الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والثلاثون
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.
قوله: ورِجلاي في قبلته، أي في مكان سجوده، ويتبين بقولها في الرواية التي بعدها "وهي بينه وبين القبلة" وقوله: فقبضتُ رجليّ، كذا بالتثنية للأكثر، وكذا في قولها "بسطتهما" وللحمويّ والمستملي "رجلي" بالإِفراد، وكذا "بسطتها" وقوله: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، قالته كأنها مريدة به الاعتذار عن نومها على تلك الصفة، إذ لو كانت لقبضت رجليها عند إرادة السجود، ولما أحوجته للغمز. وفيه إشعار بأنهم صاروا بعد ذلك يستصبحون.
ومناسبة الحديث للترجمة من قولها "كنت أنام" وقد صرحت في الحديث الذي يليه بأن ذلك على فراش أهله، واستنبط منه عدم نقض الوضوء بلمس المرأة، وهو مذهب المالكية والحنابلة، إلاّ لقصد الشهوة جمعًا بين الأدلة، ومذهب الحنفية من غير تفصيل، وأجاب عنه الشافعية ومن قال بقولهم "بالنقض باللمس مطلقًا" باحتمال أن يكون بينهما حائل من ثوب أو غيره، أو بالخصوصية، ورُد هذا بأن الأصل عدم الحائل في الرجل واليد عُرفًا، وبأن دعوى الخصوصية بلا دليل، وبأنه عليه الصلاة في مقام التشريع لا الخصوصية، وفي قولها هذا "والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح" الإِشارة إلى عدم الاشتغال بها، ولا يعكر على ذلك كونه يغمزها عند السجود، وليسجد مكان رجليها، كما وقع صريحًا في رواية لأبي داود، ولأن الشغل بها مأمون في حقه
-صلى الله عليه وسلم، فمن أمِن ذلك لم يكره في حقه.
وفي الحديث جواز الصلاة إلى النائم، وقد ورد فيه حديث ابن عباس "أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث". أخرجه أبو داود وابن ماجه. وقال أبو داود: طرقه كلها واهية، وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عديّ، وعن أبي هريرة أخرجه الطبرانيّ في الأوسط، وهما واهيان أيضًا، وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاةَ إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يُلهي المصلي عن صلاته. وفيه جواز الصلاة إلى المرأة وأنها لا تقطع صلاته، وكرهه بعضهم لغير الشارع لخوف الفتنة بها، واشتغال القلب بالنظر إليها، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمنزه عن هذا كله، مع أنه كان في الليل ولا مصابيح فيه.
وفيه أن المرأة لا تبطل صلاة من صلى إليها، ولا من مرت بين يديه، وهو قول جمهور الفقهاء سلفًا وخلفًا، منهم أبو حنيفة ومالك والشافعيّ، ومعلوم أن اعتراضها بين يديه أشد من مرورها، وذهب بعضهم إلى أنه يقطع مرور الحمار والكلب والمرأة، لحديث أبي ذَرٍّ بذلك عند مسلم، وقال أحمد يقطع الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، ووجّهه ابن دقيق العيد بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس الآتي عند المصنف "أنه مرّ وهو راكب على أتان بين يدي بعض الصف"، ووجد في المرأة حديث عائشة المذكور في الباب، وحديثها الآتي "شبهتمونا بالكلاب والحمر .. إلخ".
والجواب عن حديث قطع الصلاة بهؤلاء أحد أمرين:
أحدهما أن المراد من القطع نقص الخشوع لا إبطالها، وذلك لأن المرأة تغير الفكر فيها، والحمار تنهق، والكلب يهوش، فلما كانت هذه الأشياء آئلة إلى القطع أطلق عليها القطع، ويؤيد هذا التأويل أن الصحابيّ راوي الحديث لما سُئل عن التقييد بالكلب الأسود أجاب بأنه شيطان، وقد علم أن الشيطان لو مرّ بين يدي المصلي لم تفسد صلاته، كما يأتي عند المصنف "إذا ثَوَّب
بالصلاة أدبر الشيطان، فإذا قضى التثوثيب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه" وسيأتي أيضًا حديث "إن الشيطان عرض لي فشد عليَّ
…
" الحديث، وللنسائي عن عائشة "فأَخَذْتُه فصرعته فخنقته" ولا يقال قد ذكر في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته؛ لأنا نقول قد بين في رواية مسلم سبب القطع، وهو أنه جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأما مجرد المرور فحصل، ولم تفسد به.
والثاني أن حديث القطع منسوخ بحديث "لا يقطع الصلاة شيء" رواه مالك في الموطأ وأبو داود والدارقطنيّ وغيرهم، وبصلاة الشارح عليه الصلاة والسلام، وبينه وبين القبلة عائشة، رضي الله تعالى عنها، وبكون الأتان ترتع بين يديه، ولم ينكره أحد، لكن تُعُقب هذا بأنّ النَّسخ لا يصار إليه إلَّا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع، والتاريخ هنا لم يتحقق، والجمع لم يتعذر كما مرّ، وذهب ابن عباس وعطاء إلى أن المرأة التي تقطع الصلاة هي الحائض، وَرُدَّ بأنه جاء في حديث عائشة هذا قال شعبة "وأحسبها قالت: وأنا حائض".
ونازع بعضهم في الاستدلال بحديث عائشة من أوجه:
أحدها أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت إن البيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، فانتفى المعلول بانتفاء علته.
ثانيها أن المرأة في حديث أبي ذَرٍّ مُطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجته، فيحمل المطْلق على المقيد، ويقال بتقيد القطع بالأجنبية لخشية الافتتان بها؛ بخلاف الزوجة، فإنها حاصلة.
ثالثها أن حديث عائشة واقعة عين يتطرق إليها الاحتمال، بخلاف حديث أبي ذَرٍّ، فإنه مَسوقٌ مساق التشريع العام. وأشار ابن بطال إلى أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم، لأنه يقدر من مَلْكِ إرْبه ما لا يقدر عليه غيره.
وقال بعض الحنابلة: يعارض حديث أبي ذرٍّ وما وافقه أحاديثُ صحيحة غير صريحة، وأحاديث صريحة غير صحيحة، فلا يترك العمل بحديث أبي ذر