الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا التوحيد أو شك فيه. . . . كفر بإجماع المسلمين " (1)
وقال الشيخ ابن سحمان: " وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر. والشك هو التردد بني شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث، ولا عدم وقوعه ونحو ذلك، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة، ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنى، ولا عدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء "(2).
(1) القول الفصل النفيس، ص 35.
(2)
الضياء الشارق، ص 374.
السادس: كفر الاستهزاء بشيء من دين الله:
تعريفه: الاستهزاء: لغة: السخرية والاستخفاف.
يقال: هزأ به، ومنه هزءا وهزوءا واستهزاء: سخر به، أو منه، والاسم: الهزء.
وأصل هذه المادة: الخفة من الهزء، وهو العدو السريع، يقال: ناقة تهزأ به، أي: تسرع وتخف (1)
والمراد بالاستهزاء - هنا - هو: الخوض واللعب إذا كان موضوعه صفات الله تعالى، أو أفعاله، أو شرعه، أو آياته المنزلة، أو أفعال أو
(1) انظر: لسان العرب ج 3 ص 801، وتفسير الرازي، ج 2 ص 69، وروح المعاني، ج 1 ص 158.
أخلاق رسوله صلى الله عليه وسلم، أو غير ذلك من تعاليم الإسلام، أو بأحد لأجل ما هو عليه من العلم بدين الله، أو العمل به كالاستهزاء بالعلماء لأجل ما هم عليه من العلم بدين الله، أو بالصالحين لالتزامهم بالسنة
فالخوض واللعب إذا كان موضوعه شيئا مما ذكر كان استهزاء بدين الله؛ لأن الاستهزاء بالشيء عبارة عن الاستخفاف به، وكل ما يلعب به فهو مستخف به
حكمه: الاستهزاء بشيء من دين الله إذا صدر بعد المعرفة من مكلف مختار، فهو كفر سواء كان المستهزئ جادا أو هازلا
يقول ابن تيمية: " وهذا مما يبين لك أن الاستهزاء بالله، أو برسوله ينافي الانقياد له. . . فإن الانقياد إجلال وإكرام، والاستخفاف إهانة وإذلال، وهذان ضدان، فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر، فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد "(1).
وقال ابن حزم: " وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر "(2).
وقالت اللجنة الدائمة: " سب الدين، والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة، والاستهزاء بالمتمسك بها نظرا لما تمسك به، كإعفاء اللحية، وتحجب المسلمة، هذا كفر إذا صدر من مكلف، وينبغي أن يبين له أن هذا كفر، فإن أصر بعد العلم فهو كافر. . "(3).
الأدلة: ومما يدل على ذلك ما يلي:
1.
قال تعالى:
(1) الصارم المسلول ص 520 - 521.
(2)
الفصل، ج 3، ص 255 - 256.
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، ج 2، ص 14.
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} (1){وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (2){لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (3).
قال شيخ الإسلام - بعد أن ذكر هذه الآيات: " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر. . . وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا، أو هازلا فقد كفر "(4).
وقال الفخر الرازي: " قوله: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (5) يدل على أحكام:
الحكم الأول: أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال " (6)
فالآية - كما رأينا - تدل على أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، كما تدل على أن الاستهزاء بالمؤمنين استهزاء بالله وآياته ورسوله، بدليل ما ورد في أسباب نزول هذه الآية، عن عبد الله بن عمر رضي الله
(1) سورة التوبة الآية 64
(2)
سورة التوبة الآية 65
(3)
سورة التوبة الآية 66
(4)
الصارم المسلول، ص 31.
(5)
سورة التوبة الآية 66
(6)
التفسير الكبير، ج 16، ص 124.
وعلى هذا فالآية تدل أيضا على أن الاستهزاء بالمؤمنين لأجل ما هم عليه من العلم بدين الله، أو لالتزامهم بالسنة كفر؛ إذ هو من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله.
قال شيخ الإسلام: ". . . فهؤلاء لما تنقصوا النبي صلى الله عليه وسلم حيث عابوه، والعلماء من أصحابه، واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك، وإن قالوه استهزاء. . . "(5)
(1) أخرجه ابن أبي حاتم، انظر أسباب النزول للسيوطي. بحاشية مفردات القرآن ص 253 - 254، وابن كثير في تفسيره، ج 2 ص 376.
(2)
بحزام في وسط الناقة. (1)
(3)
تنكبه: تكثر فيه الجراح. (2)
(4)
سورة التوبة الآية 65 (3){أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}
(5)
الصارم المسلول ص 32 - 33.
2 -
وقال تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (1) إلى أن قال سبحانه حكاية عنهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (2)، فأجابهم الحق بقوله:{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (3){إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (4){فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} (5). في الآيات دلالة على أن الاستهزاء بالمؤمنين لأجل إيمانهم من أسباب دخول النار، وقطع الرحمة (6) مما يدل على أنه كفر.
قال الإمام الشنقيطي - في تعليقه على هذه الآيات -: " قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه أن (إن) المكسورة المشددة من حروف التعليل كقولك: عاقبه إنه مسيء؛ أي لأجل إساءته، وقوله في هذه الآية:{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} (7). . . الآيتين) يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة على أن من الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم وسخريتهم من هذا الفريق المؤمن. . . . وحتى في قوله: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} (8) حرف غاية لاتخاذهم إياهم سخريا: أي لم يزالوا كذلك حتى أنساهم ذلك ذكر الله، والإيمان به، فكان مأواهم
(1) سورة المؤمنون الآية 103
(2)
سورة المؤمنون الآية 107
(3)
سورة المؤمنون الآية 108
(4)
سورة المؤمنون الآية 109
(5)
سورة المؤمنون الآية 110
(6)
انظر: تفسير ابن سعدي، ج 5 ص 189، وأضواء البيان، ج 5 ص 827.
(7)
سورة المؤمنون الآية 109
(8)
سورة المؤمنون الآية 110
النار والعياذ بالله " (1).
3 -
وقال تعالى: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (2).
في الآية توعد بالعذاب المهين للمستهزئ بشيء من آيات الله (3)
ولم يجئ إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - (4) مما يدل على أن الاستهزاء بشيء من آيات الله كفر.
4 -
كما أجمع العلماء على كفر المستهزئ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بغير ذلك من دين الله، يقول الإمام ابن العربي " المسألة الثانية: لا يخلو أن يكون ما قالوه (5) من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر. . . لا خلاف فيه بين الأمة " (6)
(1) أضواء البيان ج 5، ص 827 - 828.
(2)
سورة الجاثية الآية 9
(3)
انظر: أضواء البيان، ج 7 ص 343.
(4)
انظر: الصارم المسلول، ص 52.
(5)
المنافقون.
(6)
أحكام القرآن لابن العربي، ج 2 ص 976.