الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضع واحد، والعنعنة في موضعين، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، ورواته مدنيّون ما خلا ابن أبي مَرْيَم، فإنه مصري.
أخرجه البخاري هنا، وأخرجه مقطّعًا في الصوم والطهارة وفي الزكاة، وأخرجه في العيدين بطوله. ومسلم في الإيمان عن حسن الحلواني وغيره. والنسائي في الصلاة عن قُتَيْبة. وابن ماجه عن أبي كُرَيْب.
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
الأحسن فيما قيل في مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار أن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجُنُب بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلَاّ الطواف، وإنما استثناه لأنه صلاة مخصوصة، وأعمال الحج مشتملة على ذِكر وتلبية ودعاء، ولم تُمنع الحائض من شيء من ذلك، فكذلك الجُنُب؛ لأن حدثها أغلظ من حدثه، ومَنْعُ القراءة إن كان لكونه ذِكْرَ الله فلا فرق بينه وبين ما ذُكر، وإن كان تعبُّدًا فيحتاج إلى دليل خاص، ولم يصحَّ عند المصنف شيء من الأحاديث الواردة في ذلك، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل، ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطَّبَري وابن المنذر وداود بعموم حديث:"كان يذكُرُ الله على كل أحيانِهِ" الآتي قريبًا؛ لأن الذِّكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فُرِّق بين الذِّكر والتلاوة بالعُرف.
وقالَ إبراهيمُ لا بأسَ أنْ تَقْرَأَ الآيةَ.
يعني: ونحو الآية، والجُنُب مثلها.
ورُوي عن مالك نحو قول إبراهيم، وروي عنه الجواز مطلقًا، وروي عنه الجواز للحائض دون الجُنُب.
قلت: وهذا هو مشهور مذهبه، فالجُنُب في مشهور مذهبه لا يقرأ من القرآن إلا الآيتين ونحوهما، للتعوذ والاستدلال والرُّقْيَة.
وأجاز بعضهم قراءة المعوَّذتَيْن، ولابد فيما يُقرأ للتعوُّذ أن يكون مما يُتَعَوَّذ به، لا نحو آية الدَّيْن، وكذا يجري نحوه فيما يُرقى به، أو يُسْتَدل به.
وظاهر كلام الباجي أنه يجوز له أن يقرأ المعوذتين وآية الكرسي معًا، بل قد يشمل كلامه قراءة: قل أوحي. وأما الحائض فقراءتها عنده جائزة ما دامت حائضًا كما مرَّ عند قول عائشة: "ثم يقرأ القرآن".
قال القسطلاني: إن مذهب الشافعية والحنفية تحريم قراءة الحائض كالجنب، ولو بعض آية، لحديث الترمذي:"لا يقرأُ الجُنُب ولا الحائض شيئًا من القرآن". قال: فيتناول بإطلاقه الآية فما دونها، فيكون حجة على النَّخَعي والطحاوي في إباحتهما بعض الآية، لكن هذا الحديث ضعيف من جميع طرقه، فلا يصح الاحتجاج به على المالكية ولا على غيرهم.
وأثر إبراهيم هذا وصله الدّارَقُطني بلفظ: "أربعة لا يقرؤون القرآن: الجُنُب، والحائِضُ، وعند الخلاء، والحمّام، إلا الآية".
وإبراهيم: المراد به إبراهيم بن يزيد النخعي وقد مرَّ في السادس والعشرين من كتاب الإيمان.
ولمْ يَرَ ابنُ عَبّاسٍ بالقراءةِ للجُنُبِ بَأْسًا.
وهذا الأثر وصله ابن المنذر وابن أبي شَيْبة بلفظ: إنه كان يقرأ وِرْدَه من القرآن وهو جُنُب، فقيل له في ذلك، فقال: ما في جوفي أكثر منه. وابن عباس مرَّ في الخامس من بدء الوحي.
وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الله على كلِ أَحْيَانِهِ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ كنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بتكبيرهِمْ ويَدْعُونَ.
قوله: "يَخْرُجَ الحِيَّضُ" بالرفع على الفاعلية، وفي رواية: "أن نُخْرِجَ
الحيَّضَ" بالنصب على المفعولية، فيكُنَّ خلف الناس.
وقوله: "ويدعون" أي: بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته. وللكشميهني:"يدعين" بمثناة تحتية بدل الواو، وردها العين لمخالفتها لقواعد التصريف؛ لأن هذه الصيغة معتلة اللام من ذوات الأربع، يستوي فيها لفظ جماعة الذكور والإناث في الخطاب والغيبة جميعًا، وفي التقدير يختلف، فوزن الجمع المذكر: يَفْعُونَ لحذف لامه. ووزن المؤنث: يَفْعَلْنَ.
ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها.
وهذا التعليق وصله البخاري في أبواب العيدين في باب التكبير أيام مِنى، وإذا غدا إلى عَرَفة. ورواه أيضًا في باب خروج النساء الحُيَّض إلى المُصَلّى على ما يأتي.
ومرت أُم عطية في الثاني والثلاثين من كتاب الوضوء.
وقَالَ ابنُ عباسٍ أَخْبَرني أبُو سُفيانَ أنَّ هِرَقْلَ دَعَا بكتاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقرَأَهُ فإذا فيهِ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية.
قوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} بإسقاط الواو لأبي ذرٍّ والأصيلي، وبزيادة واو في رواية القابِسِيّ والنَّسَفِي وعَبْدُوس، وقد مرَّ توجيه إثبات الواو في بدء الوحي.
ووجه الدِّلالة منه من حيث إنه إنما كُتِبَ إليهم ليقرؤوه، وهو مشتمل على آيتين، فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط.
وأجاب مَن مَنَعَ ذلك وهو الجمهور، بأن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه، أو في التفسير، فإنه لا تُمنع قراءته ولا مسُّه عند الجمهور؛ لأنه لا تُقصد منه التلاوة.
وأجاب بعضهم بأن الجُنُب إنما مُنع من التلاوة إذا قصدها وعَرَفَ أن الذي يقرؤه قرآنًا، أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن، فإنه لا يُمنع، وكذلك الكافر.
واستدل الجمهور على المنع بحديث علي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجُبُهُ شيءٌ عن القرآن ليس الجنابة". أخرجه أصحاب "السنن"، وصححه الترمذي وابن حِبّان، وضعَّفَ بعضُهم بعض رواته، والحق أنه من قبِيل الحسن، يصلُح للحجة. لكن قيل: في الاستدلال به نظر؛ لأنه فعلٌ مجرَّد، فلا يدُلُّ على تحريم ما عداه.
وأجاب الطبري القائل بالجواز كما مرَّ عن الحديث بأنه محمول على الأكمل جمعًا بين الأدلة.
ونص أحمد على أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ، وقال به كثيرٌ من الشافعية، ومنهم من خصَّ الجواز بالقليل كالآية والآيتين.
وقال الثَّوري: لا بأس أن يُعَلَّمَ الرجلُ النصرانيُّ الحرفَ من القرآن، عسى الله أن يهديه، وأكره أن يُعَلَّم الآية، هو كالجُنُب.
وعن أحمد: أكره أن يَضَعَ القرآن في غير موضعه. وعنه: إن رُجِيَ منه الهداية جاز، وإلا فلا.
وقالت الشافعية: تحِلُّ للجُنُب قراءة الفاتحة في الصلاة إذا فقد الطُّهورين، بل تجب كما صححه النووي؛ لأنه نادر. وصحح الرافعي حرمتها، لعجزه عنها شرعًا. وكذا تحِلُّ أذكاره لا بقصد القرآن، كقوله عند الركوب: سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كُنا له مُقْرِنين. فإنْ قَصَدَ القرآن وحده أو مع الذكر حَرُم، وإن أَطْلَق فلا كما اقتضاه كلام "المنهاج"، خلافًا لما في "المحرر". وقال في "شرح المهذب": أشار العراقي إلى التحريم.
وهذا قطعة من حديث أبي سُفيان في قصة هِرَقْل، وقد وصله البُخاري في بدء الوحي، ومرَّ هناك المواضع المذكور فيها.
وعبد الله بن عباس مرَّ هناك في الحديث الخامس من بدء الوحي. ومرَّ أبو سُفيان في السابع منه.
وقالَ عَطَاءٌ عَنْ جابرٍ حَاضَتْ عائشةُ رضي الله عنها فَنَسكَتْ المَنَاسِكَ كُلَّها غيرَ الطوافِ بالبيتِ ولا تُصَلِّي.
وهذا قطعة من حديث ذكره البخاري موصولًا في كتاب الأحكام في باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلتُ من أمري ما استَدْبَرت".
وعطاء بن أبي رباح مرَّ ذكره في التاسع والثلاثين من كتاب العلم. ومرَّ جابر بن عبد الله في الثالث من بدء الوحي.
وقالَ الحَكَمُ إني لأذْبَحُ وأنا جُنُبٌ وقالَ الله عز وجل {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} .
وجه الدلالة منه أن الذبح مستلزِمٌ لذِكر الله بحكم الآية التي ساقها، قال في "الفتح": وفي جميع ما استدل به نزاع يطُول ذكره، ولكن الظاهر من تصرُّفِهِ ما مرَّ تقريره عند الترجمة.
وهذا التعليق وصله البغوي في الجَعْدِيّات من روايته عن علي بن الجَعْد، عن شُعبة، عنه.
والحكم: المراد به الحكم بن عُتَيْبة وقد مرَّ ذكره في الثامن والخمسين من كتاب العلم.