الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي ذَرٍّ "ما أرى أن هؤلاء القوم" وما موصولة، وأن بالفتح، والمعنى كالرواية الأولى. وقيل: ما نافية، وإنْ بالكسر، والمعنى: لأعلم ما لكم في تخلفكم عن الإِسلام مع أنهم يدعونكم عمدًا. وللأصيليّ وابن عساكر: "مَا أدري أن" بالدال بعد الألف، وأنَّ بفتح الهمزة والتشديد، وهي في موضع المفعول، والمعنى: ما أدري ترك هؤلاء إياكم عمدًا لماذا هو؟ وقال أبو البقاء: الجيد أن يكون "إن هؤلاء" بالكسر على الإهمال والاستئناف، ولا يفتح على إعمال "أدري" فيه، لأنها قد عملت بطريق الظاهر، ويكون مفعول "أدري" محذوفًا والمعنى: لا أدري لماذا تمتنعون من الإِسلام، إن المسلمين تركوا الإغارة عليكم عمدًا مع القدرة.
واستشكل ما وقعَ بان الاستيلاء على الكفار بمجرده يوجب رق النساء والصبيان، وإذا كان كذلك، فقد دخلت المرأة في الرق باستيلائهم عليها، فكيف وقع إطلاقها وتزويدها؟ والجواب هو أنها أُطلقت لمصلحة الاستئلاف الذي جر دخول قومها أجمعين في الإِسلام، ويحتمل أنها كان لها أمان قبل ذلك، أو كانت من قوم لهم عهد، واستدل به بعضهم على جواز أخذ أموال الناس عند الضرورة بثمن، إن كان له ثمن، وفيه نظر، لابناه على أن الماء كان مملوكًا للمرأة وأنها كانت معصومة النفس والمال، ويحتاج إلى ثبوت ذلك، وإنما قدمناه احتمالًا قلت: هكذا كله غير محتاج إليه، لما مرَّ من أن الماء لم يؤخذ منه شيء، وأن الذي أعطيته المرأة إنما كان تفضلًا وإكرامًا.
رجاله خمسة:
الأول: مسدد.
والثاني: يحيى بن سعيد القطان، وقد مرا في السادس من كتاب الإيمان.
الثالث: عوف بن أبي جميلة المعروف بالأعرابيّ، وقد مَرَّ في الأربعين من كتاب الإيمان أيضًا.
الرابع: أبو رجاء عمران بن مِلحان، وقيل ابن تميم بن عبد الله العطاردِيّ البصريّ، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وروى عن عمر وعلي وعمران بن حصين
وابن عباس وعائشة. وروى عنه أيوب وجرير بن حازم وعوف الأعرابيّ وعمران القَصير وآخرون. قال ابن مُعين وأبو زرعة: ثقة. وقال ابن سعيد: كان ثقة في الحديث، وله رواية علم بالقرآن، وأمَّ قومه أربعين سنة. وقال أبو حاتم: جاهليّ فر من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم بعد الفتح، وأتى عليه مئة وعشرون عامًا. والصحيح كما قال ابن عبد البر، أنه أسلم بعد المبعث، فقد قال جرير بن حازم: سمعت أبا رجاء العُطارديّ قال: سمعنا بالنبي ونحن في مال لنا، فخرجنا هرابًا. قال: فقال: مررت بقوائم ظبي فاخذتها وبللتها، قال: وطلبت في غُرارة لنا فوجدت كف شعير، فدققته بين ثم ألقيته في قدر، ثم وَدَجْتُ بعيرًا لنا فطبخته، فأكلت أطيب طعام أكلته في الجاهلية. قلت: يا أبا رجاء، ما طعم الدم؟ قال: حلو.
وقال أبو الحارث الكرمانيّ، وكان ثقة: سمعت أبا رجاء يقول: أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا شاب أمرد. قال: ولم أر ناسًا كانوا أضل من العرب، كانوا يجيئون بالشاة البيضاء فيعبدونها، فيجيء الذئب فيذهب بها فيأخذون أخرى مكانها فيعبدونها. وإذا رأوا صخرة حسنة جاءوا بها وصلوا إليها، فإذا رأوا صخرة أحسن من تلك رموها، وجاءوا بتلك يعبدونها. وكان أبو رجاء يقول: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرعى الإبل على أهلي وأريش وأبري، فلما سمعنا بخروجه لحقنا بمُسَيلمة. كان أبو رجاء رجلًا عاقلًا فيه غَفلة، وكانت له عبادة، وعُمِّر طويلًا، أزيد من مئة وعشرين سنة. مات سنة خمس ومئة في خلافة هشام بن عبد الملك.
قال أبو بكر بن عيّاش: اجتمع في جنازة أبي رجاء العطاردي الحسنُ البصري والفَرزدق الشاعر. فقال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد، تقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: لست بخيرهم، ولست بشرهم، لكن ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم انصرف الفرزدق فقال:
ألم ترَ أن الناس مات كبيرُهم
…
وقد كان قبل البعث بعثِ محمدِ
ولم يغنِ عنه عيش سبعين حجةً
…
وستين لمامات غير مُوَسِّدِ
إلى حفرة غبراء يكره وِردها
…
سوى أنها مثوى وضيعٍ وسيّدِ
ولو كان طول العمر يخلد واحدًا
…
منه ويدفع عنه عمر ممدد
لكان الذي راحوا به يحملونه .... مقيمًا ولكن ليس حي بمخلد
نروح ونغدوا والحتوفُ أمامنا
…
يَضَعْنَ لنا حتف الردى كل مرصدِ
وقد قال لي: ماذا تعد لما ترى
…
وفيه إذا ما قال غير مفندِ
فقلت له: أعددت للبعث، والذي
…
أراد به أني شهدت بأحمد
وأن لا إله غير ربي هو الذي
…
يميت ويحيي يوم بعث وموعد
وهذا الذي أعددت لا شيء غيره
…
وإن قلتَ لي أكثر من الخير وازدد
فقال لقد أعصمت بالخير كله
…
تمسك بهذا يا فرزدق ترشد
والعُطارديّ نسبة إلى عطارد بن عوف أبي حيٍّ من بني تميم.
الخامس: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن نَهم بن حُذيفة بن جُهْمة بن غاضِرة بن حُبْشَة بن كعب بن عمر الخُزاعيّ، يكنى أبا نجيد، بنون وجيم مصغرًا. كان إسلامه عام خيبر، وغزا عدة غزوات، وكان صاحب راية خُزاعة يوم الفتح. وقال الطبرانيّ: أسلم قديمًا هو وأبوه وأخته، وكان ينزل ببلاد قومه، ثم تحول إلى البصرة إلى أن مات بها. قال أبو الأسود الدّؤلي: قدمت البصرة وبها عمران بن حصين، وكان عمر بعثه ليفقه أهلها. وقال خليفة: استقضى عبد الله بن عامر عمران بن الحصين على البصرة، فأقام أيامًا ثم استعفاه. وقال ابن سعد: استقضاه زياد ثم استعفاه، فأعفاه. وأخرج الطبرانيّ بسند صحيح عن ابن سيرين قال: لم يكن تقدم على عمران أحد من الصحابة ممن نزل البصرة. وقال أبو عمران: كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم، يقول عنه أهل البصرة: إنه كان يرى الحفظة، وكانت تكلمه حتى اكتوى، وروى الحسن عن عِمران أنه شق بطنه فلبث زمانًا طويلًا، فدخل عليه رجل، فذكر قصته، فقال: إن أحب ذلك إليّ أحبه إلى الله. قال: حتى اكتوى قبل وفاته بسنتين، وكان يسلم عليه حتى اكتوى، ففقده ثم عاد إليه. وقال ابن سيرين: أفضل من نزل البصرة من الصحابة عمران بن حصين وأبو بكرة. وكان يحلف أنه ما قدم البصرة والسرور خير لهم من عمران، كان قد اعتزل الفتنة فلم يقاتل