المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: فتنة الدجال، وكيف نتقيها - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الرحل المغفلة أكثر من ستة أشهر والتي لا تستعمل إلا نحو اليوم واليومين

- ‌أخذ الذهب والفضة عن الجذعة

- ‌قوله: وإذا كان النصاب كله ذكورا

- ‌زكاة العدايل

- ‌تفريق الماشية، أو خلطها خوفا من الزكاة لا يجوز

- ‌إذا كانت على مياه متباعدة

- ‌الخلطة ليست في النخل، وإذا كان له أملاك في أماكن متفرقة

- ‌النقود المعدة لإنشاء مشروع لا يؤثر فيها الخلطة

- ‌باب زكاة الحبوب والثمار

- ‌في العنب زكاة، ويجب خرصه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم الزكاة في الأراضي الزراعية

- ‌الأراضي التي يمتلكها الناسلا تخلو من حالين بالنسبة لوجوب الزكاة

- ‌المساكن المعدة للسكنى لا زكاة فيها

- ‌ الزكاة في غلة ما أعد للإيجارمن دور وعمائر ومحلات إذا حال عليها الحول

- ‌حكم الزكاة على السيارات المعدة للنقل

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ ترديد السورة الواحدة في الصلاة

- ‌ الصلاة على الجنازة فرض كفاية

- ‌ ليس على المرأة أذان ولا إقامة

- ‌ صفة سجود الشكر

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌المساجد التي تبنيها دولة كافرة لشعبها

- ‌استخدام الكفار لبناء المساجد

- ‌شراء الكنيسة لتكون مسجدا

- ‌الصلاة في الكنائس

- ‌الصلاة عند أهل الكتاب

- ‌البحوث

- ‌تمهيد: في تعريف النواقض، وأنواعها، وما يترتب عليها

- ‌المبحث الأول: الشرك الأكبر:

- ‌تعريفه:

- ‌حكمه:

- ‌أنواعه:

- ‌الأول: الشرك في الربوبية:

- ‌الثاني: الشرك في الأسماء والصفات:

- ‌الثالث: الشرك في الألوهية:

- ‌المبحث الثاني: الكفر الأكبر:

- ‌تعريفه:

- ‌حكمه:

- ‌أنواعه:

- ‌الأول: كفر التكذيب:

- ‌الثاني: كفر الجحود:

- ‌الثالث: كفر الإباء والاستكبار:

- ‌الرابع: كفر الإعراض:

- ‌الخامس: كفر الشك

- ‌السادس: كفر الاستهزاء بشيء من دين الله:

- ‌السابع: كفر البغض والكراهية لشيء من دين الله:

- ‌الثامن: كفر الخروج عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌التاسع: الخروج عن شريعة الله باعتقاد أن حكم غير الله أفضل من حكمه

- ‌العاشر: الكفر بتعلم السحر الموجب للكفر والعمل به:

- ‌الحادي عشر: مظاهرة الكفار على المسلمين:

- ‌المبحث الثالث: النفاق الأكبر:

- ‌تعريفه:

- ‌أنواعه:

- ‌حكمه:

- ‌الأدلة:

- ‌الخاتمة:

- ‌المسيح الدجال

- ‌المبحث الأول: تعريف عام بالدجال:

- ‌المطلب الأول: اسم الدجال وصفاته:

- ‌المطلب الثاني: مكان وزمان خروج الدجال، والبقاع المحرم عليه دخولها:

- ‌المطلب الثالث: فتنة الدجال، وكيف نتقيها

- ‌المطلب الرابع: مدة مكثه في الأرض، وأتباعه، ونهايته:

- ‌المبحث الثاني: اختلاف حول الدجال:

- ‌المطلب الأول: هل الدجال حقيقة أم خرافة

- ‌المطلب الثاني: حياة الدجال ووجوده الآن

- ‌المطلب الثالث: مقارنة بين ابن صياد والدجال، وأقوال العلماء في ذلك:

- ‌الخاتمة

- ‌أحكام زيارة القبور

- ‌المبحث الأول: تعريف المقابر:

- ‌المبحث الثاني: تعريف الزيارة:

- ‌المبحث الثالث: حكم زيارة المقابر للرجال:

- ‌المبحث الرابع: حكم زيارة القبور للنساء:

- ‌المبحث الخامس: حكم السفر من أجل زيارة القبور:

- ‌المبحث السادس: حكم زيارة قبور الكفار:

- ‌المبحث السابع: حكم زيارة القبور المكذوبة والمظنونة:

- ‌المبحث الثامن: بيان المواسم والأعياد المحدثة في زيارة القبور:

- ‌المبحث التاسع: وقت زيارة القبور:

- ‌المبحث العاشر: صفة الزيارة الشرعية:

- ‌الخاتمة:

- ‌فصل الخطاب في حكم الحجاب

- ‌المطلب الأول: تعريف الحجاب لغة واصطلاحا:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الوجه لغة واصطلاحا:

- ‌المطلب الثالث: تعريف بعض الألفاظ ذات الصلة:

- ‌المبحث الأول: حكم حجاب وجه المرأة في الصلاة، وفي حال الإحرام:

- ‌المطلب الأول: حكم حجاب وجه المرأة في الصلاة:

- ‌المطلب الثاني: حكم حجاب وجه المرأة في حال الإحرام:

- ‌المبحث الثاني: حكم حجاب المرأة خارج الصلاة:

- ‌المطلب الأول: تحرير محل النزاع

- ‌أولا: تحرير محل النزاع:

- ‌ثانيا: ذكر أقوال العلماء في المسألة:

- ‌المطلب الثاني: ذكر أدلة كل قول مع المناقشة والترجيح

- ‌أولا: أدلة القول الأول:

- ‌أولا: أدلتهم من الكتاب:

- ‌ثانيا: الأدلة التي تدل على وجوب ستر الوجه من السنة

- ‌ثالثا: دليل الإجماع على وجوب ستر وجه المرأة مطلقا

- ‌رابعا: دليل المعقول على وجوب تغطية الوجه:

- ‌ثانيا: أدلة القول الثاني:

- ‌المطلب الثالث: سبب الخلاف عند العلماء المتأخرين

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

- ‌شروط نشر البحوث بمجلة البحوث الإسلامية

الفصل: ‌المطلب الثالث: فتنة الدجال، وكيف نتقيها

(1) الفتح الرباني (24/ 76)، وقال ابن حجر في الفتح (13/ 15):" أخرجه أحمد، ورجاله ثقات ".

ص: 186

‌المطلب الثالث: فتنة الدجال، وكيف نتقيها

؟ وماذا نفعل إذا وقعت؟

فتنة الدجال:

من أعظم الفتن التي تمر على الناس أجمع فتنة الدجال، لذلك كان خروجه من أشراط الساعة الكبرى، وفي صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال "، في رواية: " أمر أكبر من الدجال (1)» بل إنه - ذكر - أن فتنة الدجال قريبة في شدتها من فتنة القبر - أعاذنا الله منهما - ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء لم أكن أريته إلا أريته في مقامي هذا، حتى رأيت الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم

(1) صحيح مسلم بشرح النووي (18/ 86)، كتاب الفتنة، باب في بقية من أحاديث الدجال.

ص: 186

تفتنون في قبوركم مثل أو قريب من فتنة المسيح الدجال (1)» لذلك كان كل نبي ينذر أمته الأعور الدجال؛ مخافة أن يخرج فيهم؛ إذ هو من أشراط الساعة الكبرى، والساعة لا يعلم وقتها إلا الله تعالى، لذلك كان كل نبي ينذره قومه، وكان محمد صلى الله عليه وسلم من أشدهم تحذيرا وبيانا لصفته، وبيانا لما يجري على يديه من فتن وخوارق تضل الناس، ومن هذه الفتن:

1 -

جنته وناره:

فالدجال معه جنة ونار، أو معه ما يشبه نهرا من ماء، ونهرا من نار، وواقع الأمر ليس كذلك كما يبدو للناس؛ فإن الذي يرونه نارا إنما هو ماء بارد. وحقيقة الذي يرونه ماء باردا نار.

ففي صحيح مسلم، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار (2)»

وفي صحيح البخاري، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال:«إن معه ماء ونارا، فناره ماء بارد، وماؤه نار (3)»

(1) صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل (1/ 288) من فتح الباري.

(2)

صحيح مسلم بشرح النووي (18/ 62).

(3)

صحيح البخاري كتاب الفتن، باب ذكر الدجال (13/ 90) فتح).

ص: 187

وقيل: كيف تكون ماؤه نارا، وناره ماء. . أهو على الحقيقة أم على سبيل التخييل؟!!!

قال ابن حجر: " إما أن يكون الدجال ساحرا فيخيل الشيء بصورة عكسه، وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارا، وباطن النار جنة. وهذا الراجح. وإما أن يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة، وعن المحنة والنقمة بالنار، فمن أطاعه فأنعم عليه بجنته يؤول أمره إلى دخول نار الآخرة وبالعكس، ويحتمل أن يكون ذلك من جملة المحنة والفتنة، فيرى الناظر إلى ذلك من دهشته النار فيظنها جنة وبالعكس "(1)

2 -

استجابة الجماد والحيوان لأمره:

من فتنته التي يمتحن الله بها عباده أنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويدعو البهائم فتتبعه، ويأمر الخرائب أن تخرج كنوزها المدفونة فتستجيب، ومعه من جبال الخبز والطعام الوفير ما يكون فتنة للناس، خاصة مع فقرهم وحاجتهم وجدب الأرض وقحطها، فمن فتنته من أطاعه أمطر له السماء، وأنبت له الأرض، وأطعمه وأغناه، ومن عصاه وكذبه كان أحوج وأعوز ما يكون.

(1) انظر: فتح الباري (13/ 99).

ص: 188

وفي حديث النواس بن سمعان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأمرهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل (1)»

3 -

سرعته في الأرض ووطؤه بقاعها إلا ما حرم عليه فيها، وفي الحديث:«قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: " كالغيث استدبرته الريح (2)»

4 -

استعانته بالشياطين في التمثل بصور أشخاص ماتوا، يزعم أنه يحييهم، كما سيأتي معنا في حديث الأعرابي، وفتنته له بزعمه أنه يحيي أمه وأباه وهو كاذب، وإنما هما شيطانان تصورا بصورة أبيه وأمه.

5 -

فتنته في الإحياء والإماتة:

قتله ذلك الشاب القوي الإيمان الذي يخرج للدجال، ويجهر بكذب الدجال، وبطلان الربوبية، فيشقه الدجال جزلتين يمشي بينهما، ثم يعيده مرة أخرى، فيقول الشاب: ما ازددت فيك إلا بصيرة

(1) صحيح مسلم شرح النووي (18/ 66).

(2)

صحيح مسلم شرح النووي (18/ 66).

ص: 189

وأنك أنت الأعور الدجال، فيذهب ليضرب عنقه فلا يستطيع، فيقذف به في نار الدجال، فيحسب الناس إنما قدمه إلى نار حقيقية، وإنما ألقي في الجنة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر خبره:«هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين (1)»

هذه الفتنة العظيمة للدجال هي من أول أشراط الساعة الكبرى؛ إذ الأشراط الكبرى على قسمين:

1 -

أمارات للساعة تدل على قربها كالدجال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف.

2 -

وأمارات تدل على حصولها، وبها يغلق باب التوبة، وأولها طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والدخان، والنار التي تحشر الناس (2)

ولم يرد حديث يرتب لنا أشراط الساعة، بل ذكرت أحاديث كثيرة تجمع بين بعضها حينا، وتفرق أخرى (3) وفي بعض الأحاديث ذكرت بعض الأشراط، ووصفتها بأنها أول الأشراط أو آخرها. من

(1) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (18/ 66)، وانظر: القيامة الصغرى للأشقر (237 - 241) باختصار وتصرف، أشراط الساعة للوابلي (313).

(2)

انظر: فتح الباري (11/ 352) بتصرف، والقيامة الصغرى للأشقر (127).

(3)

انظر: صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب الآيات التي تكون قبل الساعة.

ص: 190

ذلك ما روى مسلم في صحيحه، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:«اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: " ما تذاكرون "؟ قالوا: نذكر الساعة: قال: " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات " فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس، من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم (1)»

وورد في طلوع الشمس من مغربها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا (2)»

وبخروج الشمس من مغربها يقفل باب التوبة، ولا يقبل إيمان ولا عمل؛ لما ورد في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو

(1) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة (18/ 27)، نووي، ورواه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في الخسف (9/ 3) عارضة الأحوذي)

(2)

رواه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، باب في خروج الدجال (18/ 77).

ص: 191

كسبت في إيمانها خيرا (1)»

والنصوص تدل بسياقها وأحداثها على أن خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج قبل طلوع الشمس من مغربها، إذ ما زال باب التوبة والإيمان مفتوحا، وعيسى عليه السلام لا يقبل إلا الإيمان، لذلك وجه العلماء هذا الحديث المصرح بأن طلوع الشمس من مغربها هي أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة (2)

وقيل: هي أولية نسبية، فهي أول بالنسبة إلى كذا، وذاك أول بالنسبة إلى كذا، فطلوع الشمس من مغربها أول الآيات المؤذنة بتغير العالم العلوي، والدجال كما ورد في حديث آخر أنه أول الأشراط أولها بالنسبة للآيات المؤذنة بتغير أحوال العالم الأرضي.

وقيل: إن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال، ونزول عيسى من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر مشاهدة مثلهم مألوفة.

(1) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب (11/ 352) فتح).

(2)

فتح الباري (11/ 353).

ص: 192

أما خروج الدابة تكلمهم، وتسمهم بالإيمان أو الكفر فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة، أول الآيات السماوية. (1)

فخروج الدجال سابق على طلوع الشمس من مغربها، خلافا لمن قال بالأولية المطلقة لطلوع الشمس من مغربها، وأنها أول الأشراط الكبرى (2)

أما بالنسبة لغلق باب التوبة فإنه يكون بطلوع الشمس من مغربها؛ لما تقدم من نصوص، والمفسرة لقوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (3)

ولكن قد يشكل عليه ما رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة يرفعه:«ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض (4)» .

(1) شرح العقيدة الطحاوية (2/ 758).

(2)

انظر: عمر أمة الإسلام (82)، فقد جاء أشراطها (74).

(3)

سورة الأنعام الآية 158

(4)

صحيح مسلم الإيمان (158، 158)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3072، 3072)، سنن أبي داود الملاحم (4312، 4312)، سنن ابن ماجه الفتن (4068، 4068)، مسند أحمد (2/ 446، 2/ 446).

ص: 193

فالعلماء متفقون على أنه بطلوع الشمس من مغربها يغلق باب التوبة لتصريح النصوص بذلك.

أما عن الدجال فذكره مشكل؛ إذ نزول عيسى عليه السلام يعقب خروج الدجال، وعيسى لا يقبل إلا الإيمان، فينتفي أن يكون بخروج الدجال لا يقبل الإيمان ولا التوبة (1)

لذا قال البيهقي: إن كان في علم الله أن طلوع الشمس سابق احتمل أن يكون المراد نفي النفع عن أنفس القرن الذين شاهدوا ذلك، فإذا انقرضوا، وتطاول الزمان، وعاد بعضهم إلى الكفر عاد تكليفه الإيمان بالغيب، وكذا في قصة الدجال: لا ينفع إيمان من آمن بعيسى عند مشاهدة الدجال، وينفعه بعد انقراضه.

ولكن ذكر ابن حجر رحمه الله عدة آثار يشد بعضها بعضا تتفق على أن الشمس إذا طلعت من المغرب أغلق باب التوبة، ولم يفتح بعد ذلك، وأن ذلك لا يختص بيوم الطلوع، بل يمتد إلى يوم القيامة (2)

ويحتمل أن هذه النصوص في استمرار غلق باب التوبة لطلوع الشمس من مغربها فقط، ولا تشمل خروج الدجال.

(1) انظر: تفسير الطبري (8/ 77)، فتح الباري (11/ 353).

(2)

فتح الباري (11/ 354 - 355)، باختصار وتصرف، وانظر: أشراط الساعة للوابلي (397).

ص: 194

ومن أحسن ما قيل في هذه المسألة:

إنه يحتمل معنى «ثلاث إذا خرجن (1)» ، أي انتهى خروجهن كلهن، فمن لم يؤمن، ولم يتعظ عند خروج الآية الأولى - وهي الدجال - وهو يشاهد فتنه وضلالاته، فهو ممن ران الكفر على قلبه، فعند ذلك لا تنفعه توبته عند مشاهدة الآية العظمى، وهي طلوع الشمس من مغربها.

وهذا بمعنى الحديث الذي رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، وغيرهم، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر (2)» ، فالذي يمرض مرض الموت، ولا يبادر إلى التوبة أملا من أنه سيشفى ويعيش بعده، لا تنفعه التوبة عند معاينة ملك الموت عند الغرغرة " (3) وإن كانت تنفعه في حال المرض، والذي هو إشارة على قرب الموت.

كيف نتقي هذه الفتنة، وماذا نعمل إذا وقعت وعايناها؟

لقد أشارت نصوص السنة النبوية المطهرة إلى أمور تقي بإذن الله من فتنة الدجال منها:

1 -

التمسك بالإسلام، وتقوية الإيمان للمؤمن، والحرص

(1) صحيح مسلم الإيمان (158، 158)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3072، 3072)، مسند أحمد (2/ 446، 2/ 446).

(2)

سنن الترمذي الدعوات (3537، 3537)، سنن ابن ماجه الزهد (4253، 4253)، مسند أحمد (2/ 132، 2/ 132).

(3)

انظر: فقد جاء أشراطها (77)

ص: 195

على زيادة نصيبه من العلم الشرعي، مع العلم بأسماء الله وصفاته، والعلم بحال الدجال، وما ورد في فتنته.

2 -

التعوذ بالله من فتنة الدجال، وخاصة دبر الصلوات المكتوبة، لما ورد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال (1)»

3 -

حفظ أوائل، أو أواخر سورة الكهف العشر الآيات منها، فإن حفظها الآن وقراءتها في وجه الدجال عند ملاقاته عصمة من فتنته بإذن الله، لما في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:«من أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف (2)» .

وفي حديث آخر أن نفس حفظ هذه العشر الآيات عصمة من الدجال، قال صلى الله عليه وسلم:«من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال (3)» .

(1) صحيح مسلم بشرح النووي، (5/ 87)، كتاب المساجد، باب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم.

(2)

صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937، 2937)، سنن الترمذي الفتن (2240، 2240)، سنن أبي داود الملاحم (4321، 4321)، سنن ابن ماجه الفتن (4075، 4075).

(3)

صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (809، 809)، سنن الترمذي فضائل القرآن (2886، 2886)، سنن أبي داود الملاحم (4323، 4323)، مسند أحمد (6/ 450، 6/ 450).

ص: 196

4 -

سكنى مكة والمدينة، ففيهما عصمة للمؤمنين من فتنته؛ لما تقدم من أنه محرم عليه دخولهما.

5 -

بث أحاديث الدجال، وتعليمها للصغار وللعامة، إذ هو يخرج في زمن يقل فيه ذكره، ويكثر فيه الجهل بحاله (1)

أما ماذا يفعل المؤمن إذا سمع بخروج الدجال أو قابله؟

لقد أرشدت السنة النبوية إلى كيفية تصرف المسلم حيال هذه الفتنة العظيمة إذا وقعت من ذلك:

1 -

الفرار من الدجال، وعدم ملاقاته لما معه من الفتن التي قد تزعزع الإيمان، لما روى أبو داود وغيره، عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه، وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات (2)»

2 -

الفرار إلى مكة والمدينة، أو مسجد الطور، أو المسجد الأقصى؛ لأنه محرم عليه دخولهم لما تقدم، فيفر المؤمن إذا سمع بالدجال إلى أحد هذه المساجد.

3 -

وإن قدر الله على العبد ملاقاة الدجال ومواجهته فعليه أن

(1) انظر: لوامع الأنوار البهية (2/ 106 - 107)

(2)

سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال (17/ 238)، بذل المجهود.

ص: 197