الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيقولان: " يا بني، اتبعه فإنه ربك (1)» فهذا دجل وكذب، أما ما يأتي به من أنواع الأطعمة والأشربة فيكون معه جبل خبز ولحم وشراب، فهذا حق وليس بعجيب، فهذه أكوام القمح عند صوامع الغلال نراها كالجبال، فتكون فتنة في ذلك الوقت بذلك؛ لقلة العيش من جدب الأراضي وانحباس المطر، والله أعلم.
مما تقدم نعلم أن الدجال خارج في آخر الزمان، وأنه من أشراط الساعة الكبرى، وعلمنا أنه ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الدجال - أعاذنا الله من فتنته - فهل كان موجودا حيا في سابق الزمان وما زال إلى أن يخرجه الله تعالى؟ أم أنه لم يكن شيئا إلى أن خلقه الله عندما يشاء سبحانه خروجه؟ هذا ما سيبينه المطلب الآتي إن شاء الله تعالى.
(1) تقدم تخريجه في ص (203).
المطلب الثاني: حياة الدجال ووجوده الآن
(هل الدجال حي الآن؟):
" خبر تميم الداري "
من فتنة الدجال أن كان كل نبي ينذره قومه مخافة أن يخرج فيهم؛ إذ وقت خروجه لا يعلمه إلا الله، فهو من أشراط الساعة، وعلم الساعة مما اختص الله به نفسه، قال تعال:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
(1) سورة الأعراف الآية 187
فلما كان الدجال شديد الخطر على إيمان الناس، وكان خروجه غير معلوم لهم، حرص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على التحذير منه.
ولكن هل كان حيا موجودا آنذاك؟ هل كان حيا في عهد آدم، أو نوح، أو غيرهم من الأنبياء؟ وهل يلزم من إنذار الأنبياء أممهم من فتنته وتحذيرهم من شره أن يكون موجودا حيا في سالف الأزمان؟
إن الأمر محتمل: فليس كل ما أنذر به الأنبياء أو حتى بشروا به يكون موجودا في حينه، فهم أنذروا بالساعة، وليست هي واقعة آنذاك، وبشروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن موجودا لا في عهد موسى، ولا عهد عيسى عليهم الصلاة والسلام، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للدجال؛ إذ وجوده محتمل، فقد يكون موجودا في سالف الأزمان، وقد يكون غير موجود.
ولكن الأمر المؤكد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه كان حيا موجودا في عهد البعثة المحمدية، وما يزال حيا موجودا الآن، وإلى وقت خروجه، ويثبت ذلك ويصدقه تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروايته لخبر تميم الداري، الذي شاهد الدجال حيا موجودا موثوقا بالحديد في جزيرة من جزائر البحر.
فلندع المحتمل، ونكل علمه إلى الله، ولنأت للثابت المؤكد، وهو خبر تميم الداري، والذي أخرجه مسلم في صحيحه وغيره، ونسوقه هنا بتمامه لأهميته:
روى مسلم في صحيحه، «عن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس أنها سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، قالت: فصليت مع رسول الله، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم.
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك فقال: " ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم؛ لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني: أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم
دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم: قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي
شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب، قال أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، وإني أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على نقب منها ملائكة يحرسونها.
قالت [يعني فاطمة بنت قيس]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته في المنبر:" هذه طيبة، هذه طيبة، يعني المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. (فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه، وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو "، وأومأ بيده إلى المشرق قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)»
(1) صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2942، 2942)، سنن الترمذي الفتن (2253، 2253)، سنن أبي داود الملاحم (4325، 4325)، سنن ابن ماجه الفتن (4074، 4074)، مسند أحمد (6/ 418، 6/ 418).
يؤخذ من خبر تميم الداري رضي الله عنه فوائد منها:
1 -
أن الدجال حي موجود الآن، ومنذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 -
أن الدجال مربوط موثق بالحديد وثاقا شديدا، كما جاء صفة حاله في خبر تميم الداري رضي الله عنه المتقدم.
3 -
أنه على حاله تلك محبوس في دير بجزيرة من جزائر البحر.
4 -
أن مكان هذه الجزيرة من جهة المشرق قرب إقليم خراسان؛ لما ورد في حديث تميم من أنه قبل المشرق، ولما تقدم معنا أنه يخرج من إقليم خراسان.
5 -
أن تحديد مكانه في الحديث يدفع قول من يقول الآن من أنه محبوس في مثلث برومودا، الذي لا يستطيع أحد الدخول فيه؛ إذ هذا المثلث من جهة الغرب من المحيط الأطلسي كما حددوه، والحديث الصحيح يبين أن الدجال محبوس في جزيرة شرقا، قرب إقليم خراسان، والله أعلم.
6 -
أن الله جعل لخروج الدجال أمارات، فيها ما ذكر في هذا الحديث من جفاف بحيرة طبرية، وجفاف عين زغر، وعدم إثمار نخل بيسان.
7 -
أما من الذي حبس الدجال؟ قيل: إن الملائكة هي التي حبسته، وقيل: إن سليمان عليه السلام الذي حبسه على
اعتبار أن الدجال شيطان وليس إنسانا، وتحديد ذلك يحتاج إلى دليل شرعي؛ إذ هو غيب، وأمور الغيب محصورة في الخبر الصادق، ولا دليل صحيح هنا يثبت أي الاحتمالين، والمؤكد الثابت أنه محبوس مربوط بأغلاله إلى أن يحين أمر الله ويخرج.
8 -
هذا الحديث يبطل قول من قال: إن الذي رآه تميم شيطان من الشياطين الذين حبسهم نبي الله سليمان، وليس هو الدجال الإنسان؛ إذ يبعد وجود بشر على قيد الحياة هذه الفترة الطويلة (1) هذا على زعمهم، يبعد على حساب البشر وقدرتهم، ولا يبعد على قدرة القدير سبحانه، والتي لا تحد بحد، فأمره بين الكاف والنون، إذا أراد شيئا سبحانه يقول له: كن فيكون (2)
9 -
أن مشاهدة تميم الداري رضي الله عنه للدجال كانت سببا في إسلامه.
10 -
أخيرا نأخذ من خبر تميم رضي الله عنهم، أن ابن صياد ليس هو الدجال، على خلاف بين العلماء في هذه المسألة، هل
(1) ذكر هذا القول عن بعض أهل العلم الأشقر في كتابه: القيامة الصغرى، ولم يرد عليه (258).
(2)
انظر: فقد جاء أشراطها (384)، عمر أمة الإسلام (89).