الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزائر
-
ظواهر ظهرت في جهة الفرات بعد أن قل التبطح وانحسر الماء السائب. فأحتل تلك الظواهر جماع من الصيادين والمزارعين؛ فكان الزراع يبنون أكواخهم وخصاصهم على سيف تلك الأرض الناشفة، وكان الصيادون يبنون بيوتا من القصب على وجه الماء كأنها جآجئ واكنة، ثم مازالت الظواهر تتسع والناس يحملونها من جهة الفرات حتى صارت كأنها سدة واحدة تمتد من حيال سوق الشيوخ إلى البصرة. وكان ذلك زمن أعراسها وزهرة عمرانها. ولم تحافظ على هذا الحال، بل كانت بين هبوط وارتفاع؛ فقد خربت وغرقت بكثير من القلاقل والفتن. وزهت مطمئنة في فصل الدعة والركود؛ وأول زهوها كان في القرن التاسع للهجرة وأخر دور من أدوار عمرانها في القرن الثالث عشر إذ في أواخره وجد الرجل الكبير ناصر باشا آل سعدون صاحب (الناصرية) الذي حمل الفرات من جهة الجزائر وسعى في تجفيف المياه فكانت له في عمران الجزائر مسعاة كبيرة وهكذا كثرت القرى المجاورة في تلك النواحي وماج فيها السكان وخددت فيها الأنهار فتحسنت فيها الزراعة وربيت فيها دودة القز ونهضت باسقات النخل وشتل (وغرس) كل أنواع الأرز.
أما قراها فكثيرة ولم تزل تسمى بأسماء الأنهار التي تمر بها أو القبائل التي تقطنها وقد كانت عاصمة هذه الجزائر (واسط) ثم (البصرة) ثم (الحويزة) ثم (المدينة) وهي مدينة بني منصور.
وأشهر قراها القديمة: (الصباغية)، (ونهر صالح) - فقد أخرجت هاتان القريتان كثيرا من أهل العلم والأدب وفي النجف اليوم أسر (عائلات) علم كبيرة ترجع إليهما وإليك بقية القرى وهي: قرية بني حميد - ونهر عنتر - وهو أكبر مواضعها وقيل أنه يشتمل على 300 نهر - وديار بني أسد - وديار بني محمد - والفتحة - والقلاع - ونهر السبع - والباطنة - والمنصورية - والإسكندرية - والبلتان - وكوت معمر - والكبان (القبان) - والبثق -
أو كما يقولون البثج - وعبادة - وبني مشرق - وبني حطيط - وآل حسيني - والغريق - وآل الشيخ راضي - وشط بني أسد - وبنو منصور - والشرش - وآل سعدون - والسويب (بالتصغير) - والهارثة - وقرمة علي - والنشوة - ونهر عمر -
وكتيبان - ومزيرعة - والروطة - والباغجة - والعبيد - والمومنين - وآل احول - وكانت الجزائر تتصل بالبصرة فكان العشار وهو قرية على نهر الابلة القديم قرية من قرى الجزائر وكانت تتصل من جهة الغرب بالحويزة وشط سحاب وهو آخر قراها.
أما قبائلها فالتي نعرف منها هي: بنو أسد - وبنو منصور - وآل سعد - وبنو مشّرف (بتشديد الراء المفتوحة) - وبنو حطيط (بالتصغير) - وآل معّرِق (بتشديد الراء المكسورة) - وعبادة (كسحابة) - وبنو مالك - والصيامرة - والمواجد - وآل خليوي (بالتصغير) - وآل غريق.
هذه هي القبائل المستقلة بالاسم هناك وربما اختلطت ورجع بعضهم إلى بعض في النسب وأهم هذه القبائل: ربيعة وهم ربيعة البطائح، وأهم أفخاذ ربيعة هناك بنو أسد وكانوا يطلقون على النابه منهم لفظة أمير واقدم أمير هناك سمعنا بذكره هو الأمير هجير بن محمد الزعيم لأهل الجزائر في القرن العاشر.
أما في عهدنا فبيت الإمارة هو في عاصمة الجزائر وهي المدينة، مدينة بني منصور وقد كان الأمير زمن الاحتلال حمود بن جابر ثم حسك من بعده واليوم ليس لهذا الأمير زعامة ولا نفوذ ولقب الإمارة عليه مثل لقب النقابة في العراق ألقاب شرف موروثة.
وكانت الزعامة الحقيقية قد انتقلت إلى بيت الشيخ شيخ الجزائر وهو بيت الشيخ خيون (وزان مكوك) زعيم بني أسد خاصة وشيخ الجزائر عامة فقد كان للشيخ خيون وولده الشيخ حسن ونجله الشيخ سالم مواقف كبيرة ومظاهرات عظيمة في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر وقد مكنتهم مواقفهم وبرهنت الحوادث على أنهم أمراء الجزيرة الحقيقيون وبيدهم أزمة الأمور هناك.
والماثل اليوم هو الشيخ سالم وهو في طليعة رجال العراق الذين اشتغلوا بالنهضة السياسية لديارنا.
وفي سنة 1343 اختلفت الحكومة العراقية والشيخ سالم ولم يوافقها على بعض نقاط سياسية فتبدل موقف الشيخ سالم وانجر الأمر إلى قبض الحكومة على الشيخ سالم ومحاكمته وهو اليوم في الموصل يقضي مدة سجنه هناك. وبهذا الحادث انحلت مشيخة الجزائر فلا إمارة هناك اليوم ولا مشيخة بل أسست الحكومة قضاء الحمار وبعثت إليه قائم
مقام وموظفي إدارة وفككت المشيخة وأقامت في مكانها عدة مختارين يراجعون الحكومة في مواد معينة.
وجاء في بعض الآثار التاريخية أن الجزائر بلغت 360 جزيرة مبثوثة في طول البطائح وعرضها بعضها يسمى جزائر شط العرب وبعضها يسمى جزائر خوزستان وقد يلغى التخصيص ويطلق عليها اسم الجزائر فقط وقد كانت الجزائر تابعة لحكومة خوزستان ولكن لما دخلت البصرة في مملكة العثمانيين كان من جراء ذلك أن أخذ بعض زعماء القبائل يميلون إلى العثمانيين ويتوددون إليهم بالطاعة وكان الغرض من ذلك ضعضعة النفوذ والسلطة في بلادهم فكانوا يتقربون إلى الفرس تارة وإلى الأتراك أخرى وقد ذكر أن اياس باشا واحد ولاة بغداد في القرن العاشر حضر البصرة ورتب فيها عاملا وضم إليها واسطا والجزائر ولكن كثيرا ما تثور ثائرة الجزائر فيتمرد الزعماء على رجال الحكومة ويعتمدون على أنفسهم.
حوادث الجزائر وخرابها
خطر شأن الجزائر وانبعث إلى عالم الذكر والشهرة في القرن التاسع للهجرة زمن الضعف وعدم استقرار الملك في العراق وأنحائه فكثرت الإمارات وحمس النزاع عليها ولما كانت الحرب سجالا بين الأتراك ملوك بغداد الفاتحين وبين الصفويين ملوك خوزستان كانت البصرة والجزائر ميدانا لتلك الحروب وكان الفوز لمن رسخت قدمه هناك. هذا وقد كانت ولاة الترك تمني الأعراب الذين هم في الجزائر للانتقاض والتمرد بزعامتهم لأن البون شاسع وبعد الشقة بينهم وبين مراجعهم العالية كان يحدثهم بالانفصال والاستقلال وأنهم يصبحون
أمة برأسها، كل ذلك جعل الجزائر عرضة للجنود والفتن ومواقد لنار الثورات والحوادث وفي الأكثر كانت تخرج منها شرارة الثورة وقد أعان على ذلك أن مياهها وإحراجها وغاباتها من امتن القلاع وامنع المتاريس للثوار ولوقوعها بين واسط والبصرة والحويزة، ديار الحوادث، كانت ترافقها في الخير والضير وكانت هي الميدان.
في القرن التاسع ابتدأت ثورة محمد بن فلاح المتمهدي المشعشع جد موالي الحويزة ومؤسس امارتهم، وسنذكر هذه الإمارة مفصلا في فصل أمراء البطائح وكان مظهر ثورته في الجزائر فهب لمواقعته أمير البلاد. وكانت الإمارة حين ذاك لعبادة فواقعه محمد
واستظهر عليه وكانت مواقعة دموية هائلة.
وفي القرن العاشر حمل المولى مبارك بن عبد المطلب بن حيدر بن محسن بن محمد المتمهدي وتغلب على الجزائر فناجز أهلها واجتاح بلادهم بعد معارك شديدة.
وفي سنة 1055 ثارت الجزائر واتصل اللهب فعم الهياج ونهد إليها المولى علي خان وأطفأها وبذلك امتدحه شهاب الدين بن معتوق الحويزي من قصيدة:
لولا إيابك للجزيرة ما صفت
…
منها مشارع مائها المتكدر
أسكنت أهليها النعيم وطالما
…
شهدوا الجحيم بها وهول المحشر
وكسوتها حلل الأمان وأنها
…
لولاك أضحت عورة لم تستر
وثارت الجزائر في عهد المولى السيد منصور بن عبد المطلب فبادر إليها وقمع الفتنة فيها وبذلك نوه ابن معتوق من قصيدة:
وعدا يطوي القفار إلى أن
…
نثرت خيله ثراء الثغور
وأتت في الضحى الجزيرة ترمي
…
بأسود تروعها بالزئير
وكانت الثورات متتابعة في الجزائر على عهد الموالي، فكانت تراض تارة بالقوة وأخرى بالسياسة وكانت تتنازع الجزائر في القرن الحادي عشر حكومات أربع: وهي حكومة القبان (بتشديد الباء الموحدة) وحكومة الدورق (وزان فوفل) وحكومة الحويزة وحكومة البصرة.
وكانت هذه المناطق الأربع ميدان نزاع بين الروم (أي العثمانيين على لغة الأعراب) في بغداد والصفويين في شيراز، وكانت حكومة شيراز تؤثر على
حكومة الحويزة وحكومة الدورق، وكانت حكومة بغداد تؤثر على حكومة البصرة وحكومة القبان وفي عهد ولاية آل افراسياب التحقت حكومة القبان بالبصرة فتبعتها وآخر حاكم مستقل كان فيها رجل يقال له بكتاش اغا وقد انتقضت الجزائر غير مرة على ولاة البصرة من الأتراك أو - المتسلمين - كما هو في عرف حكومة الأتراك وكان الذي يضطر القوم إلى التمرد ثقل وطأة الأتراك وعنفهم واللوثة التي هي خلق من أخلاقهم وقد حارب الجزائريون الجنود العثمانية في القرن العاشر وفي أواسط القرن الحادي عشر مرارا عديدة وآخر حرب يذكرها الناس هناك هي الحرب الشعواء في أوائل هذا القرن على عهد السلطان عبد الحميد وقد كثر
الهول والابتلاء في هذه الحرب وأحرقت فيها (المدينة) عاصمة الجزائر وكان الناهض بالجزائريين الشيخ حسن بن الشيخ خيون الاسدي شيخ الجزائر وأميرها المتبوع وأخمدت تلك الثورة على يد القائد محمد فاضل باشا الداغستاني المعروف عند العراقيين ب - الجيجاني - قاطن بغداد وبيته معدود من أعاظم بيوتها ولكن الإصلاح الذي نهض به كان يشبه تغطية المرجل الفائر ولم يكن حسما حقيقيا.
علي الشرقي