المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٦

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الجنب يتوضأ ثم ينام

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة

- ‌باب إذا التقى الختانان

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل ما يصيب من رطوبة فرج المرأة

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله أربعة عشر

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الحيض

- ‌باب كيف كان بَدْءُ الحيض

- ‌باب الأمر بالنفساء إذا نفسن

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قراءة القرآن في حجر امرأته وهي حائض

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من سمى النفاس حيضًا

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مباشرة الحائض

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ترك الحائض الصوم

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الاستحاضة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل دم المحيض

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاعتكاف للمستحاضة

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فِرْصَةً مُمَسَّكة فَتَتَبَّع بها أثر الدم

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المحيض

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مخلقة وغير مخلقة

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب: إقبال المحيض وإدباره

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب: لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب: النوم مع الحائض وهي في ثيابها

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب: من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا حاضتْ في شهر ثلاث حِيض وما يُصَدَّقُ النساء في الحيض والحمل فيما يُمكن من الحيض لقول الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عِرق الاستحاضة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المرأة تحيض بعد الإِفاضة

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا رأت المستحاضة الطهر

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصلاة على النفساء وسنتها

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌كتاب التيمم

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا لم يجد ماء ولا ترابًا

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المتيمم هل ينفخ فيهما

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التيمم للوجه والكفين

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله سبعة:

- ‌‌‌لطائف إسناده:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه عن الماء

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب التيمم ضربة

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله ستة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب وجوب الصلاة في الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب عقد الأُزر على القفا في الصلاة

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا كان الثوب ضيقًا أي كيف يفعل المصلي

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف اسناده:

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصلاة في الجبة الشامية

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كراهية التعري في الصلاة

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما يستر من العورة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة بغير رداء

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب ما يذكر في الفخد

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب في كم تصلي المرأة من الثياب

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذ صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إن صلّى في ثوب مصلَّب أو تصاوير، هل تفسد صلاته؟ وما ينهى من ذلك

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في الثوب الأحمر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أصاب ثوب المصلّي امرأته إذا سجد

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة على الحصير

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة على الخمرة

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌باب الصلاة على الفراش

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب السجود على الثوب في شدة الحر

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في النعال

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في الخفاف

- ‌الحديثُ التاسع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا لم يتم السجود

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ ويُجَافي في السجود

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء

أركان الإِسلام، ولما كان ستر العورة لا يختص بالصلاة بدأ به لعمومه، ثم ثنى بالاستقبال للزومه في الفريضة والنافلة، إلَّا ما استثنى كشدة الخوف ونافلة السفر. ولما كان الاستقبال يستدعي مكاناً ذكر المساجد. ومن توابع الاستقبال سترة المصلي، فذكرها ثم ذكر الشرط الباقي، وهو دخول الوفت، وهو خاص بالفريضة.

ولما كان الوقت يشرع الإعلام به، ذكر الأذان. وفيه إشارة إلى أن الأذان حق الوقت، ولما كان الأذان إعلامًا بالاجتماع إلى الصلاة، ذكر الجماعة، ولما كان أقلها إمام ومأموم ذكر الإمامة، ولما انفضت الشروط وتوايعها ذكر صفة الصلاة. ولما كانت الفرائض في الجماعة قد تختص بهيئة مخصوصة ذكر الجمعة والخوف، وقدم الجمعة لأكثريتها، ثم تلا ذلك بما تشرع فيه الجماعة من النوافل، فذكر العيدين والوتر والاستسقاء، والكسوف، وأخره لاختصاصه بهيئة مخصوصة، وهي زيادة الركوع، ثم تلاه بما فيه زيادة سجود، فذكر سجود التلاوة، لأنه قد يقع في الصلاة. وكان إذا وقع اشتملت الصلاة على زيادة مخصوصة، فتلاه بما يقع فيه نقص من عددها، وهو قصر الصلاة. ولما انقضى ما تشرع فيه الجماعة ذكر ما لا تستحب فيه، وهو سائر التطوعات.

ثم للصلاة بعد الشروع فيها شروط ثلاثة، وهي: ترك الكلام، وترك الأفعال الزائدة، وترك المفطر، فترجم لذلك. ثم بطلانها يختص بما وقع من ذلك على وجه العمد، فاقتضى ذلك ذكر أحكام السهو، ثم جميع ما تقدم متعلقٌ بالصلاة ذات الركوع والسجود، فعقب ذلك بصلاة لا ركوع فيها ولا سجود، وهي الجنازة، وهي آخر كتاب الصلاة. ثم قال المصنف:

‌باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء

وللكشميهني والمستملي: كيف فرضت الصلوات في الإسراء، أي في ليلة الإسراء، وهذا مصير من المصنف إلى أن المعراج كان في ليلة الإسراء، لأنه قال: كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء. والصلاة إنما فرضت في المعراج، فدل

ص: 288

على اتحادهما عنده. وإنما أفرد كلًا منهما بترجمة عند ذكر الحديث في السيرة النبوية قُبيل الهجرة بقليل؛ لأنّ كلًا منهما يشتمل على قصة مفردة، وإن كانا وقعا معاً في ليلة واحدة.

وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة، فمنهم من ذهب إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة، في اليقظة، بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، بعد المبعث. وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عنه، إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل، ومما يؤيد وقوعهما في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم، ففي أوله "أتيتُ بالبراق، فركبتُ حتى أتيت بيت المقدس

" فذكر القصة إلى أن قال: "ثم عُرج بنا إلى السماء الدنيا" وعند ابن إسحاق عن أبي سجد الخدريّ "فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج

الخ".

ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أُسْريَ به، فذكر الحديث، فهو وإن لم يذكر فيه الإسراء إلى بيت المقدس صريحًا، فقد أشار إليه بالركوب على البُراق، ووصف سيره فهو المعتمد، وعلى هذا المعتمد. فالحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس ثم العُروج منه إلى السماء هي ما قد روى كعب الأحبار: أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة، يقابل بيت المقدس، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العُروج ليحصل العروج مستويًا من غير تعويج. وفيه نظر، لوررد أن في كل سماء بيتًا معمورًا، وأن الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة، وكان المناسب أن يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور من غير تعويج، لأنه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور.

وقيل: الحكمة في ذلك أن يجمع صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين، أو لأنّ بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله، فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشتات الفضائل، أو لأنه محل الحشر، وغالب ما اتفق له

ص: 289

في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية، فكان المعراج أليق بذلك، أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسًا ومعنى، أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما يأتي بيانه. وقيل: إنه لما قُدّس ظاهرًا وباطنًا حين غسل بماء زمزم بالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الظهور -ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة، وليظهر شرفه في الملأ الأعلى، ويصلي بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة، وليناجي ربه، ومن ثَمَّ كان المصلي يناجي ربه عز وجل.

وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق، لمعاندة من يريد اخماده؛ لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلًا إلى البيان والإيضاح. فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس، سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس، كانوا رأوها وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن، وفي شقاء الجاحد والمعاند.

وقيل: الحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء أنه عليه الصلاة والسلام لما عُرج له رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد بشرائطها، من الطمأنينة والإخلاص. قاله ابن أبي جمرة أيضًا، وقال: وفي اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء، إشارة إلى عظيم بيانها، ولذلك اختص فرضها بكونها بمير واسطة، بل بمراجعة. تعددت على ما يأتي بيانه.

القول الثاني: إن ذلك كله وقع مرتين، مرة في المتام توطئة وتمهيدًا، ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء المَلَك بالوحي، وإلى هذا ذهب المهلب وأبو نصر بن القُشَيريّ وأبو سعيد في شرف المصطفى، وحكاه السُّهيليّ عن ابن العربىّ، واختاره. وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة

ص: 290

المنام وقعت قبل المبعث، لقول شريك في روايته عن أنس "وذلك قبل أن يوحى إليه". وعلى ظاهر رواية شريك هذه من كون المعراج وقع منامًا، ينتظم من ذلك أن الإِسراء وقع مرتين، مرة على انفراده، ومرة مضمومًا إليه المعراج. وكلاهما في اليقظة، والمعراج وقع مرتين: مرة في المنام، على انفراده توطئة وتمهيدًا، ومرة في اليقظة مضمومًا إليه الإِسراء.

الثالث: كانت قصة الإسراء في ليلة، والمعراج في ليلة، متمسكًا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الإسراء، وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة، ولكن ذلك لا يستلزم التعدد، بل هو محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر.

واحتج أيضًا من زعم أن الإِسراء وقع مفردًا بما أخرجه البزّار والطبرانيّ، وصححه البيهقيّ في الدلائل عن شدّاد بن أوس قال: قلنا يا رسول الله، كيف أُسري بك؟ قال: "صليت صلاة العتمة بمكة، فأتاني جبريل بدابة

فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس، وما وقع له فيه. قال: ثم انصرف بي فمررنا بعِيْرٍ لقريش في مكان كذا، فذكره قال: ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة.

الرابع: كان الإسراء إلى بيت المقدس خاصة في اليقظة، وكان المعراج منامًا، إما في تلك الليلة أو في غيرها، والذي ينبغي أن الاختلاف في كونه يقظة أو منامًا خاص بالمعراج لا بالإسراء، ولذلك، لما أخبر به قريشًا، كذبوه في الإِسراء، واستبعدوا وقوعه، ولم يتعرضوا للمعراج. وأيضًا فإن الله تعالى قال:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر، فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كون شأنه أعجب، وأمره أغرب من الإسراء بكثير دلّ على أنه كان منامًا، وأما الإسراء فلو كان منامًا لما كذبوه، ولا استنكروه، لجواز وقوع مثل ذلك، وأبعد منه لآحاد الناس.

الخامس: كان الإسراء مرتين في اليقظة، فالأُولى رجع من بيت المقدس

ص: 291

وفي صبيحته أخبر قريشًا بما وقع، وفي الثانية أُسريَ به إلى بيت المقدس، ثم عُرج به من ليلته إلى السماء، إلى آخر ما وقع. ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض، لأنّ ذلك عندهم من جنس قوله "إن المَلَكَ يأتيه من السماء في أسرع من طَرْفة عين" وكانوا يعتقدون استحالة ذلك، مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة، لكونهم عاندوا في ذلك، واستمروا على تكذيبه فيه، بخلاف إخباره أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع، فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه، فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به، وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك، فامكنهم استعلام صِدْقه في ذلك، بخلاف المعراج.

السادس: جنح الإِمام أبو شامة إلى وقوع المعراج مرارًا، واستند إلى ما أخرجه البَزّار وسعيد بن منصور عن أبي عمران الجونيّ عن أنس، مرفوعًا، قال: "بينا أنا جالس إذ جاء جبريل، فوكز بين كتفيَّ، فقمنا إلى شجرة فيها مثل وَكْري الطائر، فقعدت في أحدهما. وقعد جبريل في الآخر، فارتفعت حتى سدت الخافقين، وأنا أقلب طرفي، ولو شئت أن أمس السماء لمسستُ، فالتفتُّ إلى جبريل كأنه جلس لأجلي، وفتح لي بابًا من السماء، ورأيت النور الأعظم، وإذا دونه حجابٌ رفرف الدر والياقوت، فأوحى إلى عبده ما أوحى.

ورجاله لا بأس بهم، إلَّا أن الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله، وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر أنها وقعت بالمدينة، ولا بعد في وقوع أمثالها، وإنما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي، وسؤال أهل كل باب هل بعث إليه، وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك في اليقظة، لا يتجه، فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض، أو الترجيح. إلَّا أنه لا بُعد في وقوع جميع ذلك في المنام توطئة، ثم وقوعه في اليقظة على وفقه، كما مرَّ. ومن المستغرب قول ابن عبد البر في تفسيره: كان الإسراء في النوم واليقظة، ووقع بمكة والمدينة، فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم، ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب، فيحتمل. ويكون الإسراء الذي اتصل به المعراج، وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة، والآخر في

ص: 292

المنام بالمدينة. وينبغي أن يزاد فيه أن الإسراء في المنام تكرر في المدينة المنورة، كما في أحاديث الصحيح، كحديث سمرة الطويل الآتي في الجنائز، وحديث ابن عباس في رؤياه، وحديث ابن عمر في ذلك، وغير ذلك.

وبين قولهم كان الإسراء منامًا، وقولهم كان بروحه دون جسده فرقٌ، فإن الذي يراه النائم قد يكون حقيقة، بأن تصعد الروح مثلًا إلى السماء، وقد يكون من ضرب الأمثال أن يرى النائم ذلك، وروحه لم تصعد أصلًا، فيحتمل أن من قال: أُسري بروحه ولم يصعد جسده، أراد أن روحه عُرج بها حقيقة، فصعدت ثم رجعت، وجسده باقٍ في مكانه خرقاً للعادة، كما أنه في تلك الليلة شُقّ صدره والتأم، وهو حي يقظان لا يجد لذلك ألمًا

واختلف في وقت المعراج، فقيل: كان قبل المبعث، وهو شاذٌ، إلَّا ان حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما مرَّ، وذهب أكثر إلى أنه كان بعد المبعث، ثم اختلفوا؛ فقيل: قبل الهجرة بسنة، قاله ابن سعد، وبه جزم النوويُّ وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه، وهو مردود بما فيه من الخلاف الكثير، فحكى ابن الجوزيّ أنه كان قبلها بثمانية أشهر، وحكى ابن حزم مقتضاه، لأنه قال: كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوءة، وقيل: قبلها بستة أشهر، حكاه أبو الربيع بن سالم. وقيل: بأحد عشر شهرًا، جزم به إبراهيم الحربيّ، حيث قال: كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، ورجحه ابن المنير. وقيل: قبلها بسنة وشهرين، حكاه ابن عبد البر. وقيل: قبلها بسنة وثلاثة أشهر، حكاه ابن فارس. وقيل: بسنة وخمسة أشهر قاله السدّيّ. وأخرجه من طريق الطبريّ والبيهقيّ فعلى هذا كان في شوال وفي رمضاد على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول، وبه جزم الواقديّ، وعلى ظاهره ينطبق ما حكاه ابن قتيبة وابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرًا. وكذا قال ابن سعد إنة في رمضان قبلها بثمانية عشر شهرًا وما مرَّ عن ابن حزم من أنه كان في رجب، حكاه ابن عبد البر، وجزم به النّوويّ في الروضة. وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، حكاه ابن الأثير.

وحكى عياض، وتبعه القرطبيّ والنوويّ عن الزهريّ أنه كان قبلها بخمس

ص: 293

سنين، ورجحه عياض ومن تبعه، واحتج بأنه لا خلاف أن خديجة صلّت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة، إما بثلاث أو نحوها، وإما بخمسٍ، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. وفي جميع ما نفاه من الخلاف نظر، أما أولًا، فإن العسكريّ حكى أنها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين وقيل بأربع، وحكى العسكريّ عن الزهريّ أنها ماتت لسبع مضين من البعثة، وظاهره أن ذلك، قبل الهجرة بست سنين، وفرعه العسكري على قول من قال: إن المدة بين البعثة والهجرة كانت عشرًا، أو عن ابن الأعرابيّ أنها ماتت عام الهجرة.

وإمّا ثانيًا، فإنّ فرض الصلاة اختلف فيه، فقيل: كان من أول البعثة، وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وإنما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس. قلت: ويؤيد هذا ما مرَّ عن شداد بن أوس "صليت صلاة العتمة" فإنه يدل على أن الصلاة كانت قبل الإسراء، وإما ثالثًا، ففي حديث عائة الجزم بأن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلاة، فالمعتمد أن مراد من قال، بعد أن فرضت الصلاة، ما فرض قبل الصلوات الخمس، إن ثبت ذلك. ومراد عائشة بقولها: ماتت قبل أن تفرض الصلاة "أي الخمس" فيجمع بين القولين بذلك، ويلزم منه أنها ماتت قبل الإسراء.

والعروج إلى السماء. قيل: إنه كان على البراق كما كان الإسراء. وقيل: إنه لم يكن على البراق، بل رقى في المعراج، وهو السُّلّم، كما جاء مصرحاً به في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق والبيهقيّ في الدلائل، ولفظه "فإذا أنا بدابة كالبغل

الأذنين، يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته، فذكر الحديث. قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصليت ثم أُتيت بالمعراج. وفي رواية ابن إسحاق: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لما فرغت مما كان في بيت المقدس أُتي بالمعراج، فلم أرَ قطُّ شيئًا كان أحسن منه، وهو الذي يمد إليه الحيت عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء

الحديث" وفي رواية "فوضعت له مَرقاة من فضة، ومرقاة

ص: 294

من ذهب، حتى عرج هو وجبريل" وفي رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى أنه أُتي بالمعراج من جنة الفردوس، وأنه مُنَضَّد باللؤلؤ، وعن يمينه ملائكة، وعن يساره ملائكة.

ثم قال المصنف: وقال ابن عباس: حدثني أبو سفيان في حديث هرقل فقال: يأمرنا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والصدق والعفاف.

ومناسبة التعليق للترجمة هي أن فيه إشارة إلى أن الصلاة فرضت بمكة قبل الهجرة، لأنّ أبا سفيان لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، إلى الوقت الذي اجتمع فيه بهرقل لقاء يتهيأ له معه أن يكون آمرًا له بطريق الحقيقة، والإسراء كان قبل الهجرة بلا خلاف، وبيان الوقت، وان لم يكن من الكيفية حقيقة، لكنه من جملة مقدماته، كما وقع نظير ذلك في أول الكتاب في قوله "كيف كان بدء الوحي؟ " وساق فيه ما يتعلق بالمتعلق بذلك، فظهرت المناسبة.

وهذا التعليق قطعة من حديث طويل ذكره البخاريّ في أول الكتاب مسندًا، وعبد الله بن عباس مرَّ في الخامس من بدء الوحي، ومرَّ أبو سفيان وهرقل في السابعة منه.

ص: 295