الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: الشرك في الألوهية:
هو: أن يجعل لله شريك في العبادة، أو في نوع منها بالاعتقاد، أو القول أو العمل (1) ومن ذلك ما يلي:
1) شرك الدعاء:
يقول ابن تيمية: " لفظ الدعاء أو الدعوة في القرآن يتناول معنيين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة "(2). ويقول ابن رجب: " فتارة يكون الدعاء بالسؤال من الله عز وجل، والابتهال إليه، كقول الداعي: اللهم اغفر لي. . . . وتارة يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب، وهو الاشتغال بطاعة الله وذكره، وما يجب من عبده أن يفعله. . . "(3). من كلام ابن تيمية، وابن رجب اتضح أن الدعاء قسمان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة. وعليه فالشرك في الدعاء يكون في دعاء العبادة، ويكون في دعاء المسألة.
(1) انظر: مجموع الفتاوى ج 1 ص 74، 91، والإرشاد لابن سعدي ص 205.
(2)
مجموع الفتاوى ج 10 ص 237 - 238.
(3)
فتح الباري لابن رجب ج 1 ص 20.
أ) الشرك في دعاء العبادة:
المراد بدعاء العبادة: هو عبادة الله بأنواع العبادات، كالصلاة، والصيام، والذبح، والنذر وغيرها مما شرعه الله لعباده، وأمرهم به لنيل الثواب والسلامة من العقاب.
وإن لم يكن في ذلك صيغة سؤال وطلب. وسمي دعاء؛ لأنه سائل لما يطلبه بامتثال الأمر. فهو سؤال بلسان الحال والمراد بالشرك في دعاء العبادة: هو صرف شيء من العبادات لغير الله، كالسجود لغير الله، والتقرب بالذبائح والنذور لغيره سبحانه، وكذا من خاف أحدا كما يخاف الله، أو رجاه كما يرجو الله، ونحو ذلك
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (1).
يقول القرطبي: " الآية أصل في خلوص الأعمال لله تعالى. . . . "(2).
وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (3).
(1) سورة النساء الآية 36
(2)
تفسير القرطبي ج 5 ص 180.
(3)
سورة غافر الآية 14
يقول ابن تيمية: " وقوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1) هو دعاء العبادة، والمعنى: اعبدوه وحده، وأخلصوا عبادته لا تعبدوا معه غيره "(2).
ب) الشرك في دعاء المسألة:
دعاء المسألة: هو طلب جلب منفعة، أو دفع مضرة بصيغة السؤال والطلب (3) والمراد هنا: هو ما يصدر من العبد من توجه بالقلب واللسان طالبا خيرا، أو دفع ضر لا يقدر عليه إلا الله (4) والواجب أن يكون لله وحده لا شريك له، إذ هو المالك للنفع والضر (5)
قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} (6).
وبما أنه ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن دعاء الله عبادة له، فيكون صرفه لغير الله شركا فإذا توجه الداعي إلى غير الله فإما أن
(1) سورة غافر الآية 14
(2)
مجموع الفتاوى لابن تيمية ج 15 ص 13.
(3)
انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية ج 10 ص 240.
(4)
انظر: تيسير العزيز الحميد ص 180، ورسالة الشرك ومظاهره ص 186، وتصحيح الدعاء ص 237.
(5)
انظر: بدائع الفوائد ج 3 ص 2، ورسالة التوحيد للدهلوي ص 55، وتفسير ابن سعدي ج 3 ص 186.
(6)
سورة يونس الآية 106
يكون حيا أو ميتا، إن كان ميتا: فهو شرك على إطلاقه، كمن يتوجه إلى صاحب قبر، وإن كان حيا وليس في مقدور العبد فهو شرك
قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (2).
وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (3)
يقول ابن جرير ". . . . فإن فعلت ذلك فدعوتها من دون الله {فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (4). يقول من المشركين بالله الظالم لنفسه "(5).
(1) سورة فاطر الآية 13
(2)
سورة فاطر الآية 14
(3)
سورة يونس الآية 106
(4)
سورة يونس الآية 106
(5)
تفسير ابن جرير ج 11 ص 122، وانظر تفسير ابن سعدي ج 4 ص 186، وروح المعاني ج 11 ص 199.
والاستعاذة والاستغاثة من نوع الدعاء، كما قال شيخ الإسلام (1)
وعليه فمن استعاذ أو استغاث بميت أو غائب أو بحي فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك وكذلك من اتخذ وسائط (2) بينه وبين الله يدعوهم مع الله، أو من دون الله لجلب نفع أو دفع ضر. مثل ما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على القبور، فإن هذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين
2) شرك الطاعة:
وهو طاعة غير الله في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله
(1) مجموع الفتاوى ج 15 ص 227.
(2)
من الملائكة، أو الأنبياء، أو الأولياء أو غيرهم.
(3)
سورة يونس الآية 18
عن رضى واطمئنان قلب، مع العلم بأن ذلك الغير مخالف لما شرعه الله. فيعتقد تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله اتباعا له (1)
قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (2) الآية.
يقول الطبري (3) في تفسير هذه الآية: " عن عدي بن حاتم قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . وانتهيت إليه وهو يقرأ: قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم، فقال: " أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم (5)»
وقال ابن تيمية بعد أن ذكر هذه الآية: " وكان من إشراكهم بهم:
(1) انظر مجموع الفتاوى ج 7 ص 70، وأضواء البيان ج 4 ص 83 - 84، ومجموعة التوحيد ص 8.
(2)
سورة التوبة الآية 31
(3)
جامع البيان ج 10 ص 80 - 81.
(4)
رواه الترمذي في التفسير، باب: ومن سورة براءة، وأورده القرطبي في تفسيره ج 8 ص 120، والسيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 230، وقال: أخرجه ابن سعد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه. . . عن عدي بن حاتم، ثم ذكر الحديث. وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، باب: فساد التقليد ج 2 ص 109 وابن الأثير في جامع الأصول برقم 651.
(5)
سورة التوبة الآية 31 (4){اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}
أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم " (1)
يقول ابن كثير: " وقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (3) أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك. . . "(4).
وقال الشنقيطي - بعد أن ذكر الآية -: " فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم "(5)
3) شرك المحبة:
وهو محبة المخلوق لغير الله كما يحب الله، وذلك بأن يحب غير الله محبة العبودية المقرونة بالرجاء والخوف، والمستلزمة لكمال الذل والطاعة للمحبوب. كمحبة المشركين لآلهتهم. وهو الشرك الذي قال الله فيه:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (6)(7)
(1) اقتضاء الصراط المستقيم ج 2 ص 376، وانظر: أضواء البيان ج 4 ص 83.
(2)
سورة الأنعام الآية 121
(3)
سورة الأنعام الآية 121
(4)
تفسير ابن كثير ج 2 ص 171.
(5)
أضواء البيان ج 4 ص 83.
(6)
سورة البقرة الآية 165
(7)
انظر: مجموع الفتاوى ج 1 ص 91 - 92. والجواب الكافي ص 132. والإرشاد للفوزان ص 60 - 61.