الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع عشر
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ؟ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ: "خُذِى فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بها؟ قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي". فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ تَتَبَّعِى بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.
قوله: "إن امرأة"، في رواية وُهيب:"من الأنصار"، وسماها مسلم أسماء بنت شَكَل بالشين المعجمة وبالتحريك، وفي رواية له: أسماء من غير تسمية أبيها، وسماها الخطيب في المُبْهَمات: أسماء بنت يزيد بن السَّكَن. وقال الدِّمياطي: إن الذي في مسلم تصحيف؛ لأنه ليس في الأنصار من يقال له: شَكَل. وهذا ردٌّ للرواية الثابتة بغير دليل، ويُحتمل أن يكون شَكَل لقبًا لا اسمًا. والمشهور في المسانيد والجوامع في هذا الحديث: أسماء بنت شَكَل كما في مسلم، أو أسماء بغير نسب كما في أبي داود. وحكى النووي في "شرح مسلم" الوجهين بغير ترجيح.
وأسماء بنت يزيد يأتي تعريفها في السابع والعشرين من كتاب العيدين.
وقوله: "خُذي فِرصة" هو بيان لقولها: "أمرها"، فإن قيل: كيف يكون بيانًا للاغتسال، والاغتسال صب الماء لا أخذ الفِرْصة. فالجواب: أن السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال؛ لأنه معروف لكل أحد، بل كان لقدرٍ زائد على ذلك. وهذا الجواب وقوفًا مع هذا اللفظ الوارد، مع قطع النظر عن الطريقة التي مرت عند مسلم، الدالة على أن بعض الرواة اقتصر أو اختصر.
والفِرْصة بتثليث الفاء وسكون الراء وإهمال الصاد قطعة من صوف أو قُطن
أو جلدة عليها صوف، وفي رواية لأبي داود:"قَرصة" بفتح القاف، أي: شيء
يسير مثل القَرْصة بطرف الإصبعين. وقال ابن قُتيبة: "قُرْضَة" بفتح القاف وبالضاد المعجمة.
وقوله: "من مَسْك" بفتح الميم، والمراد قطعة من جلد، واحتج ابن قُتيبة بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المِسْك، مع غلاء ثمنه. وتبعه ابن بطال. وفي "المشارق": أكثر الروايات بفتح الميم.
ورجح النووي الكسر، وقال: إن الرواية الأخرى، وهي قوله:"فِرصة مُمَسَّكة" تدُلُّ عليه. وفيه نظر؛ لأن الخطابي قال: يُحتمل أن يكون المراد بقوله: "ممْسَكة" أي: مأخوذة باليد، يُقال: أمسكتُه ومَسَكْتُه لكن يبقى الكلام ظاهر الرِّكّة؛ لأنه يصير هكذا: خُذي قطعة مأخوذة.
وقال الكِرْماني: صنيع البخاري يُشعر بأن الرواية عنده بفتح الميم، حيث جَعَل للأمر بالطيب بابًا مستقلًّا، لكن اقتصارَ البُخاري في الترجمة على بعض ما دلَّت عليه لا يَدُلُّ على نفي ما عداه.
ويُقَوي رواية الكسر، وأن المراد التطيُّب، ما في رواية عبد الرزاق، حيث وقع عنده:"من زريرة".
وما استبعده ابن قُتيبة من امتِهان المسك ليس ببعيد، لما عُرِف من شأن أهل الحِجاز من كثرة استعمال الطّيب. وقد يكونُ المأمور به مَن يقدِرُ عليه.
قال النووي: المقصود باستعمال الطيب دفع الرائحة الكريهة على الصحيح. وقيل: لكونه أسرع إلى الحَبَل، حكاه الماوَرْدي، قال: فعلى الأول، إن فَقَدَتِ المسكَ، استعملت ما يخلُطُه في طيب الريح، وعلى الثاني ما يقوم مقامه في إسراع العُلوق. وضعَّفَ النووي الثاني، وقال: لو كان صحيحًا لاختَصَّت به المتزوِّجة، واطلاق الأحاديث يرُدُّه.
والصواب أنَّ ذلك مستحبٌّ لكل مغتسِلة من حَيْض أو نِفاس، ويُكره تركه للقادرة، فإن لم تجد مسكًا فطيبًا، فإن لم تجد فمُزيلًا كالطين، وإلا فالماء كافٍ.
وقوله: "فَتطَّهري"، في الرواية التي بعدها:"فتوضئي" أي: تَنظَّفي.
وقوله: "سبحان الله"، زاد في الرواية الآتية:"استَحْيا وأعرض"، وللإسماعيلي:"فلما رأيتُه استحيا علَّمْتُها"، وزاد الدارِمي:"وهو يسمَعُ فلا يُنْكِر".
وقوله: "فاجتَبَذْتُها" بتقديم الموحدة على الذال المعجمة، وفي راوية بتأخيرها.
وقوله: "أثر الدم"، قال النووي: المراد به عند العلماء الفَرْج، وقال المحاملي: يُستحبُّ لها أن تطيبَ كلَّ موضع أصابه الدم من بدنها. قال: ولم أره لغيره، وظاهر الحديث حجة له. ويصرِّح به رواية الإسماعيلي:"تَتَبَّعي بها مواضع الدم".
وفي هذا الحديث من الفوائد التسبيح عند التعجب، ومعناه هنا: كيف يَخْفى هذا الظاهر الذي لا يُحْتاج في فهمه إلى فكر.
وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلَّق بالعورات.
وفيه سؤال المرأة العالِمَ عن أحوالها التي يُحتشم منها، ولهذا كانت عائشة تقول في نساء الأنصار:"لم يمنَعْهُنَّ الحياء أن يتفقَّهْنَ في الدين". كما أخرجه مسلم في بعض طرق هذا الحديث، وقد مرّ في العلم معلقًا.
وفيه الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستَهْجَنة، وتكرير الجواب لإفهام السائل، وإنما كرَّره مع كونها لم تفهمه أولًا؛ لأن الجواب يُؤخذ من إعراضه بوجهه عند قوله:"توضيء" أي في المحل الذي يُستَحْيى من مواجهة المرأة بالتصريح به، فاكتفى بلسان الحال عن لسان المقال، وفهمت عائشة رضي الله تعالى عنها ذلك عنه، قولت تعليمها.
وبوب عليه المصنف في الاعتصام الأحكام التي تُعرف بالدلائل.
وفيه تفسير كلام العالم بحضرته لمن خَفِي عليه إذا عُرِفَ أن ذلك يُعجبه.