الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون منافقا لا يعتد بما يزعمه من الإيمان وما يدعيه من الإسلام " (1)، وبذلك يتضح أن تفضيل حكم غير الله عليه من النفاق الأكبر.
(1) تفسير المنار ج 5 ص 227، وانظر: فتح القدير ج 1 ص 482 - 483، وأضواء البيان ج 7، ص 165.
العاشر: الكفر بتعلم السحر الموجب للكفر والعمل به:
تعريف السحر:
لغة: هو كل ما لطف مأخذه ودق.
ويأتي: ويراد به: البيان في فطنة، كما جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال:«إن من البيان لسحرا (1)» ويأتي ويراد به الخديعة. يقال: سحره بالطعام والشراب أي خدعه.
السحر في الاصطلاح: عرف بتعاريف كثيرة متباينة، وذلك لكثرة الأنواع الداخلة تحته التي لا يتحقق قدر مشترك بينها، ولاختلاف
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح باب الخطبة. ومسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة.
المذاهب فيه بين الحقيقة والتخييل
ومن ذلك ما قاله ابن قدامة - حيث قال -: " السحر عزائم ورقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه "(1). وهذا يصدق على ما له حقيقة، وأثر من أنواع السحر.
ومن ذلك أيضا ما قاله أبو بكر الرازي - حيث قال - هو كل أمر خفي سببه، وتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع " (2). وهذا يصدق على ما لا حقيقة له من أنواع السحر، أو ما هو سحر في اللغة.
(1) الكافي لابن قدامة، ج 4، ص 164.
(2)
أحكام القرآن للجصاص، ج 1 ص 42.
ونستخلص من هذين التعريفين وغيرهما تعريفا لعله يكون جامعا - إن شاء الله - فنقول: السحر: هو كل ما فيه مخادعة، أو تأثير في عالم العناصر نتيجة الاستعانة بغير الله من شيطان أو نحوه، يشبه الخارق للعادة، وليس فيه تحد يمكن اكتسابه بالتعلم.
حكم تعلم السحر وتعليمه والعمل به:
أولا: حكم تعلم السحر وتعليمه:
اختلف في ذلك على أقوال: الصحيح منها: أن تعلم السحر، وتعليمه حرام للأدلة الدالة من الكتاب والسنة - كما سيأتي بيانه -.
قال ابن قدامة رحمه الله: ". . . فإن تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم "(1).
لكن ما هي درجة هذا التحريم؟
إن قصد من تعلمه العمل به، وكان فيه قول أو اعتقاد، أو فعل يقتضي الكفر مثل السحر الذي لا يتأتى إلا عن طريق الشياطين ونحوهم - كأن يستغيث بهم، ويدعوهم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. أو ينطق بكلمة الكفر من أجل رضاهم، أو يعتقد نفعهم وضرهم بغير إذن الله تعالى، أو يتقرب لهم بذبح أو نحوه، أو يهين
(1) المغني لابن قدامة، ج 8، ص 151.
ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز أو غيره، أو يدعي لنفسه أو لشياطينه علم الغيب، ومشاركة الله في ذلك، أو تعلمه معتقدا إباحته فهو كفر، وإلا فهو فسق
قال الإمام الشافعي: " إذا تعلم السحر قيل له: صف لنا سحرك؟ فإن وصف ما يستوجب الكفر. . . . فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر وإلا فلا "(1).
وقال النووي: " وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا "(2).
وقال أبو حيان: " وأما حكم السحر فما كان منه يعظم به غير الله من الكواكب والشياطين، وإضافة ما يحدثه الله إليها فهو كفر إجماعا لا يحل تعلمه ولا العمل به، وكذا ما قصد بتعلمه سفك الدماء، والتفريق بين الزوجين والأصدقاء. وأما إذا كان لا يعلم منه شيئا من
(1) أضواء البيان، ج 4، ص 455.
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي، ج 14، ص 176.
ذلك، بل يحتمل فالظاهر أنه لا يحل تعلمه والعمل به. . . " (1)
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: " وقد نص أحمد على أنه يكفر بتعلمه وتعليمه "(2).
الأدلة: ومنها ما يلي:
الأول: قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (3).
قال ابن حجر: " فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر "(4).
وقال الشنقيطي: " وقوله: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (5) صريح في كفر معلم السحر "(6).
الثاني: قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (7).
(1) روائع البيان، ج 1، ص 84.
(2)
تيسير العزيز الحميد، ص 335.
(3)
سورة البقرة الآية 102
(4)
فتح الباري، ج 10، ص 225.
(5)
سورة البقرة الآية 102
(6)
أضواء البيان، ج 4، ص 442.
(7)
سورة البقرة الآية 102
قال ابن حجر: " الآية فيها إشارة إلى أن تعلم السحر كفر "(1).
الثالث: قوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (2).
قال مجاهد والسدي: " من نصيب "(3).
وقال ابن عباس: ({مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ} (4) في الجنة {مِنْ خَلَاقٍ} (5) نصيب) (6). ونفى النصيب في الآخرة بالكلية لا يكون إلا للكافر عياذا بالله تعالى (7)(8)
ثانيا: حكم العمل بالسحر:
محرم بالكتاب والسنة بلا خلاف بين أهل العلم، ولكن ما هي درجة هذا التحريم؟ إن كان فيه اعتقاد، أو قول، أو فعل يقتضي الكفر مثل: اعتقاد أن الكواكب السبعة أو غيرها مدبرة مع الله. أو أن الساحر قادر على خلق الأجسام، أو اعتقد أن فعله مباح، أو تضمن
(1) فتح الباري، ج 10، ص 225.
(2)
سورة البقرة الآية 102
(3)
تفسير ابن كثير، ج 1، ص 143.
(4)
سورة البقرة الآية 102
(5)
سورة البقرة الآية 102
(6)
تفسير ابن عباس (الدر المنثور)، ج 1، ص 46.
(7)
أضواء البيان، ج 4، ص 442، وانظر: تفسير الطبري، ج 1، ص 371.
(8)
وانظر: مصنف عبد الرازق، حديث، 18753.
تقربا إلى الشياطين فهو كفر، أما إذا لم يكن فيه شيء من ذلك، وهو ما يسمى بالسحر المجازي مثل السحر بالأدوية، والتدخين، وسقيا شيء يضر، أو بالحركات الخفية، ونحو ذلك فليس بكفر وإنما هو فسق
يقول النووي: ". . . فعمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع. . . ومختصر ذلك أنه قد يكون كفرا، وقد لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا "(1).
ويقول ابن قدامة: " والساحر الذي يركب المكنسة، وتسير به في الهواء ونحوه يكفر ويقتل، فأما السحر بالأدوية والتدخين، وسقيا شيء يضر فلا يكفر "(2).
الأدلة: كثيرة منها ما يلي:
1 -
ما سبق ذكره آنفا من الأدلة الدالة على تحريم تعلم السحر وتعليمه، ذلك أن كل دليل يدل على تحريم تعلم السحر، فدلالته على تحريم العمل به أولى.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، ج 14، ص 176.
(2)
المقنع ج 3، ص 523 - 524.
2 -
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (1).
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى نفى الفلاح عن الساحر نفيا عاما، حيث توجه وسلك، وذلك دليل على كفره؛ لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفيا عاما إلا عمن لا خير فيه، وهو الكافر (2)
3 -
وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (3).
يقول ابن كثير: " وقد استدل بقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} (4) من ذهب إلى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الإمام أحمد، وطائفة من السلف "(5). وقال الشيخ حافظ: ". . . . وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر، ونفي الإيمان عنه بالكلية، فإنه لا يقال للمؤمن. . ولو أنه آمن. . وإنما قال تعالى: ذلك لمن كفر. . . وعمل بالسحر. . . . . . "(6).
4 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا، أو ساحرا، أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (7)» في الحديث.
(1) سورة طه الآية 69
(2)
انظر: أضواء البيان، ج 4، ص 442 - 443.
(3)
سورة البقرة الآية 103
(4)
سورة البقرة الآية 103
(5)
تفسير ابن كثير، ج 1، ص 144.
(6)
معارج القبول، ج 2، ص 554، وانظر: أحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 53، 58.
(7)
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح خلا هيبرة بن مريم، وهو ثقة. انظر: مجمع الزوائد، ج 5، ص 121.