الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والعشرون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِى خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشَرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ. قَالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟ قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ". فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: بِأَبِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى". قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ الْحُيَّضُ؟ فَقَالَتْ أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا.
قوله: "كنا نمنعُ عواتِقَنا أن يَخْرُجْنَ"، العواتق جمع عاتِق، وهي مَنْ بلغت الحلم أو قاربت أو استحقت التزويج، أو هي الكريمة على أهلها، أو التي عُتِقَت عن الامتهان في الخروج للخدمة.
وكأنهم كانوا يمنعونَ العواتِقَ من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد، ولم تلاحظ الصحابة ذلك، بل رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "فقدِمت امرأة"، لم تُسَمَّ.
وقوله: "فنزلت قصَر بني خَلَف" هو قصر بالبصرة، منسوب إلى طلحة بن
عبد الله بن خَقف الخُزاعي المعروف بطَلْحةِ الطَّلْحات. وقد وَلِيَ امرة سِجِسْتان.
وقوله: "فحدَّثت عن أُختها" قيل: هي أُم عطية، وقيل: غيرها. وعلى أنها أُم عطية، فزوجُها لم يُسمَّ أيضًا.
وقوله: "ثِنْتَى عَشْرة" زاد الأصيلي: غزوة.
وقوله: "وكانت أُختي" فيه حذف، تقديره: قالت المرأة وكانت أختي.
وقوله: "معه" أي: مع زوجها، أو مع النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله: "في ستٍّ" أي: ست غَزوات، وفي الطبراني أنها غَزَت معه سبعًا.
وقوله: "قالت"، أي: الأخت لا المرأة.
وقوله: "كُنا" أي: بلفظ الجمع، لبيان فائدة حضور النساء الغزوات على سبيل العموم.
وقوله: "نُداوي الكَلْمى" بفتح الكاف وسكون اللام، جمع كَلِيم، أي: جريح.
وقوله: "أَعَلى إحدانا بأسٌ" أي: حَرَج وإثم.
وقوله: "إذا لم يكن لها جِلْباب" هو بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف، قيل: هو خِمار واسع كالمِلْحَفة تغطي به المرأةُ رأسَها وظهرها وقيل: المِقْنَعَة، أو الخِمار، أو ثوب واسع يكون دون الرِّداء، أو الإزار، أو المِلْحَفَة، أو المُلاءة، أو القميص.
وقوله: "أن لا تخرُجَ" أن مصدرية، أي: في عدم خروجها إلى المصلّى للعيد.
وقوله: "لتُلْبِسْها صاحبتُها" بالجزم ورفع صاحبتها على الفاعلية، وفي رواية:"فتلبِسُها" بالرفع وبالفاء بدل اللام.
وقوله: "من جِلْبابها" قيل: المراد به الجنس، أي: تُعيرها من ثيابها ما لا
تحتاج المُعِيَرةُ إليه، ويؤيده رواية ابن خُزيمة:"من جلابيبها"، وللترمذي:"فلْتُعِرْها أختُها من جلابيبها" والمراد بالأخت الصاحبة.
ويُحتمل أن يكون المراد تَشْرَكُها معها في ثوبها، ويؤيِّده رواية أبي داود:"تُلْبِسُها صاحبتُها طائفةً من ثوبِها" يعني: إذا كان واسعًا.
ويؤخذ منه: جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد عند التستُّر. وقيل: إنه ذُكر على سبيل المبالغة، أي: يخرُجْنَ على كلِّ حال، ولو اثنتين في جلباب.
وقوله: "ولْتشهَدِ الخيرَ" أي: ولتحضُرْ مجالسَ الخير، كسماع الحديث والعلم وعيادة المريض ونحو ذلك.
وقوله: "ودعوةَ المسلمين" كالاجتماع لصلاة الاستسقاء، وفي رواية الكُشْمِيهني:"المؤمنين"، وهي موافِقة لرواية أُم عطية.
وقوله: "قالت: بأبي" أي: فديتُه بأبي، أو هو مُفْدَى بأبي، وحُذِفَ المتعلَّق تخفيفًا لكثرة الاستعمال، وفي الطبراني:"بأبي هو وأمي".
وقولها: "بأبي" هو بهمزة وموحدة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة، ولأبي ذرٍّ:"بيَبي" بقلب الهمزة ياء، وللأصيلي "بأيا" بفتح الموحدة وإبدال ياء المتكلم ألفًا، وفي رواية:"بَيبي" بقلب الهمزة ياء وفتح الموحدة.
وقوله: "وكانت لا تذكُرُه" أي: كانت أُم عطية لا تذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "تخرُجُ العواتِقُ" هو خبر متضمِّنٌ للأمر؛ لأن إخبار الشارع عن الحكم متضمِّن للطلب الشرعي.
وقوله: "وذوات الخُدور" أي: بالعطف مع الجمع صفة للعواتق، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهني والأصيلي:"ذات الخدور" من غير عطف وبإفراد "ذات". و"الخُدور" بضم الخاء والدال المهملة جمع خِدْر -بكسر الخاء وسكون الدال، وهو ستر يكون في ناحية البيت، تقعد البِكْر وراءه، أو هو البيت نفسه.
وقوله: "أو العواتِق ذوات الخُدور والحُيَّض" على الشك من الراوي، هل هو بواو العطف، أم لا. و"الحُيَّض" بضم الحاء وتشديد الياء، جمع حائض، معطوف على العواتِق، وفي رواية التِّرمذي:"تخرُجُ الأبكار والعواتِقُ وذواتُ الخدورِ"، وبين العاتِق والبكر عموم وخُصوص وجهي.
وقوله: "ولتشْهَدْنَ الخير" في رواية ابن عساكر: "ويشَهْدنَ" وهو معطوف على: "تخرج" المتضمن للأمر كما مرّ، أي: لتخرج العواتق وليشهدن.
وقوله: "ويعتزلُن الحُيَّضُ المصَلَّى" بضم اللام، وهو خبر بمعنى الأمر، وفي رواية:"يعتزِلْنَ الحُيَّضُ المصلّى" وهو على لغة أكلوني البراغيث، أي: فيكُنَّ فيمن يدعو ويؤمِّن، رجاء بركة المشهد الكريم.
وحَمَل الجمهور الأمر المذكور على الندب؛ لأن المصلّى ليس بمسجد، فيمتنع الحُيَّضُ من دُخوله، وأغرب الكِرْماني فقال: الاعتزال واجب، والخروج والشهود مندوبٌ، مع كلونه نَقَلَ عن النووي تصويبَ عدم وجوبه.
وقال ابن المنير: الحكمة في اعتزالِهِنَّ أنَّ في وقوفِهِنَّ وهُنَّ لا يصلّين مع المصليات إظهارَ استهانة بالحال، فاستُحِبَّ لهُن اجتناب ذلك.
وقوله: "قالت حفصة: فقلت لها" القائلة المرأة، والمَقُول لها أُم عطية، ويُحتمل أن تكون القائلة حفصة، والمَقول لها المرأة، وهي أخت أُم عطية، والأول أرجح.
وقوله: "آلحُيَّضُ؟ " بهمزة ممدودة على الاستفهام التعجُّبي من إخبارها بشهود الحيض.
وقوله: "فقالت: أليس تشهد" واسم ليس ضمير الشأن، وللكُشْمِيهني:"أليست" بتاء التأنيث، وللأصيلي:"أليس يشهَدْنَ" بنون الجمع، أي: الحُيَّضُ.
وقوله: "عرفة وكذا وكذا" أي: نحو المُزْدَلفة ومِنى وصلاة الاستسقاء.
وفي الحديث استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين، سواء كن شوابَّ أم لا، وذوات هيئات أم لا، وقد اختلف فيه السلف، فنقل عياض وجوبه عن أبي بكر وعلي وابن عمر.
قال في "الفتح": والذي رواه ابن أبي شَيْبة عن أبي بكر وعلي أنهما قالا: "حقَّ على كلِّ ذاتِ نطاقٍ الخروجُ إلى العيدين" ولفظ: "حقَّ" يحتمِلُ الوجوب وتأكُّد الاستحباب.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عُمر أيضًا أنه كان يُخْرِج من استطاع من أهله إلى العيدين، وهذا ليس صريحًا في الوجوب أيضًا.
وقد رُوِيَ عن ابن عمر المنع، فيُحْتَمل أن يُحْمَلَ على حالين، ومنهم من حمله على الندب.
وحاصل مشهور مذهب مالك أن المتجالة التي لا أرب للرجال فيها يُندب لها أن تخرج إلى الفَرْضِ والعيد والاستسقاء. والتي لم ينقطِعْ أَرَبُ الرِّجال منها بالكلية تخرج للمسجد. ولا تكثر التردُّد. وأما الشابّة، فإن كانت بارعة في الجمال لم تخرُج أصلًا، وإن كانت غير بارعة يجوز خروجُها للفَرْضِ وجنازة أهلها وقرابتها، مع أنه خِلاف الأولى، ويُمنع خروجُها لمجالس العلم والوعظ والذِّكر وإن بَعُدَت وكانت منعزِلة عن الرجال. وقيل: يكره في هذه الحالة كراهةً شديدة.
وشَرَطَ العلماء في خروجها أن تكون بليلٍ، وعكس بعضهم، وقال: بل يكون نهارًا. ويمكن اختلاف ذلك باختلاف الزمان. وأن يَكُنَّ غير متزيِّنات ولا متطيِّبات ولا مزاحمات للرِّجال. وأن تخرُجَ في خشِنِ ثيابِها. وأن لا تتحلى بحُلِيٍّ يظهر أثره للرجال بنظر أو صوت، وإلا فلا بأس به. وأن لا يَبْقى في الطريق ما تخشى مفسدتُه. ولا يخرُجنَ في الليالي المقصودة بالخروج. ولا يُقضى على زوجها بالخروج ولو شرطته في أصل العقد، ولكن يُندب له الوفاء به. بِخلاف المتجالّة، فإنه يُقضى لها إذا شرطته. وقيل: لا يُقضى لها أيضًا. ومذهب الشافعية قريب من هذا.
قال القسطلاّني: وخصَّ بعضُ أصحابنا من عموم الحديث غير ذوات الهيئات والمستحسنات، وأما هُنَّ فيُمْنَعْن، لأن المفسدة إذ ذاك كانت مأمونة بخلافها اليوم، وقد قالت عائشة في "الصحيح": لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النِّساء لمَنَعَهُنَّ المساجد كما مُنِعت نساء بني إسرائيل.
قلت: هذا قالته عائشة رضي الله تعالى عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بزمن يسير جدًّا، وأما في هذا الزمان فلا يرخَّص لهُنَّ الخروج بتاتًا لا في فرضٍ ولا في عيد ولا غيره.
وقال في "الفتح": إن بعض العلماء حمل الأمر في الحديث في خروجهن على النَّدْب، وجزم بذلك الجُرجاني من الشافعية، وابن حامِد من الحنابلة، ونصَّ الشافعي في "الأم" على استثناء ذوات الهيئات. ونصه: وأنا أَحِبُّ شهودَ العجائزِ وغيرِ ذوات الهيئات للصلاة، وأنا لشُهودِهِنَّ الأعياد أشدُّ استحبابًا. وفي رواية المُزَني بإسقاط الواو من:"غير ذوات الهيئات"، فتكلون صفة للعجائز، ويكون الحكم مقصورًا عليهن دون الشوابِّ.
وقد قال النووي في "شرح المهذَّب" يكره للشابّة ومن تُشْتَهى الحضور خوف الفتنة عليهن، وبهنَّ.
قال في "الفتح": والأولى أن يُخَصَّ خروجُهن بمن يُؤمن عليها وبها الفتنة، ولا يَتَرَتَّب على حضورها محظورٌ، ولا تُزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع.
وقال العَيْني: مذهب أصحابنا ما ذكره في "البدائع": أجمعوا على أنه لا يُرَخص للشابّة في الخروج إلى العيدين والجمعة وشيء من الصلوات، لقوله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، ولأن خروجَهن سببٌ للفِتنة. وأما العجائز فيُرَخَّص لهُنَّ في الخروج للعيدين، ولا خلاف أن الأفضل أن لا يخرُجْن في صلاة ما، فهذا خرجْن يُصلّين صلاة العيد. في رواية الحسن عن أبي حنيفة، وفي رواية أبي يوسُف عنه: لا يصلّين، بل يكثِّرْنَ سواد المسلمين، وينتَفِعْنَ بدعائهم.
وفي التِّرمذي: روُي عن ابن المبارك: أكره اليوم خروجَهن في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرُجَ فلْتخْرجُ في أطمارِها بغير زينةٍ، فإن أبت ذلك فللزَّوْج أن يمنَعَها.
ويُروى عن الثوري أنه كره اليومَ خروجَهن.
قال العيني: الفتوى اليوم على المنع مطلقًا، ولاسيما نساء مصر.
وقد ادّعى بعضُهم نسخ هذا الحديث، قال الطحاوي: أمرُهُ عليه الصلاة والسلام بخروج الحُيَّض وذواتِ الخدور إلى العيد، يُحتمل أن يكون في أول الإِسلام، والمسلمون قليَلٌ، فأُريد التكثيرُ بحضورِهِنَّ، إرهابًا للعدوِّ، وأما اليوم فلا يُحتاج إلى ذلك.
وتُعُقِّب بأن النسخ لا يثبُت بالاحتمال. وبأن حديث ابن عباس بأنه قد شهِدَه وهو صغير، وكان ذلك بعد فح مكة، يرُدُّ كونَه في أول الإِسلام. وبأنه صرَّح في حديث أُم عطية بعلَّة الحكم، وهو شهودُهُنَّ الخير ودعوةَ المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطُهرته. وبأن أُم عطية أفتت به بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة كما في هذا الحديث، ولم يثبُت عن أحدٍ من الصحابة مخالفتُها في ذلك.
وما مرّ عن عائشة لا يدُلُّ على النسخ، بل يدُلُّ صريحًا على عدمه، ولكنها هي قالت ما قالت لما رأت من الفجور الموجب لتغير الأحكام كما قال عمر بن عبد العزيز: تحدثُ للنّاسِ أقضيةٌ، بقَدْرِ ما أحدثوا من الفجور.
وقوله: "إرهابًا للعدو" فيه نظر، فإن الاستنصار بالنساء والتكثُّر بهنَّ في الحرب دالٌّ على الضعف.
واستدل بعضُهم بالحديث على وجوب صلاة العيد، وفيه نظرٌ؛ لأن من جملة من أُمر بذلك مَن ليس بمكلِّف، فظهر أنَّ القصدَ منه إظهار شعائر الإِسلام بالمبالغة في الاجتماع، ولتَعُمَّ الجميع البركة.
وفيه من الفوائد غير ما مرَّ: جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت