الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ.
قوله: "إحدانا" أي: إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "أن تَتَّزِر" بتشديد المثناة الثانية، وقد مرَّ توجيهها قريبًا. وللكُشميهني:"أن تأْتَزِر" بهمزة ساكنة، وهي أفصح.
وقوله: "في فَوْرِ حيضتِها" أي: في أوله ومعظمه، وقال القُرطبي: فَوْرَ الحيضة معظم صبِّها من فَوَران القِدْر وغَليَانها.
وقوله: "ثم يباشِرَها" أي: بملاقاة البشرة للبشرة من غير جِماع؛ لأنه حرام إجماعًا.
وقوله: "وأيكم يملُكُ إربَه" أي: بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة، قيل: المراد عُضْوَه الذي يستمتِع، وقيل: حاجته؛ لأن الحاجة تسمى إِرْبًا بالكسر والسكون، وتُسمى أَرَبًا بفتح الهمزة والراء.
وإنكار رواية الكسر لا معنى له لثبوتها ووضوح توجيهها، والمعنى هو أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يُخشى عليه ما يُخشى على غيره، من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعًا لغيره ممن ليس بمعصوم. وبهذا قال أكثر العلماء، وهو البخاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع.
قلت: يظهر لي في هذا الحديث معنى آخر لم أر مَن ذكره، وهو أن المعنى فيه الرد على المتنطعين المانعين قربان الحائض ألبتة، فأَخْبَرَتْ بأنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل هذا مع ملكه لنفسه، وقدرته على ردِّ شهوته، فكيف يتنزه عنه غيره.
وذهب كثير من السلف، والثوري، وأحمد، وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، واحد القولين أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المُنذر.
وقال النووي: هو الأرجح دليلًا، لحديث أنس عند مسلم:"اصنَعوا كلَّ شيءٍ إلا الجماعَ"، ولما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، "أنه كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها ثوبًا"، وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب، جمعًا بين الأدلة.
وقال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار؛ لأنه فِعْلٌ مجرَّد.
واستدل الطحاوي على الجواز بأن المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدًّا ولا غُسلًا، فأشبهن المباشرة فوق الإزار.
وفرق بعض الشافعية، فقال: إن كان يضبطُ نفسه عن المباشرة عن الفرج، ويَثِقُ منها باجتنابه، جاز، وإلا فلا. واستحسنه النووي.
ولا يبعُد توجيه قول مفرِّقِ بين ابتداء الحيض وما بعده، لظاهر التقييد بقولها:"فَوْرَ حيضتِها"، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أُم سلمة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتَّقِي سَوْرَة الدم ثلاثًا، ثم يباشِر بعد ذلك". ويُجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين.
قلت: أَخْذُ هذا الوجهِ من حديث الباب بعيدٌ جدًّا؛ لأنه صريح في ضده،