الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يذكر في الفخد
أي في حكم الفخذ، وللكشميهني: من الفخذ، ثم قال: ويروى عن ابن عباس وجَرْهَد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم "الفخذ عَوْرة" ولفظ ابن جحش. قال: "مرّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر غطّ عليك فخذيك، فإن الفخذين عورة". ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد الله بن فضيلة العَدَويّ القرشيّ. وأَخرج ابن قانع حديثه هذا مسلسلًا بالمحمدين من ابتدائه إلى انتهائه.
الأول: تعليق ابن عباس، وقد أخرجه التِّرمذي موصولًا وقال: هذا حديث حسن غريب، والثاني عن جرهد، وقد أخرجه مالك في الموطأ، أي موطأ ابن بكير وابن وهب ومعن وعبد الله بن يوسف، وهو عند القعنبيّ في الزيادات عن مالك خارج الموطأ، ولم يذكره كثير من أصحاب الموطأ، وأخرجه ابن حبّان في صحيحه، والتِّرمذيّ مرتين، قال مرة: هذا حديث حسن ما أرى إسناده بمتصل، وقال مرة: هذا حديث حسن صحح. والثالث عن محمد بن جحش، وقد رواه الطبرانيّ وذكر البخاريّ في تاريخه، وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه.
ورجال التعاليق ثلاثة: الأول: عبد الله بن عباس، وقد مرّ في الخامس من بدء الوحي.
والثاني: جَرْهَد، بفتح الجيم والهاء بينهما راء سكنة وآخره قال مهملة، بن خويلد بن بُجْرَة بن عبد ياليل بن زرعة بن رَزاح بن عدِيّ بن سَهْم بن تميم بن مازن بن الحارث بن سَلَامان بن أسْلَم بن أقصى الأسلَميّ، يكنى أبا عبد الرحمن، كان من أهل الصفة، وكان شريفًا رويت عنه أحاديث منها حديثه المشهور في أن الفخذ عورة. قال ابن حبّان: عداده في أهل البصرة وقال غيره: في أهل المدينة، وهو الصحيح. ومن حديثه ما روي عنه "أنه أكل بيده الشمال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كل باليمين، فقال: إنها مصابة، فنفث عليها، فما شكى حتى مات". قال الواقديّ: كانت له دار بالمدينة، ومات بها سنة إحدى وستين، في آخر خلافة يزيد. وقال أبو عمر: جعل ابن أبي حاتم جرهد بن خويلد غير
جرهد بن رَزاح، ثم قال: هذا وهم، وهو رجل واحد مِن أسْلَم، لا تكاد تثبت له صحبة.
الثالث: محمد بن عبد الله بن جحش الأسديّ، يكنى أبا عبد الله، وهو ابن أخي زينب أم المؤمنين لأمه فاطمة بنت حبيش صحبة، وذكر الواقديّ أنه ولد قبل الهجرة بخمس سنين. قُتل أبوه بأُحُد، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، فاشترى له مالًا بخيبر، وأقطعه دارًا بالمدينة بسوق الرقيق. وأخرج البغويّ عن سعيد بن المسيَّب أن عمر كتب أبناء المهاجرين ممن شهد بدرًا في أربعة آلاف، منهم محمد بن عبد الله بن جحش. وقال ابن عبد البر: هاجر مع أبيه وعمَّيْه إلى أرض الحبشة، ثم هاجر من مكة إلى المدينة مع أبيه، له صحبة ورواية، روى عنه مولاه أبو كثير حديثًا حسنًا في أن "المؤمن لا يدخل الجنة وإن رزق الشهادة حتى يُقضى دينُه".
وأخرج الزبير بن بكّار من طريق أبي كثير، مولى محمد بن عبد الله بن جحش: سمعتُ محمد بن عبد الله بن جحش، وكانت له صحبة، فذكر الحديث في التشديد في الدَّين، وفي فضل الجهاد. وأخرجه أحمد وابن أبي خَيثمة والبغويّ وغيرهم. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمتيه حَسْنَة وزَينب، وعن عائشة، وروى عنه ابنه إبراهيم، ومولاه أبو كثير، والمعلّى بن عرفان ومحمد بن عبد الله كثير في الستة، وفي الصحابة محمد بن عبد الله سواه خمسة.
ثم ذكر البخاريّ فقال. وقال أنس: حَسَر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه. قوله؛ حَسَرَ، بمهملات مفتوحات، أي كشف، وهذا التعليق وصله البخاريّ، قريبًا، وأنس بن مالك قد مرّ في السادس من كتاب الإِيمان. ثم قال المصنف: وحديث أنس أَسْنَد، وحديث جرهد أَحْوَط حتى يخرج اختلافهم، يعني أن حديث أنس أصح إسنادًا، كأنه يقول: حديث جرهد، ولو قلنا بصحته، فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس، وحديث جرهد وما معه أحوط للدَّين، وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب أو الورع، وهو أظهر لقوله "حتى يَخْرُج من اختلافهم" ويخرج بفتح الياء وضم الراء، وروي بالعكس. وفي رواية بفتح
النون وضم الراء.
والجمهور من التابعين وأبو حنيفة، ومالك أصح أقواله، والشافعيّ، وأحمد في إحدى روايتيه، وأبو يوسف ومحمد على أن الفخذ عورة، وابن أبي ذيب وداود، وأحمد في إحدى روايتيه، والإصطخريّ من الشافعية، وابن حزم على أنه ليس بعورة. قال في المحلّى: لو كان عورة ما كشفها الله تعالى من رسوله المطهر المعصوم من الناس في حال النبوءة والرسالة، ولا رآها أنس وغيره. وعند المالكية قول بأن نظر الفخذ مكروه كراهة تنزيه فقط، وشهده في المدخل، وعندهم قول بالتفرقة كامل الصداقة، فيجوز كشف الفخذ بحضرته، وبين من هو دون ذلك فلا يجوز، أخذًا من حديث عائشة وحفصة الآتيتين. وقال الأوزاعيّ: الفخذ عورة إلَّا في الحمام. ثم قال المصنف: وقال أبو موسى: غَطّى النبي صلى الله عليه وسلم ركبتيه حين دخل عثمان. قوله: ركبتيه، بالتثنية، وفي رواية بالإفراد. وقوله: حين دخل عثمان رضي الله تعالى عنه، أدبًا معه واستحياء، ولهذا قال، كما في مسلم والبيهقيّ "ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟ " وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل مع كل واحد من أصحابه ما هو الغالب عليه، فلما كان الغالب على عثمان الحياء عامله بذلك جزاءًا وفاقًا، فكشف ركبته عليه الصلاة والسلام قبل دخول عثمان، وهذا جواب عن قول الكرمانيّ: الركبة لا تخلو إمّا أن تكون عَورة أم لا، فإن كانت عورة، فَلِمَ كشفها قبل دخول عثمان؟ وإن لم تكن، فَلِم غطاها عنه؟ والشق الثاني هو المختار، والجواب عن التغطية هو ما مرَّ.
ووجه مطابقة التعليق للترجمة، هو أن الركبة إذا كانت عورة، فالفخذ بالطريق الأُولى لأنه أقرب إلى الفرج الذي هو عورة إجماعًا، والتعليق المذكور طرف من حديث أبي موسى في قصة أوردها المصنف في المناقب، من رواية عاصم الأحول، وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه، أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاها، وزعم الداوديّ الشارحُ أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهْم، وأنه دخل لروايتها حديث في حديث،
مشيرًا بذلك إلى ما رواه مسلم عن عائشه، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له، هو على تلك الحالة، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوّى ثيابه. قال محمد، يعني ابن أبي حَرْملة: ولا أقول ذلك في يومٍ واحد فتحدث. فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تَهَشّ له، ثم دخل عمر فلم تَهَشّ له ولم تباله، فلما دخل عثمان جلست وسويت ثيابك، فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ وهو عند أحمد بلفظ "كاشفًا عن فخذه" من غير تردد.
وله من حديث حفصة مثله، وأخرجه الطحاويّ والبيهقيّ عن عبد الله بن مسعود المدنيّ قال: حدثتني حفصة بنت عمر قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي يومًا، وقد وضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر فاستأذن، فأذن له صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عمر بمثل هذه الصفة، ثم جاء أناس من أصحابه، والنبي صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عثمان فاستأذن عليه، فأذن له، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فجلله، فتحدثوا ثم خرجوا، فقلت: يا رسول الله، جاء أبو بكر وعمر وعليّ وأناس من أصحابك وأنت على هيئتك، فلما جاء عثمان جللت بثوبك، فقال: أو لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟
وهذا الذي قاله الداودي لا يلزم منه تغليط رواية عاصم، إذ لا مانع أن يتفق للنبي عليه الصلاة والسلام أن يغطي ذلك مرتين حين دخل عثمان، وأن يقع ذلك في موطنين، ولاسيما مع اختلاف مخرج الحديثين، وإنما يقال ما قاله الداوديّ، حيث تتفق المخارج، فيمكن أن يدخل حديث في حديث، لا مانع افتراق المخارج كما هنا، فلم يدخل على البخاريّ حديث في حديث، بل هما قصتان متغايرتان، في إحداهما كشف الركبة، وفي الأخرى كشف الفخذ، والأولى من رواية أبي موسى، وهي المعلقة هنا، والأخرى من رواية عائشة، ووافقتها حفصة، ولم يذكرهما البخايّ.
وأخرج مسلم عن عائشة وعثمان قريبًا من الحديثين السابقين، إلا أنه ليس
فيه التصريح بكشف الفخذين، وهو عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان، حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع على فراشه، لابسٌ مَرْط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر رضي الله تعالى عنه، فأذن له وهو على تلك الحالة، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس. وقال لعائشة: اجمعي ثيابك، فقُضيت إليّ حاجتي فانصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله، مالي لم أرك فَزِعت لأبي بكر وعمر، كلما فزعت لعثمان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ عثمان رجل حَيِيّ وإنّي خشيتُ إنْ أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إليّ في حاجته. وقد مر أبو موسى في الرابع من كتاب الإيمان.
ثم قال: وقال زيد بن ثابت: أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفخذه على فخذي فثقلت عليّ حتى خفتُ أن تُرَضَّ فخذي. وقوله: أنْ تُرَضَّ، أي تكسر، وهو بضم التاء وفتح الراء على صيغة المجهول، ويجوز العكس. واعترض الإسماعيليّ استدلال المصنف بهذا على أن الفخذ ليس بعورة؛ لأنه ليس فيه التصريح بعد الحائل. قال: ولا يظن ظانٌّ أن الأصل عدم الحائل؛ لأنّا نقول: العضو الذي يقع عليه الاعتماد يُخْبَر عنه بأنه معروف الموضع، بخلاف الثوب. قال في "الفتح": والظاهر أن المصنف تمسك بالأصل. قلت: ظاهره أن الأصل عدم الحائل، وهو غير ظاهر، بل الظاهر أن الأصل هو الحائل، فيكون القول ما قاله الإسماعيليّ. وهذا التعليق طرف من حديث وصله المصنف في تفسير سورة النساء، في قوله تعالى {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] وأخرجه أيضًا في الجهاد عن عبد العزيز بن عبد الله، والتِّرمذيّ في التفسير، وقال: حسن صحيح، والنَّسائيّ في الجهاد.
وزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاريّ الخزرجيّ، أبو سعيد، أو أبو ثابت، أو أبو عبد الرحمن، أبو خارجة بابنه خارجة، وأمه النَّوَار بنت مالك بن معاوية بن عديّ، استصغر يوم بدر، شهد أُحدًا وما بعدها من المشاهد. قيل: أول مشاهده
الخندق، وكان ينقل التراب يومئذ مع المسلمين، فقال رسول الله:"أَمَا إنّه نِعْمَ الغلامُ" ونعس يومئذ، فجاء عمارة بن حزم، فأخذ سلاحه وهو لا يشعر، فقال النبي: يا أبا رُقاد، ومن يومئذ نهى أن يُرَوَّع المؤمن، ولا يؤخذ متاعه جادًا ولا لاعبًا.
وكانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك مع عمارة بن حزم، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفعها إلى زيد بن ثابت، فقال عمارة: يا رسول الله، أبلغك عنّي شيء؟ قال: ولكن القرآن مقدم، وزيد أكثر منك أخذًا للقرآن. قال ابن عبد البر: وهذا عندي خبر لا يصح. وأما حديث أنس من أن زيد بن ثابت أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار فصحيح، وقد عارضه قوم بحديث ابن شهاب عن عبيد بن السبّاق عن زيد بن ثابت أن أبا بكر أمره في حين مقتل القُراء باليمامة بجمع القرآن، قال: فجعلت أجمع القرآن من العُسُب والرّقاع وصدور الرجال، حتى وجدت آخر آية من التوبة مع رجل يقال له خُزيمة أو أبو خزيمة. قالوا: لو كان زيد قد جمع القرآن على عهد رسول الله مَلاّه من حفظه، وما احتاج إلى ما ذكر.
قالوا: وأما خبر جمع عثمان للمصحف، فإنما جمعه من الصحف التي كانت عند حفصة من جمع أبي بكر. يقال: إنه كان في حين قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ابن إحدى عشر سنة، وكان يوم بُعاث ابن ست سنين، وفيها قتل أبوه، وكان هو الذي تولى قَسم الغنائم يوم اليرموك، وهو الذي جمع القرآن في عهد أبي بكر، ثبت ذلك في الصحيح. وقال له أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك. ولما اختلف الناس في القرآن زمن عثمان، واتفق رأيه ورأيُ الصحابة على أن يرد القرآن إلى حرف واحد، وقع اختياره على حرف زَيد، فأمره أن يُمْلِي المصحفَ على قوم من قريش، جمعهم إليه فكتبوه على ما هو عليه اليومَ بأيدي الناس، والأخبار في ذلك متواترة المعنى، وإن اختلفت ألفاظها.
وكانوا يقولون: غلب زيد بن ثابت الناسَ على اثنتين: القرآن والفرائض. وروى البغوي وأبو يَعلى موصولًا، عن زيد بن ثابت قال: أتى بي النبي صلى
الله عليه وسلم مَقْدَمه المدينة، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة، فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال: تعَلّم كتاب يهود، فإني ما آمنهم على كتابي، ففعلت، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له.
وروى من طريق ثابت بن عبيد أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إني أكتب إلى قوم، فأخاف أن يزيدوا عليّ أو ينقصوا، فتعلم السريانية، فتعلمتها في سبعة عشر يومًا. وكتب بعده لأبي بكر وعمر وكتب لهما مُعَيْقيب الدَّوسيّ معه أيضًا، واستخلف عمر بن الخطاب زيدًا على المدينة ثلاث مرات في حجتين، وفي خروجه إلى الشام، وكتب إليه من الشام إلى زيد بن ثابت، من عمر بن الخطاب، وروى البغوي بإسناد صحيح: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا سافر، فقلما رجع إلَّا أقطعه حديقة من نخْل. وقال نافع عن ابن عمر: كان يستخلف زيدًا إذا حج، وكان عثمان يستخلفه أيضًا إذا حج، ورُمي يوم اليمامة فلم يضره، وروي عن الشعبيّ بإسناد جيد قال: ذهب زيد بن ثابت ليركب، فأمسكَ ابن عباس بالركاب فقال: تنح يا ابن عم رسول الله، قال: هكذا نفعل بالعلماء والكبراء. وروى يعقوب من طريق ابن سيرين: حج بنا أبو الوليد، فدخل بنا على زيد بن ثابت فقال: هذا لام، وهذا لام، وهذا لام في أخطاء.
وقال ثابت بن عبيد: ما رأيت رجلًا أفكه في بيته ولا أوقر في مجلسه من زيد بن ثابت. وعن أنس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفرضكم زيدٌ. رواه أحمد بإسناد صحيح، وروى ابن سعد بإسناد صحيح قال: كان زيد بن ثابت أحد أصحاب الفتوى، وهم ستة: عمر وعليّ وابن مسعود وأبو موسى وزيد بن ثابت. ورُوي بسند فيه الواقديّ من طريق قبيصة قال: كان زيد رأسًا في المدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض. ومن طريق ابن عباس: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم. وقال مسروق: قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم.
وروي عن مالك بن أنس قال: كان إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب
زيدُ بن ثابت بالمدينة، وكان إمامَ الناس عندنا بعده عَبْدُ الله بن عمر. وروى عن يوسف بن سعد عن وهيب عبدٍ كانَ لزيد بن ثابت، وكان زيد على بيت المال في خلافة عثمان، فدخل عثمان، فأبصر وهيبًا يعينهم في بيت المال، فقال: من هذا؟ فقال زيد: مملوك لي. فقال عثمان: أراه يعينُ المسلمينَ وله حق، وإنّا نفرض له، نفرض لهُ ألفين، فقال زيد: والله لا تفرض لعبد ألفين، ففرض له ألفًا.
قال أبو عمر: كان عثمان يحب زيد بن ثابت، وكان زيد عثمانيًا، ولم يكن فيمن شهد شيئًا من مشاهد عليّ مع الأنصار، مع ذلك يفضل عليًا ويظهر حبه، وكان فقيهًا. وقال سعيد بن المسيب: شهدت جنازة زيد بن ثابت، فلما وُلَّي في قبره قال ابن عباس: من سرّه أن يعلم كيف ذهاب العلم، فهكذا ذهاب العلم، والله لقد دفن اليوم علم كثير. وقال أبو هريرة يوم مات زيد: مات اليوم حَبر الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس خَلَفًا. له اثنان وتسعون حديثًا اتفقا على خمسة، وانفرد البخاريّ بأربعة، ومسلم بواحد. روى عنه جماعة من الصحابة، منهم أبو هُريرة وأبو سعيد وابن عمر وأنس وسهل بن سعد، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وولداه خارجة وسليمان، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار وآخرون. مات سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين، وقيل سنة إحدى أو خمس وخمسين، وفي خمس وأربعين قول الأكثر، ولما مات رثاه حسان بقوله:
فمنْ للقوافي بعد حَسَّان وابنه
…
ومن للمعاني بعد زيد بن ثابت