الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِى سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا". فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
قوله: جاء رجل، قال في الفتح: لم أقف على اسمه، وفي الطبرانيّ أنه من أهل البادية، وقوله: فلم أُصِبْ الماء، بضم الهمزة، من الإصابة، أي لم أجده. وقوله: أما تذكر أنّا كنا في سفر، وزاد مسلم في سَرِية فأجنبنا، همزة أما للاستفهام، وكلمة ما للنفي، وموضعُ "أنّا كنا" نصب مفعول تذكر، وقوله: أنا وأنت تفسير لضمير الجمع في كنّا، وقوله: فاما أنت فلم تصلّ أي: إما لأنه كان يتوقع الوصول إلى الماء قبل خروج الوقت، أو لاعتقاده أن التيمم عن الحدث الأصغر لا الحدث الأكبر. وقوله: وأمّا أنا فتمعّكتُ: أي تمرغت في التراب. كما في الرواية الآتية "فتمرغتُ" أي تقلبتُ، وكأنَّ عمار استعمل في هذه المسألة القياس؛ لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء، وقع على هيأة الوضوء، رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيأة الغُسل.
وما ذكر عن عمر من عدم جواز التيمم للجنب مذهب مشهور عنه، ووافقه عليه ابن مسعود، وجرت بينه وبين أبي موسى مناظرة في ذلك، كما يأتي. وقيل إن ابن مسعود رجع عن ذلك، واستفيد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمنه صلى الله عليه وسلم، وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه، وإن لم يصب الحق.
أمر عمر أيضًا بقضائها دليل لمن قال إن فاقد الطهرين لا يصلي ولا يقضي، كما مرَّ عن مالك.
وقوله: إنما كان يكفيك هكذا، وللحموي والمستملي "هذا" وقوله: وضرب بكفيه الأرض، في رواية غير أبي ذَرٍّ "فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض" وللأصيلي "في الأرض". وقوله: ونفخ فيهما، وفي رواية حجاج الآتية "ثم أدناهما من فيه" وهو كناية عن النفخ فيهما، إشارة إلى أنه كان نفخًا خفيفًا ويأتي في رواية أبي معاوية "ثم نفضها" بدل نفخ فيهما، والمراد تخفيف التراب إذا كان كثيرًا، فعند المالكية يستحب النفض الخفيف، بحيث لا يزيل ما تعلق بهما من الغبار؛ لأنه يندب نقل الغبار إلى الوجه عندنا.
وقوله: ومسح بهما وجهه وكفيه، قال في الفتح: فيه دليل على أن الواجب في التيمم هو الصفة المشروحة، أي من كونه ضربة واحدة، ومن الاقتصار على الكفين. قال: والزيادة على ذلك، لو ثبتت بالأمر، دلت على النسخ ولزم قبولها، لكن إنما وردت بالفعل، فتحمل على الأكمل. وهذا هو الأظهر من حيث الدليل. وذهب مالك وأحمد إلى هذا، فلا يجب عندهما المسح إلى المرفقين، ولا الضربة الثانية. لكن عند المالكية يسن المسح إلى المرفقين، والضربة الثانية يمسح بها يديه فقط. ولا يقال يلزم على هذا مسح الواجب بما هو سنة؛ لأنا نقول أثر الواجب باقٍ من الضربة الأولى مضافة إليه الضربة الثانية، بدليل أنه لو تركها وفعل الوجه واليدين معًا بالأُولى أجزأه. ويعيد المقصر على كوعيه في الوقت ندبًا دون المقتصر على الضربة الواحدة، لقوله: القول القائل بوجوب المسح إلى المرفقين عندنا، بخلاف الضربة الثانية، فالقول القائل بوجوبها ضعيف. قال في الفتح: والأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم، وحديث عمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه. والراجح عدم رفعه، فأما حديث أبي جُهيم فورد بذكر الكفين في الصحيحين، وبذكر المرفقين في السنن. وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الأباط، فأما رواية المرفقين ونصف الذراع ففيهما مقال.
وأما رواية الأباط فقال الشافعيّ وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكل تيمم صح للنبي عليه الصلاة والسلام بعده فهو ناسخ، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كونُ عمّار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولاسيما الصحابي المجتهد. ومذهب أبي حنيفة والشافعيّ وجوب ضربتين: ضربة لوجهه، وضربة ليديه. ووجوب المسح إلى المرفقين قياسًا على الوضوء، لحديث أبي داود "أنه عليه الصلاة والسلام تيمم بضربتين مسح بإحداهما وجهه" وروى الحاكم والدارقطنيّ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" والقياس على الوضوء دليل على أن المراد بقوله في حديث عمار "وكفيه إلى المرفقين" وبقول أحمد.
وقال إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن خزيمة، وقال النوويّ رواه أبو ثور وغيره عن الشافعيّ في القديم قال: هذا القول وإن كان مرجوحًا فهو القوي في الدليل، وقال النوويّ في شرح مسلم في الجواب عن هذا الحديث: إن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم، وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم، وتُعُقب بأنّ سياق القصة يدل أن المراد به بيان جميع ذلك؛ لأن ذلك هو الظاهر من قوله "إنما يكفيك" وأما ما استدل به من اشترط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء، فجوابه أنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار، وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر، وهو الإطلاق في آية السرقة، ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص، وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل.
ولمسلم عن يحيى بن سعيد والإسماعيليّ عن يزيد بن هارون أن التعليم وقع بالقول، ولفظهم "إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض" زاد يحيى "ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك" واستدل بالنفخ على سقوط استحباب التكرار في التيمم، لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف، وعلى أن من غسل رأسه