الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه لم ينقل أنه نبّىء في زمن نوح غيره. قلت: ويرده أيضًا لحديث الصحيح المار "أنت أول رسول" إذ لو كان معه رسول لم يكن أول.
ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا عليه الصلاة والسلام في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بَلَغَ بقية الناس، فتمادوا على الشرك، فاستحقوا العقاب، وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته، قال ابن عطية: قلت: ومعناه الإِرسال إلى غير قومه المنفي لقوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عامًا في حق بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع شريعته ليس عامًا؛ لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازمًا لهم لم يقاتلهم، وغفل الداودي غفلة عظيمة فقال: قوله "لم يُعْطهن أحد" يعني لم يجمع لأحد قبله؛ لأن نوحًا بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يعط أحد واحدةً منهن، وكأنه نظر في أول الحديث، وغفل. عن آخره؛ لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضًا، لقوله "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة".
وفي رواية مسلم "وكان كل نبي
…
الخ" وظاهر الرواية السابقة عند مسلم "أرسلت إلى الخلق كافة" تؤيد قول من ذهب إلى إرساله عليه الصلاة والسلام إلى الملائكة، كآية الفرقان {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} والصحيح أنه لم يبعث لهم؛ لأنهم نشأوا على التوحيد والعبادة جِبِلَّةً. ومن قال إنه بعث إليهم، قال إنه بعث إليهم ليعلمهم أدب العبودية بحضرة الرب.
رجاله ستة:
الأول: محمد بن سنان، وقد مرَّ في الأول من كتاب العلم.
والثاني: هُشيم (بالتصغير) بن بَشير، مكبر، ابن القاسم بن دينار السلميّ أبو معاوية بن أبي خازم الواسطيّ. قيل: إنه بخاريّ الأصل، قال يزيد بن
هارون: ما رأيت أحفظ من هشيم إلا الثَّوريّ. وقال عثمان بن أبي شيبة: ما رأيت يزيد يثني على أحد ما يثني على هُشيم: وقال إبراهيم الحربيّ: كان حفاظ الحديث أربعةٌ هشيم شيخهم يحفظ هذه الأحاديث المقاطيع حفظًا عجيبًا، وقال محمد بن حاتم المؤدب: قيل لهشيم: كم تحفظ؟ قال: كنت أحفظ في اليوم مئة، ولو سئلت عنها بعد شهر لأجبت. وقال علي بن معبد الرقّيّ: جاء رجل من أهل العراق إلى مالك، فذاكره في حديث فقال له: وهل بالعراق أحد يحسن الحديث إلا ذلك الواسطيّ، يعني هشيمًا. وقال حماد بن زيد: ما رأيت في المحدثين أنبل من هُشيم.
وقال إسحاق الزياديّ: اسمعوا من هشيم، فنعم الرجل هشيم. وقال نَصْر بن بسّام: رأيت معروفًا الكرخيّ، فسمعته يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم وهشيم بين يديه، وهو يقول: جزاك الله تعالى عن أمتي خيرًا. وقال أبو حاتم: لا يسأل عن هشيم في صلاحه وصدقه وأمانته. وقال أحمد: كان هشيم كثير التسبيح، ولازمته أربعًا أو خمسًا ما سألته عن شيء هيبة له، إلاّ مرتين. وقال الحسين بن الحسين الروميّ: ما رأيت أكثر ذكرًا لله عز وجل من هشيم. وقال ابن المبارك: من غير الدهر حفظه فلم يغبر حفظ هشيم. وقال ابن مهديّ: هشيم أحفظ للحديث من الثوريّ. قال: وسمعت وكيعًا يقول: نحّوا عني هُشيمًا في المذاكرة، وهاتوا من شئتم. وقال أيضًا حِفْظ هشيم أثبت عندي من حفظ أبي عُوانة، وكتاب أبي عُوانة أثبت من حفظ هشيم. وقال عمار. إذا اختلف أبو عوانة وهشيم فالقول قول هشيم، لم يعد عليه خطأ.
وقال الحارث بن شريح البقّال: سمعت يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي يقولان: هشيم في حصين أثبت من سفيان وشعبة. وفي رواية عن ابن مهدي: أثبت منهما إلاّ أن يجتمعا. وقال أحمد: ليس أحد أصح حديثًا عن حصين من هشيم. وقال علي بن حَجَر: هشيم في ابني بشر مثل ابن عُيينة في الزُّهريّ. وقال عمرو بن عون: هشيم سمعت من الزُّهريّ نحوًا من مئة حديث، فلم أكتبها. وقال الهرويّ: كتب هشيم عن الزُّهري صحيفة بمكة، فجاءت
الريح فحملت الصحيفة، فطرحتها فلم يجدها، وحفظ هشيم منها تسعة، وقيل إن ذكر شعبة بحديث الزُّهريّ، ولم يكن شعبة كتب عن الزهريّ، فأخذ شعبة الصحيفة وألقاها في دجلة، فكان هشيم يروي عن الزُّهريّ من حفظه، وكان يدلس. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان مدلسًا. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، ثبتًا يدلس كثيرًا، فما قال فيه: حدثنا، فهو حجة، وما لم يقل فليس بشيء. وقال عبد الرزاق عن ابن المبارك: قلت لهشيم: لِمَ تدلس وأنت كثير الحديث؟ فقال: كبيران قد دلّسا: الأعمش وسفيان. وذكر الحاكم أن أصحاب هشيم اتفقوا على أن لا يأخذوا عنه تدليسًا. ففطن لذلك فجعل يقول في كل حديث يذكره: حدثنا حصين ومغيرة، فلما فرغ قال: هل دلست لكم؟ قالوا: لا. قال: لم أسمع من المغيرة مما ذكرت لكم حرفًا واحدًا، إنما قلت حدثني حصين، وهو مسموع لي، وأما المغيرة فغير مسموع لي. وقال الخليليّ: حافظ متقن، تغير بآخر مدته، روى عن أبيه وخاله القاسم بن مِهران وعمرو بن دينار وعاصم الأحول وحميد الطويل، وسيار أبي الحكم، وخالد الحذاء والأعمش وخلق كثير. وروى عنه مالك بن أنس وشُعبة والثّوريّ، وهم أكبر منه، وابنه سعيد، وابن المبارك ووكيع ويزيد بن هارون، وخلق كثير. مات في شعبان سنة ثلاث وثمانين ومئة.
الثالث سعيد بن النضر البغداديّ أبو عثمان، سكن وآمُل جَيْحون، روى عن هشيم وعثمان بن عبد الرحمن الوقاص وغيرهما. وروى عنه البخاري والفضل بن أحمد بن سمهل الآمُليّ، ذكره ابن حِبّان في الثقات. مات سنة أربع وثلاثين ومئتين.
الرابع سيّار بن أبي سيار، أبو الحكم العَنَزيّ الواسطيّ، ويقال البصريّ، واسم أبي سيار وَرْدان، وقيل: وَرْد، وقيل: دينار. روى عن ثابت البنانيّ وبكر بن عبد الله المُزَنيّ وأبي وائل، ويزيد الفقير والشعبيّ وغيرهم. وروى عنه إسماعيل بن أبي خالد وشعبة والثَّوْريّ وقُرّة بن خالد وهُشيم وخلف بن خليفة وغيرهم. قال أحمد: صدوق ثقة ثبت في كل المشائخ. وقال ابن معين