المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٦

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الجنب يتوضأ ثم ينام

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة

- ‌باب إذا التقى الختانان

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل ما يصيب من رطوبة فرج المرأة

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله أربعة عشر

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الحيض

- ‌باب كيف كان بَدْءُ الحيض

- ‌باب الأمر بالنفساء إذا نفسن

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قراءة القرآن في حجر امرأته وهي حائض

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من سمى النفاس حيضًا

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مباشرة الحائض

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ترك الحائض الصوم

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الاستحاضة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل دم المحيض

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاعتكاف للمستحاضة

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فِرْصَةً مُمَسَّكة فَتَتَبَّع بها أثر الدم

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المحيض

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مخلقة وغير مخلقة

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب: إقبال المحيض وإدباره

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب: لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب: النوم مع الحائض وهي في ثيابها

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب: من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا حاضتْ في شهر ثلاث حِيض وما يُصَدَّقُ النساء في الحيض والحمل فيما يُمكن من الحيض لقول الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عِرق الاستحاضة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المرأة تحيض بعد الإِفاضة

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا رأت المستحاضة الطهر

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصلاة على النفساء وسنتها

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌كتاب التيمم

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا لم يجد ماء ولا ترابًا

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المتيمم هل ينفخ فيهما

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التيمم للوجه والكفين

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله سبعة:

- ‌‌‌لطائف إسناده:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه عن الماء

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب التيمم ضربة

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله ستة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب وجوب الصلاة في الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب عقد الأُزر على القفا في الصلاة

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا كان الثوب ضيقًا أي كيف يفعل المصلي

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف اسناده:

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصلاة في الجبة الشامية

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كراهية التعري في الصلاة

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما يستر من العورة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة بغير رداء

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب ما يذكر في الفخد

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب في كم تصلي المرأة من الثياب

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذ صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إن صلّى في ثوب مصلَّب أو تصاوير، هل تفسد صلاته؟ وما ينهى من ذلك

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في الثوب الأحمر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أصاب ثوب المصلّي امرأته إذا سجد

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة على الحصير

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة على الخمرة

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌باب الصلاة على الفراش

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب السجود على الثوب في شدة الحر

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في النعال

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة في الخفاف

- ‌الحديثُ التاسع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا لم يتم السجود

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ ويُجَافي في السجود

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ

‌الحديث الأول

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِىء حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ. وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ. قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِى السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ؟ هَذَا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ:

ص: 296

مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من الصحابة، لكن طرقه في الصحيحين تدور على أنس، مع اختلاف أصحابه عنه، فرواه الزُّهريَّ عنه عن أبي ذَرٍّ كما في هذا الباب، ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة في السيرة النبوية قبل الهجرة بقليل، ورواه شريك بن أبي غُر وثابت البناني عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وفي سياق كل منهم عنه ما ليس عند الآخر، والغرض من إيراده هنا ذكر فرض الصلاة، ونذكر الكلام على اختلاف طرقه، وتغاير ألفاظها، وكيفية الجمع بينها.

وقوله: فُرِج سقف بيتي وأنا بمكة، أي بضم الفاء والجيم أي: فُتح، والحكمة في أن المَلَك انصب إليه من السماء انصبابة واحدة، ولم يعرج على شيء سواه مبالغة في المناجاة، وتنبيهًا على أن الطلب وقع على غير ميعاد. ويحتمل أن يكون السر في ذلك التمهيد لما وقع من شَقّ صدره، فكأن المَلَكَ أراه بانفراج السقف، والتئامه في الحال، كيفية ما سيصنع به لُطفًا به وتثبيتًا به. وقيل: الحكمة في نزوله عليه من السقف، الإشارة إلى المبالغة في مفاجأته بذلك، والتنبيه على أن المراد منه أن يعرج إلى جهة العلوّ.

وفي رواية مالك بن صعصعة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحِجر، مضطجعًا" والشك من قتادة، كما بينه أحمد عن عفّان عن همّام ولفظه "بينا أنا نائم في الحطيم" وربما قال قتادة في الحِجر والمراد بالحطيم هنا الحِجر، وأبعد من قال المراد به ما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والحجر، وهو إن كان مُخْتَلَفًا فيه، هل هو الحجر أم لا، كما يأتي، إن شاء الله تعالى، في بنيان الكعبة، لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع ذلك فيها، ومعلوم أنها لم تتعدد، لأن القصة متحدة، لاتحاد مخرجها.

ص: 297

وفي أول بدء الخلق "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان" وهو أعم. وفي رواية الواقديّ بأسانيده "أنه أُسري به من شِعْب أبي طالب". وفي حديث أم هانىء عند الطبرانيّ أنه بات في بيتها، قالت: ففقدته من الليل، فقال:"إن جبريل أتاني" والجمع بين هذه الأقوال أنه بات في بيت أم هانىء، وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيته، وأضاف البيت إليه، لأنه كان سكنه منزل المَلَك فأخرجه من البيت إلى المسجد، فكان به مضطجعًا، وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد، فأركبه البراق. ووقع في مرسل الحسن عند أبي إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق. وهو يؤيد هذا الجمع.

وقوله في الرواية السابقة: بين النائم واليقظان، محمول على ابتداء الحال، ثم لما خرج الي باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته، وأما ما وقع في رواية شريك في كتاب التوحيد "واستيقظ وهو في المسجد الحرام" فإنْ قلنا بالتعدد فلا إشكال، وإلاّ فإنْ حمل على ظاهره جاز أن يكون نام بعد أن هبط من السماء، فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام. وجاز أن يؤول قوله استيقظ أي فاق مما كان فيه، فإنه كان إذا أُوحي إليه يستغرق بمشاهدة الملكوت، فإذا انتهى رجع إلى حالته الأولى في العالم الدنيويّ، فكنى عنه بالاستيقاظ. وقال ابن أبي جمرة: قال صلى الله عليه وسلم: إنه كان يقظان لأخبر بالحق، لأنّ قلبه في النوم واليقظة سواء، وعينه أيضًا لم يكن النوم تمكن منها لكنه تحرّى صلى الله عليه وسلم الصدقَ في الإخبار بالواقع له، فيؤخذ منه أنه لا يُعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز إلاّ لضرورة.

وقوله: ففَرَجَ صدري، بفتح الفاء وبالجيم، أي شقه. ورجح عياض أنّ شق الصدر كان وهو صغير عند مرضعته في بني سعد، وتعقبه السهيليّ وغيره بأن الروايات تواردت به، وثبت شق الصدر أيضًا عند البعثة، كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل، ولكل منهما حكمة، فالأول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس "فأخرج علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك" وكان هذا في زمن الطفولية، فنشأ على كمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع شق

ص: 298

الصدر عند المبعث، زيادة في إكرامه، ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قويّ في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة. ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة، كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم.

وقد رُوي الشق أيضًا وهو ابن عشر أو نحوها، في قصة له مع عبد المطلب أخرجها أبو نعيم في الدلائل، ورُوي مرة أخرى خامسة، ولا تثبت. قال القرطبيُّ في المُفهم: لا يلتفت لإِنكار الشق ليلة الإسراء؛ لأن رواته ثقات مشاهير، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له دون التعريض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شي من ذلك.

واختلف هل كان شق قلبه وغسله مختصًا به أو وقع لغيره من الأنبياء؟ وقد وقع عند الطبرانيّ في قصة تابوت بني إسرائيل أنه كان فيه الطَّسْت التي تغسل فيها قلوبُ الأنبياء، وهذا مشعر بالمشاركة. وقوله: ثم غسله بماء زمزم، أي برجوع الضمير إلى الصدر، وفي رواية مالك بن صعصعة "فغسل قلبي". وفي رواية مسلم "فاستخرج قلبي فغُسل بماء زمزم". وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه. قال ابن أبي جمرة: وإنما لم يغسل بماء الجنة، لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من ماء الجنة، ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض. وقال السهيليّ: لما كانت زمزم هَزْمَةَ جبريل رُوح القدس، لأم إسماعيل جد النبي عليهما الصلاة والسلام، ناسب أن يغسل بمائها عند دخول حضرة القدوس ومناجاته.

وقوله: ثم جاءَ بطَست من ذهب، الطَست بفتح أوله وكسره وبمثناة، وقد تحذف، وهو الأكثر، وإثباتها لغة طيء، وأخطأ من أنكرها، إناء معروف خص بذلك لأنه أشهر آلات الغسل عُرفًا، وإنما كان من ذهب لأنه أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها، ولأن فيه خواص ليست لغيره، وتظهر لها هنا مناسبات منها أنه من أواني الجنة، ومنها أنه لا تأكله النار ولا التراب، ولا يلحقه الصدأ،

ص: 299

ومنها أنه أثقل الجواهر، فناسب ثقل الوحي.

وقال السهيليُّ وغيره: إن نُظِر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة إذهاب الرجس عنه، ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه، وإنْ نُظر إلى معناه فلوضاءَته ونقائه وصفائه، ولثقله ورسوبته، والوحي ثقيل، قال الله تعالى {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] والقول هو القرآن. وقال تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون: 102]، ولأنه أعز الأشياء في الدنيا، ولعل هذا كان قبل أن يحرّم استعمال الذهب في هذه الشريعة، لا تحريمه كان في المدينة المنورة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في اللباس. ولا يكفي أن يقال إن المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة، لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه أن يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم، ويمكن أن يقال إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا، وما وقع في تلك الليلة كان من أحوال الغيب، فيلحق بأحوال الآخرة.

وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف بالذهب؛ لأن المستعمل له الملك، فيحتاج إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به، وأيضًا فإن ذلك وقع على أصل الإباحة كما مرَّ. ومن المناسبات المستبعدة قول بعضهم: إن الطست يناسب (طس تلك) آية القرآن، وقوله: ممتلىء حكمةً وإيمانًا، كذا وقع هنا بالتذكر على معنى الإناء، لا على لفظ الطست، لأنها مؤنثة. وفي رواية مالك بن صعصعة "مملوءة" بالتأنيث مراعاةً للفظ الطست. وفي رواية له "ملآن" وفي رواية "ملأى" وفي خط الدّمياطيّ "مُلىء" بضم الميم على لفظ الفعل الماضي، وحكمة وإيمانًا نصبا على التمييز، والمعنى أن الطست جعل فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة، فسمى حكمة وإيمانًا مجازًا، وهذا الملء يحتمل أن يبهون على حققته، وتجسُّد المعاني جائز كما ورد أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظُلَّة، والموت في صورة كبش، وكذلك وزن الأعمال ونحو ذلك من أحوال الغيب.

وقال البيضاويّ: لعل ذلك من باب التمثيل، إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرًا

ص: 300

كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط، وفائدته كشف المعنويّ بالمحسوس. وقال النوويّ: في تفسير الحكمة أقوالٌ مضطربة، صفا لنا منها أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله، مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به، والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك. وقد تطلق. الحكمة على القرآن، وهو مشتمل على ذلك كله، وعلى النبوة كذلك، وقد تطلق على العلم فقط، وعلى المعرفة فقط، وقال بعضهم: أصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله، أو الفهم في كتاب الله. فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان، وقد لا توجد. وعلى الأول فقد يتلازمان، لأن الإيمان يدل على الحكمة. وقال ابن أبي جمرة فيه: إن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها، ولذلك قرنت معه، ويؤيده قوله تعالى {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].

وقوله: فأفرغه في صدوى ثم أطبقه، وفي رواية مالك بن صعصعة "ثم حشي ثم أعيد" وزاد مسلم في روايته مكانه "ثم حشي إيمانًا وحكمة" وفي رواية شريك "فحشي به صدره ولغاديده" بلام وغين معجمة، أي عروق حلقه قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلىء قلبه إيمانًا وحكمة بغير شق الزيادة في قوة اليقين، لأنه أُعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالًا ومقالًا، ولذلك وصف بقوله تعالى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)} [النجم: 17].

وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلًا عمن شاهده، فقد جرت العادة بأن من شق بطنه وأخرج قلبه يموت لا محالة، ومع ذلك فلم يوثر فيه ذلك ضررًا ولا وجعًا، فضلًا عن غير ذلك.

وقوله: ثم أخذ بيدي فعَرج بي إلى السماء الدنيا، استدل بعضهم على أن المعراج وقع غير مرة، لكون الإسراء إلى بيت المقدس لم يذكر هنا، ويمكن أن يقال هو من اختصار الراوي، والإتيان بثم المقتضية للتراخي، لا ينافي وقوع أمر الإسراء بين الأمرين المذكورين، وهما الإطباق والعروج، بل يشير إِليه،

ص: 301

وحاصله أَن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، وهذه الرواية المذكورة هنا مثل رواية شريك الآتية في التوحيد، فإن كانت القصة متعددة فلا إشكال، وإن كانت متحدة ففي هذا السياق حذفٌ تقديره: ثم أركبه البراقَ إلى بيت المقدس، ثم أتي بالمعراج كما في حديث مالك بن صعصعة "فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض، وهو البراق فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا" وفي سياقه أيضًا حذف تقديره: حتى أتى بي بيت المقدس، ثم أتى بالمعراج، كما في رواية ثابت عن أنس رفعه: أُتيتُ بالبراق فركبته حتى أتى بي بيت المقدس، فربطته، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عُرج بي إلى السماء".

والحكمة في الإسراء به راكبًا مع القدرة على طي الأرض، إشارةٌ إلى أن ذلك وقع ثانيًا له بالعادة في مقام خرق العادة، لأن العادة جرت بان المَلَك إذا استدعى من يختص به يبعث إليه بما يركبه. وقال ابن أبي جمرة خص البراق بذلك إشارة إلى الاختصاص به، لأنه لم ينقل أن أحدًا ملكه بخلاف غير جنسه من الدواب، والقدرة كانت صالحة لأن يصعد بنفسه من غير براق، لكن ركوب البراق كان زيادة في تشريفه، لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماشٍ، والراكب أعز من الماشي.

والحكمة في كون البراق بهذه الصفة الإشارةُ إلى أن الركوب كان في سلْم وأمْن، لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد من دابة لا توصف بذلك في العادة، وقد وصفه بقوله "يضع خطوه عند أقصى طَرْفه" أي بسكون الراء وبالفاء، نظره، أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره. وفي حديث ابن مسعود عند أبي يعلى والبزار "إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه" وفي رواية للواقديّ "له جناحان ولم تر لغيره" وفي رواية عند الثعلبيّ بسند ضعيف عن ابن عباس في صفة البراق "له خد كخد الإنسان، وعرف كعرف الفرس، وقوائم كالإبل، وأظلاف وذنبٍ كالبقر، وكأنّ صدره ياقوتة حمراء" قيل: يؤخذ من ترك تسمية سير البراق طيرانًا أن الله إذا أكرم عبدًا بتسهيل

ص: 302

الطريق له حتى قطع المسافة الطويلة في الزمن اليسير أن لا يخرج بذلك عن اسم السفر، وتجري عليه أحكامه.

والبراق بضم الموحدة وتخفيف الراء مشتق من البَريق، فقد جاء في لونه أنه أبيض، أو من البَرق لأنه وصفه بسرعة السير، أو من قولهم شاة برقاء، إذا كان خلال صوفها الأبيض طافات سود، ولا فيافيه وصفه في الحديث بأنه أبيض، لأنّ البرقاء من الغنم معدودة في البياض، ويحتمل أن لا يكون مشتقًا. وقوله السابق: فحملت عليه، في رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى "فكان الذي أمسك بركابه جبريل، وبزمام البراق ميكائيل" وفي رواية معمر عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به اتي بالبراق مسرجًا ملجمًا، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما حملك على هذا، فوالله ما ركبك خلق قط أكرم على الله تعالى منه، فارفضَّ عرقًا. أخرجه الترمذيّ وقال: حسن غريب، وصححه ابن حبّان.

وذكر ابن إسحاق عن قتادة أنه لما شَمَس وضع جبريل يده على معرقته، فقال: أما تستحي، فذكر نحوه مرسلًا لم يذكر أنسًا. وفي رواية وثيمة عن ابن إسحاق "فارتعشتُ حتى لصقت بالأرض، فاستويت عليها" وللنّسائيّ وابن مردويه عن يزيد بن أبي مالك عن أنس نحو موصولًا، وزاد "وكانت تسخر للأنبياء قبله". ونحوه في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق. وفيه دلالة على أن البراق كان معدًا لركوب الأنبياء خلافًا لمن نفى ذلك، كابن دحية. وأُوَّل قول جبريل "فما ركبك أكرم على الله منه" أي ما ركبك أحد قط، فكيف يركبك أكرم منه، وقد جزم السهيليّ بأنّ البراق إنما استصعب عليه لبعد عهده بركوب الأنبياء قبله، قال النووي: قال الزبيديّ في "مختصر العين" وتبعه صاحب "التحرير": كان الأنبياء يركبون البراق. قال: وهذا يحتاج إلى نقل صحيح. قال في "الفتح": والنقل هو ما مرَّ، ويؤيده ظاهر قوله في حديث ثابت عن أنس "فربطته بالحلقة التي تريط بها الأنبياء" ووقع في "المبتدأ" لابن إسحاق من رواية وثيمة في ذكر الإسراء "فاستصعبت البراق، وكانت الأنبياء تركبها قبلي، وكانت بعيدة العهد

ص: 303

بركوبهم، لم تكن ركبت في الفترة".

وفي مغازى ابن عائذ عن سعيد بن المسيب قال: البراق هي الدابة التي كان يزور إبراهيم عليها إسماعيل. وفي كتاب مكة للفاكهيّ والأزرقيّ أن إبراهيم كان يحج على البراق. وفي أوائل الرّوض للسهيليّ أن إبراهيم حمل هاجر على البُراق لما سار إلى مكة بها ويولدها، فهذه آثار يشدّ بعضها بعضًا، دالة على كون البراق كان مركوبًا للأنبياء. وقال ابن المنير: إنما استصعب البراق تيهًا وزهوًا بركوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد جبريل استنطاقه، فلذلك خجل وارفضَّ عرقاً من ذلك، وقريب من ذلك رجفةُ الجبل به حتى قال له اثبت، فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيد، فإنها هزة الطرب لا هزة الغضب. ورُوي أن البراق لما عاتبه جبريل قال له معتذرًا: إنه مس الصفراء اليوم، وإن الصفراء صنم من الذهب كان عند الكعبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى زيد بن حارثة أن يمسه بعد ذلك، وكسره يوم فتح مكة.

ومن الأخبار الواهية في صفة البراق ما ذكره الماورديّ عن مُقاتِل، وأورده القرطبيّ في التذكرة، ومن قبله الثعلبى عن ابن عباس قال: الموت والحياة جسمان، فالموت كبش لا يجد ريحه شي إلَّا مات، والحياة فرس بَلْقاء أنثى، وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها، لا تمر بشيء، ولا يجد شيء ريحها إلَّا حَيّ. واختلف هل جبريل كان راكبًا مع النبي، عليهما الصلاة والسلام، على البراق أم لا؟ والصحيح أنهما كانا رديفين عليه، ففي الطبرانيّ عند عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أن جبريل أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالبراق فحمله بين يديه، وعند أبي يعلي والحاكم عن ابن مسعود، رفعه "أُتيتُ بالبراق فركبت خلف جبريل". وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود أن جبريل حمله على البراق رَديفًا. وفي رواية الحارث في مسنده "أُتي بالبراق فركب خلف جبريل، فسار بهما" فهذا كله صريح في ركويه معه.

وعند التِّرمذيّ والنَّسائيّ من حديث حذيفة "فما زايلا ظهر البراق". وعنه أيضًا عند أحمد قال: "أُتي رَسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق، فلم يزايل ظهره هو وجبريل

ص: 304

حتى انتهيا إلى بيت المقدس" وهذا لم يسنده حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أنه قاله عن اجتهاده، ويحتمل أن يكون قوله: هو وجبريل، يتعلق بمرافقته في السير لا في الركوب.

قال ابن دَحية وغيره: معناه وجبريل قائدًا وسائقًا ودليلًا. قال: وإنما جزمنا بذلك لأنّ قصة المعراج كانت كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا مدخل لغيره فيها، والتأويل المذكور يرده ما مرَّ صريحًا من ركوبه معه، وظاهر حديث حذيفة أن المعراج وقع للنبي صلى الله عليه وسلم على ظهر البُراق إلى أن صعد السموات كلها، ووصل إلى ما وصل، ورجع وهو على حاله، وفيه نظر، لما مرَّ من صعوده على المعراج، ولعل حذيفة إنما أشار إلى ما وقع في ليلة الإسراء المجردة، التي لم يقع فيها معراج، على ما مرَّ من تقرير وقوع الإسراء مرتين. وظاهر قوله المار "حتى أتى السماء الدنيا" يشعر بأنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء، وتمسك به أيضًا من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، وقد أنكر حذيفة ما مرَّ من رواية ثابت عن أنس "فربطته بالحلقة" فروى أحمد والتِّرمذيّ عن حُذيفة قال: تحدثون أنه ربطه، أخافَ أن يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة؟ قال البيهقيّ: المثبت مقدم على النافي، يعني من أثبت ربط البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول.

وفي رواية بُريدة عند البزار "لما كان ليلة أُسري به، فأتى جبريلُ الصخرةَ التي ببيت المقدس، فوضع أصبعه فيها، فخرقها فشد بها البراق" ونحوه للتِّرمذيّ، ويجاب عما قاله حذيفة بأن الربط كان للتشريع بتعاطي الأسباب، وتعليمًا للأمة بذلك، لا للخوف من فراره. وأنكر حذيفة أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم صلى في بيت المقدس، واحتج بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه، كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق. والجواب عنه منع التلازم في الصلاة إن كان أراد بقوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} الفرضَ، وإن أراد التشريع فتلتزمه. وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس، فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال، وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث. وعند البيهقيّ عن أبي سعيد "حتى أتيت

ص: 305

بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها" وفيه "فدخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كل واحد منا ركعتين" وفي رواية أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود نحوه، وزاد "ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد، ثم أُقيمت الصلاة فأممتهم". وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند ابن أبي حاتم "فلم ألبث إلَاّ يسيرًا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن، فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفًا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل فقدمني، فصليت بهم".

وفي حديث ابن مسعود عند مسلم "وحانت الصلاة فاممتهم" وفي حديث عند أحمد "فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المسجدَ الأقصى، قام يصلي، فإذا النبيون أجمعون يصلون معه" وفي حديث عمر عند أحمد أيضًا، أنه لما دخل بيت المقدس قال: أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة وصلى. وأخرج الطبرانيّ عن عبد الرحمن بن هاشم عن أنس "ثم بُعث له آدم فمن دونه، فأمَّهم تلك اليلة" وفي الطبرانيّ في الأوسط عن أبي أمامة "ثم أُقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدًا" وعند البزار والحاكم عن أبي هريرة "أنه صلى ببيت المقدس مع الملائكة، وأنه أُتي هناك بأرواح الأنبياء، فأثنوا على الله تعالى" وفيه قول إبراهيم "لقد فضلكم محمد" قال عياض: يحتمل أن يكون صلى بالأنبياء جميعًا في بيت المقدس، ثم صعد منهم إلى السموات مَنْ ذَكَر صلى تعالى عليه وسلم أنه رآه، ويحتمل أن تكون صلاته بهم بعد أن هبط من السماء، فهبطوا أيضًا. وقال غيره: رؤيته إياهم في السماء محمولة على رؤية أرواحهم، إلَّا عيسى لما ثبت أنه رُفع بجسده. وقد قيل ذلك في إدريس أيضًا، وأمّا الذين صلوا معه في بيت المقدس فيحتمل الأرواح خاصة، ويحتمل الأجساد بأرواحها.

قلت: ويؤيد الاحتمال الأول ما مرَّ قريبًا عن الحاكم والبزار، أنه أُتي هناك بأرواح الأنبياء، والأظهر أن صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج. وقال بعض العلماء: اختلف في حال الأنبياء عند لقي النبي صلى الله عليه وسلم إياهم ليلة الإسراء،

ص: 306

هل أُسري باجسادهم لملاقاته عليه الصلاة والسلام تلك الليلة، أو أن أرواحهم مستقرة بالأماكن التي لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها؟ وهي مشكلة بشكل أجسادهم، كما جزم به أبو الوفاء بن عقيل. واختار الأول بعض شيوخ ابو حَجَر، واحتج بما ثبت في مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رأيت موسى ليلة أُسري بي، قائمًا يصلي في قبره، فدل على أنه أُسري به لما مرَّ به" قال في الفتح: وليس ذلك بلازم، بل يجوز أن يكون في السماء.

وقوله: فلما جئت إلى السماء الدنيا، في حديث أبي سعيد في ذكر الأنبياء عند البيهقي "إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحَفَظة، وعليه مَلَك يقال له إسماعيل، وتحت يده اثنا عشر ألف ملك". وقوله: قال جبريل لخازن السماء: افتح، وفي رواية "فاستفتح" وهذا يدل على أن الباب كان مغلقًا، وعلى أن للسماء أبوابًا حقيقة، وحفظة موكلين بها. قال ابن المنير: حكمته التحقيق أن السماء لم تفتح إلَّا من أجله بخلاف ما لو وجده مفتوحًا.

وقوله: "قال: مَنْ هذا؟ قال: جبريل" فيه من أدب الاستئذان أن المستأذِن يسمي نفسه لئلا يلتبس بغيره. وقوله: "قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، معي محمد" وفي رواية مالك بن صعصعة قيل: "ومن معك؟ قال: محمد" ورواية "من معك؟ " تشعر بأنهم أحسوا معه برفيق، وإلّا لكان السؤال بلفظ "أمَعَك أحد؟ " كما في الرواية الأولى، وذلك الإحساس إما بمشاهدة، لكون السماء شفّافة، وإما بأمر معنويّ، كزيادة أنوار ونحوها، تشعر بتجدد أمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة.

وقوله: أرسل إليه، وللكشميهنى "أو أرسل إليه" يحتمل أن يكون خفي عليه أصل ارساله لاشتغاله بعبادته، ويحتمل أن يكون استفهم عن الإرسال إليه للعروج إلى السماء، وهو الأظهر لقوله "إليه" وليس المراد أصل البعث، لأنّ ذلك كان قد اشتهر في الملكوت الأعلى. وقيل: سألوه تعجبًا من نعمة الله عليه بذلك، واستبشارًا به. وقد علموا أن بشرًا لا يترقى إلَّا بإذن الله تعالى، وأن جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه. وقيل: الحكمة في سؤال الملائكة: وقد

ص: 307

بعث إليه؟ أن الله تعالى أراد إطلاع نبيه عليه الصلاة والسلام على أنه معروف عند الملأ الأعلى؛ لأنهم قالوا: أَوَبُعث إليه؟ فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع له، والاّ لكانوا يقولون: ومن محمد؟ مثلًا. ورواية شريك "أو قد بعث" تُؤيد الاحتمال الأول، لكنها من المواضع التي تعقبت عليه، ويأتي جميعها إن شاء الله تعالى.

وفي قول جبريل: محمد، دليل على أن الاسم أولى في التعريف من الكنية، ويؤخذ منه أن رسول الله رجل يقوم مقام إذنه؛ لأن الخازن لم يتوقف عن الفتح له، على الوحي إليه بذلك، بل عمل بلازم الإِرسال إليه. وقد أخرج المصنف في الأدب المفرد، وأبو داود والبيهقيّ عن سعيد بن أبي عَروبة "إذا دُعِي أحدكم، فجاء مع الرسول، فهو إذنه" وفي رواية عن أبي هريرة بلفظ "رسول الرجل إلى الرجل إذنه" وفي رواية مالك بن صعصعة زيادة "قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء" أي أصاب رحبًا وسعة، وكنى بذلك عن الإنشراح. واستنبط من ابن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام، وتعقب بأن قول المَلَك: مرحبًا به، ليس ردًا للسلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب. والسياق يرشد إليه. وقد نبه على ذلك ابن أبي جمرة، ووقع هنا أن جبريل قال له عند كل واحد منهم: سلّم عليه، قال: فسلمت عليه، فرد عليّ السلام. وفيه إشارة إلى أنه رآهم قبل ذلك.

وقوله: فإذا رجل قاعد عن يمينه أسْوِدة، وعن يساره أسْوِدة، بوزن أزمنة، وهي الأشخاص من كل شيء. وقوله: فقال مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح، قيل: اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة، وتواردوا عليها، لأن الصلاح صفة تشتمل خلال الخير، ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة، والصالح هو الذي يقوم بما يلزم من حقوق الله وحقوق العباد، فمن ثمّ كانت كلمة جامعة لمعاني الخير. وفي قول آدم "الابن الصالح" إشارة إلى افتخاره بأُبُوّة النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: قلت لجبريل: من هذا؟ ظاهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم: مرحبًا، ورواية مالك بن صعصعة عكس ذلك، وهي المعتمدة، فتحمل

ص: 308

هذه عليها، اذ ليس في هذه أداة ترتيب.

وقوله: هذا آدم، وفي رواية "هذا أبوك آدم". وقوله: نَسَم بنيه، بالتحريك جمع نسمة، وهي الروح. وحكى ابن التين أنه رواه بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف بعدها ميم، وهو تصحيف، وظاهره أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء، وهو مشكل. قال القاضي عياض: قد جاء أن أرواح الكفار في سجّين، وأن أرواح المؤمنين منعمة في الجنة. فكيف تكون مجتمعة في سماء الدنيا؟ وأجاب بأنه يحتمل أن تعرض على آدم أوقاتًا، فصادف وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن كونهم في النار إنما هو في أوقات قوله تعالى {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46]. واعترض بأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء، كما هو نص القرآن. والجواب عنه ما أبداه هو احتمالًا من أن الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار في جهة شماله. وكان يكشف له عنها.

قلت: كيف يصح هذا الاحتمال، مع ما هو الثابت في الأحاديث من أن الجنة فوق السموات، وأن سقفها عرش الرحمن، ومع ما هو في حديث شداد بن أوس "فإذا جهنم تكشف عن مثل الزّرابيّ، ووجدتها مثل الحَمّة السخنة". وزاد فيه أنه رآها في وادي بيت المقدس. ويحتمل أن يقال: إن النسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد، وهي مخلوقة قبل الأجساد، ومستقرها عن يمين آدم وشماله، وقد أعلم بما سيصيرون اليه، فلذلك كان يستبشر إذا نظر الى من عن يمينه، ويحزن إذا نظر الى من عن يساره، بخلاف التي في الأجساد، فليست مرادة قطعًا، وبخلاف التي انتقلت من الأجساد الى مستقرها من جنة أو نار، فليست مُرادة فيما يظهر، وبهذا يندفع الإيراد، ويعرف أن قوله "نسم بنيه" عامٌ مخصوص، أو أريد به الخصوص. ويحتمل أن يكون المراد بها مَن خرجت من الأجساد حين خروجها، قبل أن تكون مستقرة، ولا يلزم من رؤية آدم لها، وهو في السماء الدنيا، أن تفتح لها أبواب السماء، ولا تلجها.

ص: 309

وفي حديث أبي سعيد عند البيهقيّ ما يؤيده، ولفظه "فإذا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة، ونفس طيبة، اجعلوها في عِلِّيين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجّين". وفي حديث أبي هريرة عند الطبرانيّ والبزار "فإذا عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعن يساره باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر عن يمينه استبشر وإذا نظر عن يساره خزِن" فظهر من الحديثين عدم اللزوم المذكور، وهذا أوْلَى من الجمع السابق، ولو صح الحديثان لوجب المصير إليه، لكن سندهما ضعيف، وقوله: قال أنس، فذكر أنه وجد في السموات آدم الخ، هذه الرواية عن الزّهريّ من كون أبي ذَرٍّ لم يثبت منازلهم، وأن إبراهيم في السماء السادسة مخالفة لرواية أنس عن مالك بن صعصعة عند المؤلف، ولرواية ثابت عن أنس عند مسلم أن في الأولى آدم، وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم. ووقع في رواية شريك عن أنس أن إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة. وآخر في الخامسة وساقه، يدل على أنه لم يضبط منازلهم أيضًا، كما صرح به الزّهريّ، ورواية من ضبط أَوْلى، ولاسيما مع اتفاق قتادة وثابت، وقد وافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس، إلَّا أنه خالف في إدريس وهارون، فقال: هارون في الرابعة وإدريس في الخامسة. ووافقهم أبو سعيد، إلاّ أن في روايته: يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة، والأول أثبت، والثابت في الروايات غير رواية الزُّهريّ هذه، ورواية شريك في التوحيد أن إبراهيم في السابعة. فإن قلنا بتعدد المعراج، فلا تعارض. وإلاّ فالأرجح رواية الجماعة، لقوله فيها: إنه رآه مسندًا ظهره إلى البيت المعمور وهو في السابعة على الراجح.

وأما ما جاء عن علي من أنه في السادسة عند شجرة طوبي، فإن ثبت حمل على أنه البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبي، لأنه جاء عنه أن في كل سماء بيتًا يحاذي الكعبة، وكل منها معمور بالملانكة، وكذا القول فيما جاء عن الربيع بن أنس وغيره، إن البيت المعمور في السماء الدنيا، فإنه محمول على أول بيت يحاذي الكعبة من بيوت السموات، وقد جاء عن أنس مرفوعًا "أنه في

ص: 310

السماء الرابعة" وبه جزم المجد في "القاموس" وقيل: هو تحت العرش، وجاء عن الحسن ومحمد بن عباد بن جعفر أن البيت المعمور هو الكعبة، وقيل انه بناه آدم لما أُهبط إلى الأرض، أي بنته له الملائكة، ثم رفع زمن الطوفان، وكان هذا شبهة من قال إنه الكعبة، وأخرج الطبريّ عن قتادة قال: ذُكِر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة، لو خر لخر عليها، يدخله سبعون ألف ملك كل يوم، إذا خرجوا منه لم يعودوا". وقد روى إسحاق في مسنده، والطبري عن عليّ أنه سُئِل عن السقف المرفوع، فقال: السماء، وعن البيت المعمور، فقال: بيت في السماء بحيال البيت، حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ولا يعودون إليه. وعند مسلم عن أنس "ثم لا يعودون إليه أبدًا". وعند ابن إسحاق عن أبي سعيد "إلى يوم القيامة". وعند البزار عن أبي هريرة أنه رأى هناك أقوامًا بيض الوجوه، وأقوامًا في ألوانهم شيء، فدخلوا نهرًا فاغتسلوا، فخرجوا وقد خلصت ألوانهم. فقال له جبريل: هؤلاء من أمتك خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وعند الأُمويّ والبيهقيّ من رواية أبي سعيد: أنهم دخلوا معه البيت المعمور، وصلوا فيه جميعًا.

واستدل به على أن الملائكة أكثر الخلق، إذ لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه كل يوم سبعون ألفًا غير ما ثبت عن الملائكة في هذا الخبر، ولابن مردويه عن ابن عباس نحوه، وزاد "وفي السماء نهر يقال له نهر الحَيَوان، يدخله جبريل كل يوم، فينغمس ثم يخرج، فينتفض فيخر عنه سبعون ألف قطرة، يخلق الله من كل قطرة ملكًا، فهم الذي يصلون فيه، ثم لا يعودون إليه" وإسناده ضعيف. وقد روى ابن المنذر نحوه بدون ذكر النهر، من طريق صحيحة عن أبي هريرة، موقوفًا.

ويسمى البيت الضّريح والضُّراج بضم المعجمة وتخفيف الراء، ويقال بل هو اسم سماء الدنيا. وفي رواية مالك بن صعصعة "فلما خلصتُ إذا يوسف" زاد مسلم في رواية ثابت عن أنس "فإذا هو قد أعطي شطر الحُسن" وفي حديث أبي سعيد عند البيهقيّ وأبي هُريرة عند أبي عائذ والطبرانيّ فإذا أنا برجل أحسن

ص: 311

ما خلق الله تعالى، قد فَضَل الناس بالحسن، كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب" وهدا ظاهره أن يوسف عليه السلام كان أحسن من جميع الناس، لكن روى التِّرمذيّ من حديث أنس "ما بعث الله نبيًا إلاّ حسن الوجه، حسن الصوت، وكان نيكم أحسنهم وجهًا، وأحسنهم صوتًا" فعلى هذا فيحمل حديث المعراج على أن المراد غير النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قول من قال إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه. وحمل ابن المنير حديث الباب على أن المراد أن يوسف أُعطي شطر الحسن الذي أُوتيه نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقد اختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه بها فقيل: ليظهر تفاضلهم في الدرجات، وقيل: لمناسبة تتعلق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء، فقيل: أُمروا بملاقاته، فمنهم من أدركه في أول وهلة، ومنهم من تأخر فلحق، ومنهم من فاته، وهذا زيّفه السهيليّ وأصاب. وقال السهيليّ وابن أبي جمرة: الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين الإشارة إلى ما سيقع له عليه الصلاة والسلام مع قومه، من نظير ما وقع لكل منهم، فأما آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة، وكراهة فراق ما ألفه من الوطن، ثم كان مآل كل منهما أن يرجع إلى موطنه الذي أُخرج منه. وكان في السماء الدنيا؛ لأنه أول الأنبياء، وأول الآباء، وهو أصل، فكان أولًا في الأُولي، ولتأنيس النبوة بالأُبوة.

ونبه بعيسى ويحيى على ما وقع له في أول الهجرة من عداوة اليهود، وتماديهم على البغى عليه، وإرادتهم وصول السوء إليه، كما فعلوا مع عيسى من إرادة قتله، ومع يحيى. ذبحوه، وكان عيسى بالثانية أيضًا لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من محمد.

ونبه بيوسف ما وقع له من إخوته من قريش، في نصبهم الحرب له، وإرادتهم هلاكه، وكائت العاقبة له، وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح "أقول كما قال يوسف: لا تثريب عليكم". وكان في الثانية لأنّ أمة محمد تدخل

ص: 312

الجنة على صورته.

ونبه بإدريس عدى رفع منزلته عند الله تعالى، وكان في الرابعة لقوله تعالى {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] والرابعة من السبع وسط معتدل.

ونبه بهرون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه، فكانوا يؤثرونه على موسى، فكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، حتى صار محببًا عند سائر الخلق، وكان في الخامسة لقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله.

ونبه بموسى على ما وقع له من معالجة قومه، وقد أشار إلى ذلك بقوله "لقد أُوذي موسى بأكثر من هذا فصبر" وعلى ما آل إليه أمره من قهر الجبابرة، وإخراجهم من أرضهم، فكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام حاله مثل ذلك حيث فتح مكة، وقهر المتجبرين المستهزئين من قريش. وكان في السادسة لتفضيله بكلام الله تعالى.

ونبه بإيراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلم في آخر عمره، من إقامة مَنْسك الحج، وتعظيم البيت، ولأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم أنس بلقيه، لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضًا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته، فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى، وأبدى ابن المنير في مناسبة لقاء إبراهيم في السماء السابعة معنى لطيفًا، وهو ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في السنة السابعة، وطوافه بالبيت، ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه السنة، بل قصدها في السنة السادسة، فصدوه عن ذلك كما يأتي بسطه، إن شاء الله تعالى، في كتاب الشروط.

ثم قال: فلما مرَّ جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس الباء الأولى للمصاحبة والثانية للإلصاق، أو بمعنى علي، وقوله: ثم مررت بموسى، في رواية مالك بن صعصعة "فلما تجاوزت بكى قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي" وفي رواية شريك عن

ص: 313

أنس "لم أظن أحدًا يرفع عليّ" وفي حديث أبي سعيد "يزعم بنو إسرائيل أنه أكرم على الله، وهذا أكرم على الله مني" زاد الأموي في روايته "ولو كان هذا وحده هان عليّ، ولكن معه أمته، وهم أفضل الأمم عند الله" وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أنه مرَّ بموسى عليه السلام، وهو يرفع صوته فيقول: أكرمته وفضلته. فقال جبريل: هذا موسى، فقلت: ومن يعاتب؟ فقال: يعاتب ربه فيك. قلت: ويرفع صوته على ربه؟ فقال: إنه قد عرف له حدته".

وفي حديث ابن مسعود عند الحارث وأبي يعلى والبزار "وسمعت صوتًا وتَذَمُّرًا، فسألت جبريل فقال: هذا موسى. قلت: على من تَذَمُّره؟ قال: على ربه، قلت: على ربه؟ قال: إنه يعرف ذلك منه". قال العلماء: لم يكن بكاء موسى حَسَدًا، معاذ الله، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع من آحاد المؤمنين، فكيف بمن اصطفاه الله تعالى؟ بل كان أسفًا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة، بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة، المقتضية لتنقيص أجورهم، المستلزمة لتنقيص أجره، لأن لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه، ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من أَتبع نبينا عليه الصلاة والسلام، مع طول مدتهم بالنسبة لهذه الأمة.

وأما قوله: غلام، فليس على سبيل النقص، بل على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه، إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدًا قبله ممن هو أسنّ منه. قال الخطابيّ: العرب تسمي الرجل المستجمع السن غلامًا، ما دامت فيه بقية القوة، ويظهر أن موسى عليه السلام أشار إلى ما أنعم الله به على نبينا، عليه الصلاة والسلام، من استمرار القوة في الكهولية، وإلى أن دخل في سن الشيخوخة، ولم يدخل على بدنه هرم، ولا اعترى قوله نقص، حتى إن الناس في قدومه المدينة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، من حديث أنس، لما رأوه مُردفًا أبا بكر أطلقوا عليه اسم الشاب، وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه في العمر أسن من أبي بكر.

وقوله: مررت بعيسى ليست "ثم" على بابها في الترتيب، إلَّا إن قيل بتعدد

ص: 314

المعراج، إذ الروايات متفقة على أن المرور به كان قبل المرور بموسى. وقوله: ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح، كل الأنبياء قالوا: بالأخ الصالح حتى إدريس، إلَّا آدم وإبراهيم. وفي هذا دليل قويّ على أن إدريس ليس من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون نوحًا عليه السلام خارجًا منه.

وقال ابن أبي الفضل: صحت لي طريق أنه خاطبه فيها بالابن الصالح، وفي حديث أبي سعيد:"فإذا أنا بإبراهيم، خليل الرحمن مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، كأحسن الرجال". وفي حديث أبي هريرة عند الطبريّ "فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسيّ" وللمؤلف من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله تعالى عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لما كذبني قريش قمت في الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا انظر إليه".

قوله: لما كذبني قريش، في رواية الكشميهنى "كذبتني" بزيادة مثناة، وكلاهما جائز، وقد وقع بيان ذلك في طرق أخرى، فروى البيهقيّ في الدلائل عن أبي سلمة قال: افتُتن ناس كثير عقب الإسراء، فجاء ناس إلى أبي بكر، فذكروا له، فقال: أشهد أنه صادق. فقالما: وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة، ثم رجع إلى مكة؟ قال: نعم، إني أُصدقه بأبعد من هذا، أُصدقه بخبر السماء، فسمي بذلك الصِّدِّيق. قال: سمعت جابرًا يقول: فذكر الحديث، وعند أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما كان ليلة أُسري بي، وأصبحت بمكة، مرَّ بي عدو الله أبو جهل فقال: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أُسري بي الليلة إلى بيت المقدس، قال: ثم أصبحتَ بين أظهرنا؟ قال: نعم. قال: فإن دعوتُ قومكَ أتحدثهم بذلك؟ قال: نعم. قال: يا معشر بني كعب بن لؤي، قال: فانفضت إليه المجالس حتى جاءوا إليهما، فقال: حدث قومك بما حدثتني، فحدثتهم. قال: فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه متعجبًا. قالوا: وتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟

الحديث.

ص: 315

وقوله: فجلى الله لي بيت المقدس، قيل: معناه كشف الله الحجب بيني وبينه حتى رأيته. وعند مسلم عن أم سلمة قال: فسألوني عن أشياء لم أُثبتها، فكُربت كربًا لم أكرب مثله قط، فرفع الله لي بيت المقدس انظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلَّا نبأتهم به. ويحتمل أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه، ثم أعيد. وفي حديث ابن عباس المذكور "فجيء بالمسجد وأنا انظر إليه، حتى وضع عند دار عقيل، فنعتُّهُ وأنا انظر إليه، وهذا أبلغ في المعجزة، ولا استحالة فيه، فقد أُحضر عرش بلقيس في طَرْفة عَيْن لسليمان، وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه، وما ذلك في قدرة الله بعزيز.

وفي حديث أم هانىء عند ابن سعد "فخيّل لي بيت المقدس، فطفقت أُخبرهم عن آياته"، فإن لم يكن مغيرًا من قوله "فجلى" وكان ثابتًا احتمل أن يكون المراد أنه مثل قريبًا منه، كما مرَّ نظيره في حديث "أريت الجنة والنار" ويؤول قوله: فجيء بالمسجد، أي جيء بمثاله. وفي حديث شداد بن أوس عند البزار والطبرانيّ ما يؤيد الاحتمال الأول، ففيه: ثم مررت بعيرٍ لقريش، فذكر القصة، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح، فأتاني أبو بكر فقال: أين كنت الليلة؟ فقلت: إني أتيت بيت المقدس، فقال: إنه مسيرة شهر، فصفه لي. قال: ففتح لي شِراك كأني أنظر إليه، لا يسألني عن شيء إلَّا أنبأته عنه". وفي حديث أم هانىء أيضًا أنهم قالوا له:"كم للمسجد بابٌ؟ قال: ولم أكن عددتها، فجعلت انظر إليه وأعدها بابًا بابًا". وفيه عند أبي يعلى أنه الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المُطْعِم بن عديّ، ولد جبير بن مطعم. وفيه من الزيادة "فقال رجل من القوم: هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا؟ قال: نعم والله قد وجدتهم قد أضلوا بعيرًا لهم، فهم في طلبه، ومررت بإبل بني فلان، انكسرت لهم ناقة حمراء. قالوا: فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاة؟ قال: كنت عن عدتها مشغولًا، فقامَ فأتى الإبل فعدها، وعلم ما فيها من الرعاة، ثم أتى قريشًا فقال: هي كذا وكذا، وفيها من الرعاة فلان وفلان، فكان كما قال".

وقد مرَّ في بحث الترجمة ما ذكره ابن أبي جمرة من الحكمة في تقديم

ص: 316

الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء، وما ذكره غيره. ووقع في غير هذه الرواية التي عند المؤلف بيان ما رآه ليلة الإسراء، فمن ذلك ما وقع عند النَّسائيّ من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أُتيتُ بدابة فوق الحمار، ودون البغل

الحديث" وفيه: "فركبت ومعي جبريل، فسرت فقال: أنزل فصَلِّ ففعلتُ. فقال: أتدري أين صليت؟ صليتَ بطيبة". واليها المهاجَرة، بفتح الجيم. وفي حديث شداد بن أوس عند البزار والطبرانيّ أنه أول ما أُسري به مر بأرض ذات نخل، فقال له جبريل: إنزل فصلِّ فنزلَ فصلى فقال: صليتَ بيثرب. ثم قال في روايته "ثم قال: أنزل فصلِّ" مثل الأول، قال: صليتَ بطُور سيناء حيث كلّم الله موسى. ثم قال: أنزل فذكر مثله. قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى. وقال في رواية شداد بعد قوله يثرب: ثم مرَّ بأرض بيضاء فقال: أنزل فصل، فقال: صليت بمَدْيَن وفيه أنه دخل المدينة من بابها اليمانيّ فصلى في المسجد. وفيه أنه مر في رجوعه بعِيرٍ لقريش، فسلّم عليهم فقال بعضهم: هذا صوت محمد. وفيه أنه أعلمهم بذلك، وأن عِيرهم تَقْدُم في يوم كذا، فقدمت الظهر يقدمهم الجمل الذي وصفه.

وعند البيهقيّ في الدلائل عن أنس أنه مرَّ بشيء يدعوه متنحيًا عن الطريق، فقال له جبريل: سر، وإنه مرَّ بعجوز فقال: ما هذه؟ فقال: سر، وإنه مرَّ بجماعة فسلموا، فقال جبريل: اردد عليهم. وفي آخره فقال له: الذي دعاك إبليس، والعجوز الدنيا، والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى. وعند الطبرانيّ والبزار عن أبي هريرة أنه مرَّ بقوم يزرعون ويحصدون، كلما حصدوا عاد كما كان، قال جبريل: هؤلاء المجاهدون. ومرَّ بقوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت، قال: هؤلاء الذين تثاقل رؤوسهم عن الصلاة. ومرَّ بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالأنعام، قال هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة، ومرَّ بقوم يأكلون لحمًا نِيًا خبيثًا، ويدعون لحمًا نضيجًا طيبًا قال: هؤلاء الزُّناة. ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها، ثم هو يضم إليها غيرها، قال: هذا الذي عنده الأمانة

ص: 317