الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ. قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا". فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.
قوله: محمد، للأصيليّ هو "ابن سلام"، وقوله: ما كان يتيمم ويصلي، ولكريمة والأصيليّ "أما كان" بزيادة همزة الاستفهام، ولمسلم: كيف يصنع بالصلاة؟ قال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرًا، ونحوه لأبي داود قال: فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية؟ وعلى رواية "أما" بالاستفهام، ما نافية على أصلها، والهمزة إما للتقرير المخرج عن معنى الاستفهام الذي هو المانع من وقوعه جزاء للشرط، وإما معجمة، فوجودها كالعدم، وإما للاستفهام فهو جواب لو، لكن مقدر في الأُولين القول قبل "لو" أي فقال أبو موسى: تقول: لو أن رجلًا، ويقدر في الثالث قبل "ما كان" أي: لو أن رجلًا أجنب، يقال في حقه: أما يتيمم؟ ويجوز على هذا أن يكون جواب "لو" هو قوله: فكيف تصنعون
بهذه الآية؟ أي مع قولكم لا يتيمم.
وقوله: في سورة المائدة، وللكشميهنيّ: بهذه الآية في سورة المائدة. وقوله: فلم تجدوا ماءًا، بيان للمراد من الآية. وللأصيليّ: فإن لم تجدوا، وهو مغاير للتلاوة، وإنما عين سورة المائدة لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء، لتقدم حكم الوضوء في المائدة. قال الخطابيّ وغيره: فيه دليل على أن عبد الله كان يرى أن المراد بالملامسة الجماع، فلهذا لم يدفع دليل أبي موسى، وإلا لكان يقول له: المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع، وجعل التيمم بدلًا عن الوضوء لا يستلزم جعله بدلًا عن الغسل. قلت: قد مرَّ قريبًا نقلًا عن العينيّ والقسطلانيّ أن ابن مسعود وعمر يريان حمل الملامسة على ما دون الجماع، وهذا مخالف لما ذكره في الفتح، هنا، نقلًا عن الخطابيّ من أن ابن مسعود يرى حمل الملامسة على الجماع، وهذا أظهر وجهًا في انقطاعه في المناظرة مما مرَّ، فإنه غير ظاهر. وقوله: قلت: وإنما كرهتم هذا لنا، أي التيمم لأجل تيمم صاحب البرد، والقائل هو الأعمش. والمقول له شقيق، كما صرح بذلك في رواية حفص التي قبل هذه، فقول الكرمانيّ: إن القائل هو شقيق، غير صحيح. وقوله: فقال أبو موسى: ألم تسمع ظاهره، إن ذكر أبي موسى لقصة عمار متأخر عن احتجاجه بالأية، وفي رواية حفص الماضية احتجاجه بالآية متأخر عن احتجاجه بقصة عمار، ورواية حفص أرجح؛ لأن فيها زيادة تدل على ضبط ذلك، وهي قوله: فدعنا من قول عمار، فكيف تصنع بهذه الآية.
وقوله: كما تَمرَّغُ الدابة، بفتح المثناة وضم الغين المعجمة، وأصله تتمرغ، فحذفت إحدى التاءين، كما في تَلَظّى. والكاف للتشبيه، وموضعه مع مجروره نصب على الحال، وأعربها أبو البقاء في قوله: كما آمن الناس نعتاً لمصدر محذوف، فيقدر تمرغًا كتمرغ الدابة، ومذهب سيبويه في هذا كله النصب علي الحال من المصدر المفهوم من الفعل المتقدم المحذوف بعد الإضمار، على طريق الاتساع، فيكون التقدير: فتمرغت على هذه الحالة، ولا
يكون عنده نعتًا لمصدر محذوف؛ لأنه يؤدي إلى حذف الموصوف في غير المواضع المستثناة.
وقوله: إنما كان يكفيك، فيه أن الكيفية المذكورة مجزئة، فيحمل ما ورد زائدًا عليها على الأكمل. وقوله: فضرب بكفه ضربة، بالفاء والإفراد، وللأربعة: وضرب، بالواو. وللأصيليّ: بكفيه، بالتثنية. وقوله: ثم مسح بها، أي بالضربة. وقوله: ظهرَ كفه، أي اليمنى بشماله. وقوله: أو ظهر شماله بكفه، أي اليمنى بالشك في جميع الروايات. وقوله: ثم مسح بهما وجهه، أي بكفيه. ولابن عساكر "بها" أي بالضربة. وفي رواية أبي داود من طريق أبي معاوية تحرير ذلك من غير شك، ولفظه "ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه".
وفي هذا الحديث الاكتفاء بضربه واحدة، وتقديم مسح الكف على الوجه، والاكتفاء بظهر كف واحدة، وعدم مسح الذراعين. ونقل ابن المنذر عن جمهور العلماء الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم، واختاره. وقد روى أصحاب السنن أنه عليه الصلاة والسلام تيمم فمسح وجهه وذراعيه، والذراع اسم للساعد إلى المرفق، والترتيب عند المالكية والحنفية غير واجب، بل هو عند المالكية سُنَّةٌ حملًا لما ورد فيه على ذلك، لقوله في هذا الحديث "يكفيك".
والحديث مشتمل على عدم الترتيب، وعند الشافعية الترتيب واجب. وقد قال النوويّ: الأصح وجوب ضربتين. قال في الفتح: مراده ما يتعلق بنقل المذهب. ونقل القسطلانيّ كيفية التيمم المستحبة عندهم، فقال: إذا مسح اليمنى وضع بطون أصابع يساره غير الإبهام، على ظهور أصابع يمينه غير الإبهام، بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى، ولا تحاذي مسبحة اليمنى أطراف أنامل اليسرى، ويمرها على ظهر الكف، فإذا بلغ الكوع ضم أطراف أصابعه على حرف الذراع، ويمرها إلى المرفق، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع، ويمرها عليه وإبهامه مرفوعة، فإذا بلغ الكوع أمرها على إبهام