الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِى خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَاّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِى كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.
قوله: في بعض أسفاره، جزم ابن عبد البَرّ وابن سَعد وابن حِبّان بأن ذلك في غزوة بني المُصْطَلق، وهي غزوة المريسيع، وفيها وقعت قصة الإِفك لعائشة، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضًا، فإن كان ما جزموا به ثابتًا، حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين، لاختلاف القصتين كما هو بين في سياقهما. واستبعد بعض الشيوخ ذلك، بأن المريسيع من ناحية مكة، بين قُدَيد والساحل، وهذه القصة كانت من خيبر، لقولها في الحديث "حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش" وهما بين المدينة وخيبر، كما جزم به النووي.
والشك من أحد الرواة عن عائشة، وقيل منها، واستبعد.
والذي في غير هذا الحديث، كلحديث عمار بن ياسر عند أبي داود والنَّسائي، بإسناد جيد، أنه كان بذات الجيش، قال عَرَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الجيش، ومعه عائشة زوجه، فانقطع عقدها
…
الحديث. ولم يشك بينه وبين البيداء. وما جزم به النووي مخالف لما جزم به ابن التين، فإنه قال: البيداء هي ذو الحُليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة. قال: وذات الجيش وراء ذي الحُليفة. وقال أبو عُبيد البكريّ: البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحُليفة، ثم ساق حديث عائشة هذا، ثم ساق حديث ابن عمر قال: "بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها ما أهَلَّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلاّ من عند المسجد
…
الحديث. قال: والبيداء هو الشرف الذي قُدّام ذي الحُليفة في طريق مكة. وقال أيضًا: ذات الجيش من المدينة على بريد. قال: وبينها وبين العَقيق سبعة أميال، والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فاستقام ما قال ابن التين.
ويؤيده ما رواه الحميديّ في مسنده عن عروة في هذا الحديث قال فيه: إن القلادة سقطت ليلة الأبواء، والأبواء بين مكة والمدينة. وروى جعفر الفريابيّ وابن عبد البر عن هشام قال: وكان ذلك المكان يقال له الصُّلْصُل، وهو بمهملتين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين. قال البكري: جبل عند ذي الحُليفة. ووهم من جعله بالضاد المعجمة، ويأتي ما قيل في تعدد القصة.
وقوله: عِقد لي، بكسر المهملة، كل مايعقد ويعلق في العنق، ويسمى قلادة. ففي التفسير من رواية عمرو بن الحارث: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة، فأناخ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونزل. وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة. وفي رواية عُروة الآتية عنها، أنها استعارت قلادة من أسماء، يعني أختها، فهلكت، أي ضاعت. والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها، وإلى أسماء لكونها ملكها، لتصريح عائشة في رواية عُروة بانها استعارتها منها. وهذا كله بناء على
اتحاد القصة. ويأتي ما في ذلك.
وفي رواية عمار عند أبي داود وغيره أن العقد المذكور كان من جَزْع ظُفَار، وكذا في قصة الإفك الآتية، والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي، خرز يمنيّ، وظفار مدينة تقدم الكلام عليها في باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض.
وفي هذا الحديث جواز السفر بالنساء، واتخاذهن الحلي تجملًا لأزواجهن، وجواز السفر بالعارية، وهو محمول على رضا صاحبها. وقوله: على التماسه، أي لأجل طلبه، فعلى أجلية كقوله تعالى:{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] أي لأجل هدايته لكم، وقوله: ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، كذا للأكثر في الموضعين، وسقطت الجملة الثانية في الموضع الأول من رواية أبي ذَرٍّ واستدل بهذا على جواز الإِقامة في المكان الذي لا ماء فيه. وكذا سلوك الطريق التي لا ماء فيها. قيل: وفيه نظر، لأن المدينة كانت قريبة منهم، وهم على قصد دخولها.
قلت: هذا لا ينفي الإقامة على غير ماء، مع أنّ كونهم على القرب منها قاصدين الدخول فيها، ليس في جميع الروايات، بل في رواية واحدة، فلا يحكم بها على كل الروايات. ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام لم يعلم بعدم الماء في الركب، وإن كان قد علم بأن المكان لا ماء فيه. ويحتمل أن يكون قوله "ليس معهم ماء" أي للوضوء، وأما ما يحتاجون إليه للشرب، فيحتمل أن يكون معهم، والماء للوضوء محتمل لجواز إرسال المطر أو نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، كما وقع في مواطن أخرى.
وفيه اعتناء الإِمام بحفظ حقوق المسلمين، وإن قلت. فقد نقل ابن بطال أن ثمن العقد المذكور كان اثني عشر درهمًا، ويلتحق بتحصيل الضائع الإقامة للحوق المنقطع، ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية. وفيه الإِشارة إلى ترك إضاعة المال وقوله: فأتى الناس إلى أبي بكر، فيه شكوى المرأة إلى أبيها وإن كان لها زوج، وكأنهم إنما شكوا إلى أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان نائمًا، وكانوا لا يوقظونه. وقوله: ألا ترى، بإثبات همزة الاستفهام الداخلة على لا،
وعند الحمويّ "لا ترى" بإسقاطها. وقوله: أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، أي بالجر، فيه نسبة الفعل إلى من كان سببًا فيه، لقولهم: صنعت وأقامت. وقوله: فعاتبني أبو بكر، وقال: ما شاء الله أن يقول، في رواية عمرو بن الحارث "فقال: حبست الناس في قلادة" أي بسببها. ويأتي عن الطبرانيّ أن من جملة ما عاتبها به قوله "في كل مرة تكونين عناء وبلاء على الناس"، وإنما قالت فعاتبني أبو بكر، ولم تقل أبي؛ لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر. فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي، فلم تقل أبي. وقوله: وجعل يَطْعُنني، هو بضم العين، وكذا في جميع ما هو حسي، وأما المعنوي فيقال طَعَن، بالفتح، هذا هو المشهور فيهما، وحكي الفتح فيهما والضم فيهما معًا.
وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وإن كان زوجها معها إذا علم رضاه بذلك، ولم تكن حالة مباشرة، وفيه تأديب الرجل ابنته، وإن كانت متزوجة كبيرة خارجة عن بيته، ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن الإِمام. وقوله: فلا يمنعني من التحرك إلاّ مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، مكان مصدر ميمي، أي إلاّ كونه عليه الصلاة والسلام على فخذي، وفيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش لنائم، وكذا المصلي أو قارىء أو مشتغل بعلم أو ذكر.
وقوله: فقام حين أصبح، كذا أورده هنا، وأورده في فضل أبي بكر بلفظ "فنام حتى أصبح" وهي رواية مسلم، ورواه الموطأ والمعنى فيهما متقارب؛ لأن كلًا منهما يدل على أن قيامه من نومه كان عند الصبح. وقال بعضهم: ليس المراد بقوله "حتى أصبح" بيان غاية النوم إلى الصباح، بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح؛ لأنه قيد قوله حتى أصبح بقوله "على غير ماء" أي آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء، ورواية عمرو بن الحارث لفظها "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت" فإن أُعربت الواو حالية، وهو الظاهر، كان دليلًا على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح، واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر،
إن ثبت أن التهجد كان واجبًا عليه، وعلى أن طلب الماء لا يجب إلاّ بعد دخول الوقت، لقوله في رواية عمرو بن الحارث، بعد قوله "وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد"، وعلى أن الوضوء كان واجبًا عليهم قبل نزول آية الوضوء، ولهذا استعظموا إقامتهم على غير ماء، ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.
قلت: الاستعظام يمكن أن يكون لأجل الاحتياج إلى الماء في الشرب وغيره، وكذلك ما وقع في أبي بكر. وقال ابن عبد البَرّ: معلوم عند الجميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ منذ افترضت الصلاة عليه إلاّ بوضوء، ولا يدفع ذلك إلاّ جاهل أو معاند. قال: وفي قوله في هذا الحديث "آية التيمم" إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حكم التيمم لا حكم الوضوء، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع ما تقدم العلم به، ليكون فرضه متلواً بالتنزيل. وقال غيره: يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديمًا، فعلموا به الوضوء، ثم نزل بقيتها، وهو ذكر التيمم في هذه القصة. وإطلاق آية التيمم على هذا، من تسمية الكل باسم البعض، لكن رواية عمرو بن الحارث التي مرَّ أن المصنف أخرجها في التفسير، تدل على أن الآية نزلت جميعها في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر.
وقوله: فأنزل الله آية التيمم، قال ابن العربيّ: هذه معضلةٌ ما وجدت لدائها من دواء؛ لأنا لا نعلم أنّ الآيتين عنت عائشة. قال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة. وقال القرطبيّ: هي آية النساء، ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم. وأورد الواحديّ في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضًا، وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث، إذ صرّح فيها بقوله: فنزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
…
الآية} [المائدة: 6]. وقوله {فَتَيَمَّمُوا} يحتمل أن يكون خبرًا عن فعل الصحابة، أي فتيمم الناس حين نزلت الآية. ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية. وهو الأمر في قوله {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] بيانًا
لقوله "آية التيمم"، أو بدلًا.
واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم؛ لأن معنى "فتيمموا" فاقصدوا، وقد مرَّ الكلام على ذلك عند حديث "إنما الأعمال بالنيات" في آخر كتاب الإيمان. ووجوبها فيه هو قول فقهاء الأمصار إلاّ الأوزاعي. واستدل به على أنه يجب عليه قصد التراب، ولا يكفي هبوب الريح به، بخلاف الوضوء، كما لو أصابه مطر فنوى الوضوء به، فإنه يجزىء، والأظهر الإجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابّة، بخلاف من لم يقصد، وهو اختيار الشيخ أبي حامد، قاله في الفتح. وعند المالكية إذا قصد التيمم بما هب في كفيه من إلقاء الريح حتى سترهما، فيه وجهان: الإجزاء وعدمه. واستظهر عليّ الأجهوريّ أنه لابد من وضع اليدين على الأرض، ويأتي الكلام على المراد بالصعيد الطيب، وعلى التيمم لكل فريضة، وعلى كيفية التيمم.
وقوله: ما هي بأول بركاتكم، بل مسبوقة بغيرها من البركات، والمراد بأبي بكر نفسه وأهله وأتباعه. وفيه دليل على فضل عائشة وأبيها، وتكرار البركة منها. وفي رواية عمرو بن الحارث: لقد بارك الله للناس فيكم وفي تفسير إسحاق البستي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "ما كان أعظم بركة قلادتك" وفي رواية عروة الآتية قريبًا "فوالله ما نزل بك من أمر تكرهينه إلاّ جعل الله فيه للمسلمين خيرًا وفي النكاح إلاّ جعل الله لك منه مخرجًا وجعل للمسلمين فيه بركة" وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوي قول من قال بتعدد ضياع العقد.
وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخبازيّ فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق. وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزوتين كانت أولًا، وقال الداوديّ: كانت قصة التيمم فني غزاة الفتح، ثم تردد في ذلك، وقد روى ابن أبي شَيبة عن أبي هريرة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدرِ كيف أضع الحديث. وهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق؛ لأن إِسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف.
ويأتي في المغازي أن البخاري يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة، ومما يدل على تأخر القصة أيضاً، عن قصة الإِفك، ما رواه الطبرانيّ عن عبَاد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى، فسقط أيضًا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، فقال لي أبو بكر: يا بنية، في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس، فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: إنك لمباركة ثلاثًا، وفي إسناده محمد بن حميد الرازيّ فيه مقال.
ففي هذا الحديث التصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين، وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة، وحديث عروة في تفسير النساء، فكأن نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة، وآية النساء بسبب قلادة أسماء. قلت: فعلى هذا يكون التيمم نزل في غزوتين مختلفتين. قال في الفتح: واتحاد القصة أظهر، ولم يظهر لي ظهوره مع ما ذكر مما هو قال على التعدد صريحًا. وقوله: فبعثنا البعير، أي أثرنا البعير الذي كنت عليه حالة السفر. وقوله: فأصبنا العقد تحته، أي وجدناه. وهو ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولًا لم يجدوه.
وفي رواية عروة الآتية في الباب الذي يليه: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فوجدها، أي القلادة. وللمصنف في فضل عائشة ومسلم "فبعث ناسًا من أصحابه في طلبها" ولأبي داود "فبعث أسيد بن حُضير وناسًا معه وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدًا كان رأس من بَعث لذلك، فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره. وكذا أسند الفعل إلى واحد بهم، وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولًا، فلما رجعوا، ونزلت آية التيمم، وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير، وجده أسيد بن حُضَير. فعلى هذا، فقدله في رواية عروة الآتية "فوجدها" بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيرها.
وقال النوويّ: يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بالغ الداودي