الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، وأن لا تكون ضرورة، فإن كان لتعليم، كصلاته عليه الصلاة والسلام على المنبر، أو لم يدخل على ذلك بأن كان ابتدأ الصلاة وحده على مكان مرتفع، فجاء من صلى أسفل منه، أو دخل عليه لضرورة كضيق ونحوه، جاز.
وفي الحديث أن العمل اليسير غير مبطل للصلاة. قال الخطابيّ: وكان المنبر ثلاث مراقٍ، فلعله إنما قام على الثانية منها، فليس في نزوله وصعوده إلَّا خطوتان. وفيه جواز الصلاة على الخشب، وكرهه الحسن وابن سيرين، كما رواه ابن أبي شيبة عنهما، وأخرج أيضًا عن ابن مسعود وابن عمر نحوه، وعن مسروق "أنه كان يحمل لبنة ليسجد عليها إذا ركب السفينة" وعن ابن سيرين نحوه. والقول بالجواز هو المعتمد.
رجاله أربعة:
الأول: علي بن عبد الله المَدينيّ، وقد مرّ في الرابع عشر من كتاب العلم.
والثاني: سفيان بن عيينة، وقد مرّ في الأول من بدء الوحي، ومرّ أبو حازم وسهل بن سعد في الثامن والمئة من كتاب الوضوء.
وفي المتن عمله فلان مولى فلانة، قال ابن حجر: اختلفوا في اسم فلان الذي هو نجّار منبره صلى الله عليه وسلم، فقيل: قُبيصة المخزوميّ، وقيل: صلاح غلام العباس بن عبد المطلب، وقيل ابن شكوال، وقيل مينا، وقيل إبراهيم، وقيل باقوم، بالميم في آخره، وقيل: رومي غلامٌ لسعيد بن العاص، مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ورُوي عن عباس بن سهل عن أبيه قال: كان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون، فذكر قصة المنبر، وقيل غلام لسعد بن عبادة.
وفلانة، قال ابن حجر: لم يعرف اسمها، ولكنها أنصارية، وقيل اسمها عَلاثة، وقيل اسمها عائشة الأنصارية.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار بصيغة الجمع
أيضًا في موضع، وفيه السؤال، ورواته ما بين بصريّ ومكيّ ومدنيّ. أخرجه البخاريّ هنا وفي الصلاة عن قتيبة، ومسلم وأبو داود والنَّسائيّ في الصلاة، ابن ماجه أيضًا فيها.
ثم قال البخاريّ: قال أبو عبد الله: قال علي بن المدينيّ: سألني أحمد بن حنبل رحمه الله عن هذا الحديث قال: فإنما أردت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس، فلا بأس أن يكون الإِمام أعلى من الناس بهذا الحديث. قال: فقلت: إن سفيان بن عُيينة كان يُسأل عن هذا كثيرًا، فلم تسمعه منه؟ قال: لا. قوله: قال فإنما، في رواية "فقال" ولابن عساكر "وإنما" وقوله: فقلتُ أي قال علي بن المديني: فقلت لابن حنبل. وفي رواية "قلت"، وقوله كان يُسأل بالبناء للمفعول، وقوله: قال لا في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من سفيان بن عُيينة، والمراد أنه لم يسمع منه جميعه لا بعضه؛ لأنه قد أخرج في مسنده عن ابن عُيينة بهذا الإسناد من هذا الحديث قول سهل "كان المنبر من أَثْل الغابة فقط" والغرض من هنا وهو صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر داخل في ذلك لبعض، فلذلك سأل عنه عَليّ بن المدينيّ، وقد صرح البخاريّ في حكايته عن شيخه علي بن المديني عن أحمد بن حَنبل جواز اختلاف موقف الإِمام والمأموم في العلو والسفل.
وقد قال ابن دقيق العيد: في ذلك بحث، فإنه قال من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم؛ لأن اللفظ لا يتناوله، ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره، فلابد منه. وأبو عبد الله المراد به البخاريّ، وعلي بن عبد الله مرّ في الحديث الرابع عشر من كتاب العلم، ومرّ سفيان بن عيينة في الأول من بدء الوحي.
والإمام أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن هلال بن أسد الشّيبانيّ، أبو عبد الله المروزيّ ثم البغداديّ، خرجت به أُمُّه من مرو وهي حامل فولدته ببغداد، وبها طلب العلم، ثم طاف البلاد. قال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أزهد ولا أورع من أحمد بن حنبل. وقال يحيى بن
مُعين: لو جلسنا مجلسًا بالثناء ما ذكرنا فضائله بكمالها. وقال أيضًا: ما رأيت خيرًا من أحمد ما افتخر علينا بالعربية قط. وقال عارم: قلت له يومًا: يا أبا عبد الله، بلغني أنك من العرب فقال: يا أبا النعمان نحن قوم مساكين. وقال وكيع وحفص بن غياث: ما قدم الكوفة مثل ذلك الفتى؛ يعنيان أحمد.
وقال القطّان: ما قدم عليّ مثل أحمد، وقال فيه مرة حبر من أحبار هذه الأمة. وقال أحمد بن سنان: ما رأيت يزيد بن هارون لأحد أشد تعظيمًا منه لأحمد بن حنبل. وقال عبد الرزاق: ما رأيت أفقه منه ولا أورع. وقال أبو عاصم: ما جاءنا من ثَمَّةَ أحد غيره يحسن الفقه. وقال يحيى بن آدم: أحمد إمامنا. وقال عبد الله الخُريبيّ: كان أفضل زمانه، وقال أبو الوليد: ما بالمصرين أحب إليّ منه، ولا أرفع قدرًا في نفسي منه. وقال العباس: العَنْبَريّ حجة.
وقال ابن المدينيّ: ليس في أصحابنا أحفظ منه. وقال قُتيبة: أحمد إمام الدنيا. وقال أبو عُبيد: لست أعلم في الإِسلام مثله. وقال العجليّ: ثقة ثبت في الحديث، نزه النفس، فقيه في الحديث، متبع الآثار صاحب سنة وخير. وقال أبو ثور: أحمد إمامنا وشيخنا. وقال العباس بن الوليد: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحدًا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها؟ قال: لا إلا شاب في ناحية المشرق، يعني أحمد. وقال بشر بن الحارث: أدخل الكبير فخرج ذهبًا أحمر، وقال حجاج بن الشاعر: ما رأت عيناي روحًا في جسد أفضل من أحمد بن حنبل. وقال أحمد الدورقيّ: من سمعتموه يذكر أحمد بسوء، فاتهموه على الإِسلام. وقال أبو زرعة الرازيّ: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك؟ قال: أخذت عليه الأبواب.
وقال نوح بن حبيب: رأيت أحمد في مسجد الخِيف مستندًا إلى المنارة، فجاءه أصحاب الحديث، فجعل يعلمهم الفقه والحديث، ويفتي الناس. وقال عبد الله: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة. وقال هلال بن العلاء: مَنّ الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: بالشافعي تفقه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأحمد ثبت في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس، وبيحيى بن معين،
نفى الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبأبي عُبَيد فسَّر الغَريب.
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: هو إمام وحجة. وقال النَّسائيّ: الثقة المأمون أحد الأئمة. وقال ابن ماكولاء: كان أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين. وقال الخليليّ: كان أفقه أقرانه وأروعهم، وأكفهم عن الكلام في المحدثين إلَّا في الاضطرار، وقد كان أمسك عن الرواية من وقت الامتحان، فما كان يروي إلَّا لبنيه في بيته. وقال ابن حبّان في الثقات: كان حافظًا متقنًا فقيهًا ملازمًا للورع الخفي، مواظبًا على العبادة الدائمة، أغاث الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وذاك أنه ثبت في المحنة، وبذل نفسه لله حتى ضرب بالسياط للقتل، فعصمه الله تعالى عن الكفر، وجعله علمًا يقتدى به، وملجأً يُلجأ إليه.
وقال سفيان بن حرب لرجل سأله عن مسألة: سل عنها أحمد فإنه إمام. وقال محمد بن إبراهيم البوشنجيّ: ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد، ولا أعقل، وهو عندي أفضل وأفقه من الثوري. وقال ابن سعد: ثقة ثبت صدوق كثير الحديث، وقال أبو الحسن ابن الزاغوني: كُشف قبر أحمد حين دفن الشريف أبو جعفر بن أبي موسى إلى جانبه، فوجد كفنه صحيحًا لم يبل، وجنبه لم يتغير، وذلك بعد موته بمئتين وثلاثين سنة. وقال إبراهيم الحريّ: رأيت بشر بن الحارث الحافي في المنام كأنه خارج من باب مسجد الرصافة، وفي كُمه شيء يتحرك، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأكرمني، فقلت: ما هذا الذي في كمك؟ قال: قدم علينا البارحة روح أحمد بن حنبل فنُثر عليه الدر والياقوت، فهذا مما التقطتُّ. قلت: فما فعل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل؟ قال: تركتهما وقد زارا رب العالمين، ووضعت لهما الموائد. قلت: فلِمَ لمْ تأكل أنت معهما؟ قال: قد عرف هو أن الطعام صَبّنٌ عليّ، فأباحني النظر إلى وجهه الكريم.
روى عن الشافعي رحمه الله، وكان من خواصّه، وعن بشر بن المفضل، واسماعيل بن علية، وسفيان بن عُيينة، وأبي داود الطَّيالسيّ، ويحيى القطّان،
وغندر، وخلق. وروى عنه البخاريّ ومسلم وأبو داود، والباقون مع البخاريّ بواسطة، وابن مهدي والشافعي وأبو الوليد وعبد الرزاق ووكيع ويحيى بن آدم ويزيد بن هارون، وهم من شيوخه، وكثير من أقرانه، وابناه صالح وعبد الله، وتلامذته أبو بكر الأثرم وحرب الكرمانيّ. رُوي أنه قال: حججت خمس حجج، منها ثلاث حجج راجلًا، أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهمًا، وفي تلك السنة مات فضيل، ورأيت بن وهب ولم أكتب عنه.
ولد سنة أربع وستين ومئة في أولها، في ربيع الأول. وقال: سمعت من عليّ بن هاشم بن البريد سنة تسع وسبعين ومئة وهي أول سنة طلبت، وفيها مات مالك، مات ضحوة نهار الجمعة، لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وقيل لثلاث عشرة بقيت من الشهر المذكور، سنة إحدى وأربعين ومئتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب، وقبره مشهور بها يزار، ومرّ زمن حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمان مئة ألف، ومن النساء فكانوا ستين ألفًا وقيل: إنه أسلم يوم مات عشرون ألفًا من النصارى واليهود والمجوس. وقال عبد الله: كان أبي يقول لأهل البِدَع: بيننا وبينكم الجنائز. وليس في الستة أحمد بن حنبل سواه، وأما أحمد بن محمد فكثير. والشيباني في نسبه نسبة إلى شيبان بن ذُهل بن ثعلبة بن عُكابة بن صَعْب بن عليّ بن بكر بن وائل، وقيل إنه من بني مازن بن ذُهل بن شيبان. وذهل بن ثعلبة المذكور هو عم ذهل بن شيبان، فليُعْلم ذلك. قاله ابن خلكان.