الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنبياء والصالحين، لم يقل به أحد من أئمة السلف، بل قول لبعض المتأخرين، وهو قول شاذ مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، والله تعالى أعلم.
المبحث السادس: حكم زيارة قبور الكفار:
اختلف الفقهاء في حكم زيارة قبور الكفار على قولين:
القول الأول: يجوز للمسلم زيارة مقابر الكفار من أجل الموعظة والاعتبار.
وقال بذلك أكثر الشافعية (1) والحنابلة (2) والظاهرية (3)
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
أولا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله " فقال: " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الموتى (4)»
ثانيا: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ينظر: المجموع.
(2)
ينظر: كشاف القناع 2/ 250.
(3)
ينظر: المحلى 5/ 160.
(4)
أخرجه الحاكم من طريقين في كتاب الجنائز 1/ 532، برقم (1393)، (1394)، وأحمد 3/ 237.
قريبا من ألف راكب، فنزل بنا وصلى بنا ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر، ففداه بالأم والأب يقول: ما لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: " إني استأذنت ربي في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها، واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وليزدكم زيارتها خيرا (1)»
حيث دل هذان الحديثان على جواز زيارة قبور الكفار، إذا كان ذلك للاعتبار والاتعاظ (2)
القول الثاني: تحريم زيارة قبور الكفار.
وقال بذلك الماوردي من الشافعية (3)
(1) أخرجه أحمد 5/ 355، 357، 359، والبيهقي في الجنائز، باب في زيارة القبور 4/ 128 رقم (7193)، وابن أبي شيبة في الجنائز، باب من رخص في زيارة القبور 3/ 224، والحاكم واللفظ له في كتاب الجنائز 1/ 532 رقم (1391)، وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي 1/ 532، وقال الهيثمي في مجمع الزائد 1/ 121، 122، رجاله رجال الصحيح.
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي 7/ 45.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 19.
وقد استدل على ذلك بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (1).
ويجاب عن الاستدلال بهذه الآية، بأن المقصود من الآية القيام على قبر الكافر للدعاء له والاستغفار، وهذا منهي عنه، بدليل قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (2).
أما زيارة الكافر، فليس في الآية ما يدل على النهي عنه.
الترجيح:
إذا نظرنا في القولين السابقين، وما ورد على دليل القول الثاني يظهر - والله أعلم - أن القول الأول هو الراجح، وهو جواز زيارة قبور الكفار للاعتبار والاتعاظ؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، وخاصة القريب، ولا يجوز عند الزيارة السلام عليهم، ولا الاستغفار لهم، بل إن الزائر لقبور الكفار يبشرهم بالنار بدليل حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل الرحم، وكان وكان فأين هو؟ قال:" هو في النار "، فكأن الأعرابي وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله، فأين أبوك؟ قال: " حيثما
(1) سورة التوبة الآية 84
(2)
سورة التوبة الآية 113
مررت بقبر كافر فبشره بالنار " قال: فأسلم الأعرابي بعد، فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار (1)»
كما أنه لا يجوز أن يقصد من زيارته لقبور الكفار تعظيمهم والإعجاب بهم؛ لأن ذلك نوع من موالاة الكفار، أو يكون ذلك لأجل النزهة والسياحة، وإنما الجائز زيارة قبور الكفار لأجل الذكرى والاتعاظ، وأن يحمد الله عز وجل على هدايته للإسلام.
(مسألة): زيارة الكافر قبر المسلم.
ذكر بعض أهل العلم أن الكافر لا يمنع من زيارة قبر قريبه المسلم، لعدم المحظور (2) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 1/ 145، رقم (326)، والبزار في مسنده (البحر الزخار) 3/ 299 رقم (1089)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 122 رجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين 1/ 501 برقم (1573)، وفي الزوائد إسناده صحيح، رجاله ثقات. قال الألباني رحمه الله: والحديث من مسند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وذكره عن ابن عمر خطأ، من أحد الرواة. ينظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 55 رقم (18)
(2)
ينظر: المبدع 2/ 962، وكشاف القناع 2/ 150.