الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: كفر الإعراض:
تعريفه: الإعراض لغة: الصدود. يقال: أعرض عن الشيء: صد عنه، بأن يوليه عرضه - أي جانبه - ولا يقبل عليه، أو يلتفت إليه
والمراد بكفر الإعراض: هو الإعراض التام عن الحجة (1) وعدم إرادتها، والعمل بها وبموجبها إعراضا يخل بأصل الإيمان (2)
حكمه: إن كان الإعراض يخل بأصل الإيمان، كأن يكون إعراضا تاما عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام مع قدرته على ذلك لعدم الرغبة، أو عن قبوله والانقياد القلبي له، أو يعرض إعراضا تاما عن العمل بالجوارح (بأن يترك جنس العمل) مع القدرة، أو يعرض عما دل الدليل على أن تاركه يكفر كالصلاة، وكالإعراض عن حكم الله ورسوله، متعمدا، ولا سيما بعد دعوته إليه، وتذكيره به فهذا كفر. أما إن كان الإعراض إنما يخل بكمال الإيمان، كأن يكون بترك واجبات فلا يعد كفرا، وإنما ينقص الإيمان
(1) لعدم الرغبة فيها لا للعجز.
(2)
انظر: طريق الهجرتين، ص 716، 714، ومدارج السالكين، ج 1 ص 338، والدرر السنية، ج 8 ص 258.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا، ولا صلاة، ولا زكاة، ولا صياما، ولا غير ذلك من الواجبات "(1)
وقال ابن القيم: " الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين: أحدهما الإعراض عن الحجة، وعدم إرادتها، والعمل بها وبموجبها، والثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض. . . "(2).
وقال الشيخ ابن سحمان: ". . . فتبين من كلام الشيخ (3) أن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام. . . "(4)
(1) مجموع الفتاوى، ج 7 ص 621. وانظر ص 142 من نفس الجزء.
(2)
طريق الهجرتين، ص 414، وانظر ص 412 من نفس المرجع.
(3)
الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ. انظر: الدرر السنية ج 8، ص 258.
(4)
الدرر السنية ج 8 ص 258، ومنهاج أهل الحق، ص 63 - 64.
الأدلة: وهي كثيرة منها ما يلي:
1 -
قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (1).
يقول ابن كثير: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} (2) أي: تخالفوا عن أمره. {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (3)، فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى. . في نفسه أنه محب لله. . . حتى يتابع الرسول. . خاتم الرسل. . . " (4).
وقال أبو السعود - في تفسير هذه الآية -: ". . . فإن سخطه تعالى عليهم بسبب كفرهم، والإيذان بأن التولي عن الطاعة كفر "(5).
2 -
وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} (6).
قال الشيخ ابن السعدي - في تفسير هذه الآية -: " أي لا أحد أظلم وأزيد تعديا ممن ذكر بآيات ربه. . . التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم والانقياد والشكر، فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي، فلم
(1) سورة آل عمران الآية 32
(2)
سورة آل عمران الآية 32
(3)
سورة آل عمران الآية 32
(4)
تفسير ابن كثير، ج 1 ص 358.
(5)
تفسير أبي السعود، ج 1، ص 349. وانظر: روح المعاني ج 3 ص 130.
(6)
سورة السجدة الآية 22
يؤمن بها، ولا اتبعها، بل أعرض عنها. . . . فهذا من أكبر المجرمين الذين يستحقون شديد النقمة، ولهذا قال:{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} (1)
3 -
وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (2){وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} (3).
يقول ابن حزم: " هذه الآيات محكمات لم تدع لأحد علقة يشغب بها، قد بين الله فيها صفة أهل زماننا فإنهم يقولون: " نحن المؤمنون بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن طائعون لهما، ثم يتولى طائفة منهم بعد هذا الإقرار فيخالفون ما وردهم عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، أولئك بنص حكم الله تعالى عليهم ليسوا مؤمنين " (4).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - في تعليقه على هذه الآيات -: " فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول، وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن. . . "(5)
(1) سورة السجدة الآية 22
(2)
سورة النور الآية 47
(3)
سورة النور الآية 48
(4)
الإحكام في أصول الأحكام، ج 1 ص 100.
(5)
الصارم المسلول، ص 38، وانظر: تفسير ابن كثير، ج 3، ص 298.
وقال أيضا: ". . . . فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل، وإن كان قد أتى بالقول. . . "(1)
4 -
وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (2).
يقول ابن القيم: " فجعل الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق. . . "(3)
وقال محمد رشيد رضا: " والآية ناطقة بأن من صد، وأعرض عن حكم الله ورسوله عمدا ولا سيما بعد دعوته إليه، وتذكيره به فإنه يكون منافقا لا يعتد بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام "(4)
5 -
وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (5){قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} (6){قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (7).
يقول الشوكاني: " قال كذلك "، أي مثل ذلك فعلت أنت، ثم
(1) مجموع الفتاوى، ج 7 ص 142
(2)
سورة النساء الآية 61
(3)
مختصر الصواعق المرسلة، ج 2 ص 467.
(4)
تفسير المنار، ج 5، ص 227.
(5)
سورة طه الآية 124
(6)
سورة طه الآية 125
(7)
سورة طه الآية 126