الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله. . . "
الثالث: كفر الإباء والاستكبار:
تعريفه: الإباء: الامتناع (1) والاستكبار: الاستعظام للنفس (2)
والمراد بكفر الإباء والاستكبار هو: الامتناع عن الانقياد لأمر الله، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم إباء واستكبارا، مع معرفة أنه حق. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا، فصار من الكافرين وإن كان مصدقا "(3) وقال أيضا: " وإنما الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه "(4).
ويقول ابن القيم: " وأما كفر الإباء والاستكبار فنحو كفر إبليس. . . . ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالحق
(1) يقال: أبى الرجل يأبى إباء: امتنع، انظر: المصباح المنير ص 1، وتفسير الطبري ج 1 ص 181.
(2)
انظر: تفسير القرطبي ج 1 ص 337، وفتح القدير ج 1 ص 66.
(3)
الصارم المسلول ص 510.
(4)
درء تعارض العقل والنقل ج 1 ص 242.
من عند الله، ولم ينقد له إباء واستكبارا. . . " (1)
أمثلته:
1 -
كفر إبليس عندما لم ينقد لأمر الله له بالسجود لآدم استكبارا، قال تعالى:{إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (2).
2 -
كفر الذين صدقوا الرسل بقلوبهم، ولم يتبعوهم عنادا واستكبار، كفرعون وقومه قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (3).
3 -
كفر من عرف صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباء واستكبارا، كاليهود الذي شهدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، واستكبروا عن اتباعه؛ لأنه لم يكن من بني إسرائيل، وكمن امتنع من قبول حكم معلوم من الدين بالضرورة، ورفض الانقياد له استكبارا، مثل من ترك الصلاة ونحوها استكبارا
(1) مدارج السالكين ج 1 ص 337.
(2)
سورة البقرة الآية 34
(3)
سورة النمل الآية 14
الأدلة كثيرة منها ما يلي:
1 -
قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (1).
يقول ابن جرير: " وتأويل قوله: (أبى): يعني - جل ثناؤه - بذلك إبليس أنه امتنع من السجود لآدم. . . (واستكبر): يعني بذلك أنه تعظم وتكبر عن طاعة الله في السجود لآدم، وهذا - وإن كان من الله جل ثناؤه خبرا عن إبليس - فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقياد لطاعته فيما أمرهم به، وفيما نهاهم عنه. . . ثم وصف إبليس بمثل الذي وصف به الذين ضربه لهم مثلا في الاستكبار. . . . فقال جل ثناؤه: (وكان) يعني إبليس (من الكافرين). . . بخلافه عليه فيما أمره به من السجود لآدم. . . "(2)
ويقول القرطبي: " قوله تعالى: واستكبر الاستكبار: الاستعظام فكأنه كره السجود في حقه، واستعظمه في حق آدم، فكان ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته. وعن هذا الكبر عبر عليه السلام بقوله:«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر (3)» .
(1) سورة البقرة الآية 34
(2)
تفسير الطبري ج 1 ص 180 - 181.
(3)
صحيح مسلم الإيمان (91، 91)، سنن الترمذي البر والصلة (1998، 1998)، سنن أبي داود اللباس (4091، 4091)، سنن ابن ماجه الزهد (4173، 4173)، مسند أحمد (1/ 451، 1/ 451).
ومعنى بطر الحق: تسفيهه وإبطاله. وغمط الناس: الاحتقار لهم، والازدراء بهم. ويروى: وغمص بالصاد، والمعنى واحد. . . وقد صرح اللعين بهذا المعنى فقال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (2)، {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (3). {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (4)، فكفره الله بذلك، فكل من سفه شيئا من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم كان حكمه حكمه، وهذا ما لا خلاف فيه " (5)
2 -
إجماع العلماء على كفر من امتنع عن الانقياد لأمر الله، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم استكبارا، وقد حكى هذا الإجماع جمع من العلماء.
(1) رواه مسلم في الإيمان باب تحريم الكبر، وأبو داود برقم 4091، والترمذي برقم 1999، وانظر: جامع الأصول حديث 8210 (المتن والحاشية).
(2)
سورة الأعراف الآية 12
(3)
سورة الإسراء الآية 61
(4)
سورة الحجر الآية 33
(5)
تفسير القرطبي ج 1 ص 337 - 338.
يقول إسحاق بن راهويه: " وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا أنزله الله. . . وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر. . . "(1)
وقال ابن تيمية: " إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه، أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم، وأبى أن يذعن لله، وينقاد فهو إما جاحد أو معاند، ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبرا كإبليس كفر بالاتفاق "(2)
وقال أيضا - وهو يتكلم عن حكم تارك الصلاة - ". . . والثاني: ألا يجحد وجوبها، لكنه ممتنع من التزام فعلها كبرا أو حسدا أو بغضا لله ورسوله فيقول: أعلم أن الله أوجبها على المسلمين، والرسول صادق في تبليغ القرآن، ولكنه ممتنع عن التزام الفعل استكبار أو حسدا للرسول، أو عصبية لدينه، أو بغضا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا أيضا كافر بالاتفاق. . . "(3)(4)
(1) التمهيد لابن عبد البر ج 4 ص 226.
(2)
الصارم المسلول ص 521.
(3)
مجموع الفتاوى ج 20 ص 97.
(4)
كما حكاه القرطبي في تفسيره ج 1 ص 338، ومحمد رشيد رضا في تفسيره ج 1 ص 266.