعها عشرًا. وقال الثَّوريّ عن منصور: كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوية، وعن سعيد بن جبير: إني لأدعها وأنا أحبها، مخافة أن أراها حتمًا عليّ.
الخامس: تستحب صلاتها، والمواظبة عليها في البيوت، للأمن من الخشية المذكورة.
السادس: أنها بدعة، صح ذلك من رواية عُروة عن ابن عمر، وسئل أنس عن صلاة الضحى فقال: الصلوات خمس. وعن أبي بكرة: أنه رأى ناسًا يصلون الضحى فقال: ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عامّة أصحابه. وقد ذكر الحاكم الغالب هذه الأقوال مستندًا، وبلغ عدد رواة الحديث في إثباتها نحو العشرين نَفسًا من الصحابة، وروى الحاكم عن عقبة بن عامر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، والضحى. ومناسبة ذلك ظاهرة جدًا.
وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبَّح سبحة الضحى، وإني لأسبحها" وفي رواية "وإني لأستحبها" من الاستحباب، ولكل منهما وجه، لكن الأول يقتضي الفعل، والثاني لا يستلزمه. وجاء عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة، أوردها مسلم، فعنده عن عبد الله بن شقيق قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه" وعنده من طريق معاذة عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله" ففي الأول نفي رؤيتها لذلك مطلقًا، وفي الثاني تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه. وفي الثالث الإثبات مطلقًا.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق عدم الوقوع، فيقدم من روى عنه الإثبات من الصحابة، وذهب آخرون إلى الجمع بينها، قال البَيهقيّ: عندي أن المراد بقولها "ما رأيته سبحها" أي داوم عليها، وقولها "وإنّي لأسبحها" أي أداوم عليها. وكذلك قولها "وما أحدث الناسَ شيئًا" تعني المداومة عليها.، قال: وفي بقية الحديث الذي تقدم من رواية مالك إشارة إلى ذلك، حيث قالت "وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمله، خشية أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم" وحكى المحُبّ الطبريّ أنه جمع بين قولها "ما كان يصلي إلَّا أن يجيء من مغيبه" وقولها "كان يصلي أربعاً، ويزيد ما شاء الله" بأن الأول محمول على صلاته اياها في المسجد، والثاني على البيت. قال: ويعكر عليه حديثها "ما رأيته سبح سبحة الضحى" ويجاب عنه بأن المنفي مخصوصة.
وقال عياض وغيره: قولها ما صلاّها، معناه ما رأيته صلاها، والجمع بينه وبين قولها "كان يصليها" أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها. وقيل في الجمع أيضًا: يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ، من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفر، لا بعدد مخصوص ولا بغيره، كما قالت "يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله". وحديث عائشة يدل على ضعف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه" وعدها لذلك جمع من العلماء من خصائصه، ولم يثبت ذلك في خبر صحيح.
وقول الماورديّ في "الحاوي" إنه واظب عليها بعد يوم الفتح إلي أن مات، يعكر عليه ما رواه مسلم عن أم هانىء "أنه لم يصلها قبل ولا بعد" ولا يقال إن نفي أم هانىء لذلك بلزم منه العدم، لأنا نقول يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة، لأنّ عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملًا أثبته، فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب عليه. وأخرج البخاريّ عن أبي هريرة قال: "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة