الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني وهاتان الصيغتان
أدل على المطلوب من الإفرنجيتين. ففي قولنا الحويمض إشارة إلى أن الحامض فيه قليل بخلاف الثاني أي الحامض فأنه غير مصغر فتدل صيغته على كثرته.
أما المنتهيات ب (ور) مثل كبريتور (سلفور) وفحمور (كربور) وسيانور فيبقى على حاله لخلو لغتنا من نظير يؤدي معناه.
أوضاع عصرية
في عهد الحضارة العباسية دفع الناطقون بالضاد حضارتهم إلى أعلى مستوى كان يعرف في ذلك العهد؛ ولما عربوا كتب الأجانب وضعوا ألفاظا لم تكن معروفة قبل زمنهم؛ وقد ألجأتهم الضرورة إلى وضعها ليعبروا عن حاجاتهم.
نعم أننا لا ننكر انهم قد ادخلوا ألفاظا جمة من السنة الأغراب ريثما يتسنى لهم وضع ما يقابلها في لغتهم أو يقبض الله لهم لغويين يرأبون الصدع. وأن أنكرت علي هذه الحقيقة أتيت إليك بكلام أحد شهود ذيالك العصر مثبتا لنا هذه الحقيقة:
قال في طبقات الأطباء (47: 2)
(ابن جلجل هو أبو داود سليمان بن حسان يعرف بابن جلجل كان طبيعيا فاضلا خبيرا بالمعالجات جيد التصرف في صناعة الطب وكان في أيام هشام المؤيد بالله وخدمه بالطب وله بصيرة واعتناء بقوى الأدوية المفردة وقد فسر أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس العين زربي وافصح عن مكنونها وأوضح
مستغلق مضمونها وهو يقول في أول كتابه هذا: أن كتاب ديسقوريدس ترجم بمدينة السلام في الدولة العباسية في أيام جعفر المتوكل وكان المترجم له اصطفن بن بسيل الترجمان من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وتصفح ذلك حنين بن إسحاق المترجم فصحح الترجمة وأجازها فلما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسما في اللسان العربي فسره بالعربية وما لم يعلم له في اللسان العربي اسما تركه في الكتاب على اسمه اليوناني (اتكالا منه على أن يبعث الله بعده من يعرف ذلك ويفسره باللسان العربي إذ التسمية لا تكون إلا بالتواطؤ من أهل كل بلد على أعيان الأدوية بما رأوا وأن يسموا ذلك أما باشتقاق وأما بغير ذلك بتواطئهم على التسمية) فاتكل اصطفن على شخوص يأتون بعده ممن يعرف أعيان الأدوية التي لم يعرف هو لها اسما في وقته ويسميها على قدر ما سمع في ذلك الوقت. فيخرج إلى المعرفة).
ثم قال ابن أبي اصيبعة في كتابه المذكور طبقات الأطباء (48: 2) قال ابن جلجل: وفي صدر دولته (أي دولة المستنصر الحكم) مات نقولا الراهب الذي بعثه الملك ارمانيوس ملك القسطنطينية في سنة 337هـ فصحح ببحث هؤلاء النفر الباحثين عن أسماء عقاقير كتاب
ديسقوريدس تصحيح الوقوف على
أشخاصها بمدينة قرطبة خاصة، بناحية الأندلس ما أزال الشك فيها عن القلوب وأوجه المعرفة بها بالوقوف على اشخاصها، وتصحيح النطق بأسمائها بلا تصحيف إلَاّ القليل منها. الذي لا بال به ولا خطر له؛ وذلك يكون في مثل عشرة أدوية).
فهذا كلام يدل على أن العرب توصلوا في الأخر إلى وضع ألفاظ عربية صرفة لما كان معروفا عند الإغريقيين. فلينتبه له.
ونحن نقتص اثر هؤلاء الأعلام ونقول: ما من كلمة أعجمية إلا ويمكن أن يوضع لها في العربية ما يؤدي معناها احسن تأدية، بل ربما كانت الكلمة العدنانية أو في بالمقصود من الأعجمية التي لم تبلغ مؤدى المطلوب إلا تواطؤا وصقل الألسنة لها والاجتماع على قبول ذلك اللفظ لما يعقده بناصية أولئك الواضعون له.
من الألفاظ التي نحتاج إلى أن نعرف مقابلها عندنا كلمة الإنكليزية أو الفرنسية. والمراد به مجموع عظام الإنسان على تركيبها الطبيعي فان السوريين قالوا في هذا المعنى: (هيكل عظام) والكلمة الإفرنجية يونانية الوضع معناها الضامر، الضعيف، اليابس، أو المنهضم الخاصرتين ثم توسعوا فيها فأطلقوها على مجموع عظام الإنسان بوضعها الطبيعي. والحال إننا إذا حذفنا من اليونانية علامة الإعراب أي يبقى عندنا أي سقل ويقل لفظة عربية معناها معنى اليونانية ومبناها مبنى اليونانية. فلا ندري أنقل اليونان عن العرب لفظتهم أم عرب الناطقون بالضاد كلمتهم عن الإغريقيين والذي أرجحه أنا هو الأول. قال في تاج العروس: السقل ككتف: الرجل أنهضهم السقلين أي الخاصرتين، وهو من الخيل القليل لحم المتنين خاصة. اه. فهذا كلام واضح أن الواديين من عين واحدة.
وفيها لغة أخرى الصقل بالصاد. قال في التاج أيضا: الصقل القليل اللحم من الخيل طال صقله أو قصر وقلما طالت صقلة فرس إلاّ قصر جنباه. وذلك عيب ويقال: فرس صقل بين الصقل: إذا كان طويل الصقلين وقال أبو عبيدة: فرس صقل: إذا طالت صقلته وقصر جنباه وأنشد: (ليس بأسفي ولا أقنى ولا صقل)
ورواه غيره ولا سغل. والأنثى صقلة والجمع صقال. اه
وعلى هذا لنا لغة ثالثة وهي سغل. قال في التاج أيضا: السغل ككتف الصغير الجثة الدقيق
القوائم الضعيف. عن الليث. . . أو السغل المضطرب الأعضاء. أو السيئ الخلق والغذاء من الصبيان كالوغل. يقال صبي سغل بين السغل، أو السغل المتخدد المهزول من الخيل. وسغل الفرس سغلا تخدد لحمه وهزل. قال سلامة ابن جندل يصف فرسا:
ليس باسغي ولا اقني ولا سغل
…
يسقي دواء ففي السكن مربوب
وقد سغل كفرح في الكل قال الصاغاني: وهي المعاني الثلاثة والسغل بالسكون الذي صدر به في هذه المعاني عن بعضهم. ومما يستدرك عليه. الاسغال الأغذية الرديئة كالاسغان ذكره الأزهري في تركيب سغن وهو يقول ابن الأعرابي. أهـ
وقال في مادة وغ ل: الوغل من الرجال: الضعيف النذل الساقط المقصر في الأشياء جمعه أوغال. . . والوغل السيئ الغذاء كالوغل ككتف وهذه عن سيبويه. وذكر في مادة سفن: الآسفان أهمله الجوهري. وهو هكذا بالفاء في النسخ والصواب الآسفان بالغين المعجمة. قال ابن العربي (كذا ولعله ابن الأعرابي اللغوي الشهير) هي الأغذية الرديئة ويقال باللام أيضاً كما في التهذيب. أهـ
ومما جاء في هذا المعنى والمبنى ما ذكره السيد مرتضى في مادة سقن قال: الاسقان: الخواصر الضامرة. أورده الأزهري في التهذيب خاصة عنه.
فهذه المواد كلها مع مشتقاتها راجعة إلى معنى واحد اصلي هو: الضعيف الضامر من الناس وغيرهم ثم توسعوا فيه وأطلقوه على مجموع العظام. فما علينا إلا أن نسلك في الطريق التي سلكوا فيها ونكتفي بالكلمة الواحدة عن عدة كلمات لا تقوم مقامها.
ومن جملة الأدلة التي تقنعنا باتخاذ الصقل ككتف بمعنى اللفظة الإفرنجية أن أبناء الغرب يقولون أن كلمتهم تفيد معنى الشخص المهزول كل الهزل الضامر الخواصر وهي كذلك في العربية فإذا قالوا فمعناه هذا صقل ولهذا لا نحتاج إلى أن ننطق بغير هذا التعبير المؤدي للمعنى كل التأدية. ويريد الإفرنج بكلمتهم المذكورة معنى الفكرة المجملة لما يريدون أن ينشئوه من الموضوع فيقولون أي مجمل فكرة المأساة. وأنت تتمكن من أن تقول في لغتك: صقل المأساة من باب المجاز كان للمأساة صقالا وصقالها مجموع فكرها غير حال بحلي الكلام على أنواعها وقد يطلق عندهم الصقل على مجموع خشب السفينة أو نحوها إذ يعتبرون عيدانها بمنزلة الخواصر للحيوان فإذا قالوا: هذا صقل السفينة فإنهم
يفهمون مجموع خشبانها. وكذا يصح هذا التعبير في العربية من باب المجاز.
فانظر إلى لغتنا هذه وغناها وكيف إنها تقوم بما تنتدب إليه بحيث إنها تناوئ أرقى لغة على وجه البسيطة بل تتحداها!
ومن ألفاظ وعند الإنكليز وهو نسيج خشن مهلهل يتخذ من قنب وقد يكون من غيره يستعمل لنوع من البسط ونسيج آخر يتخذ لأشرعة السفن. وأصحاب المعاجم الإفرنجية العربية قالوا: خيش وجنفاص وعندي أن الكلمة الإفرنجية (إنكليزية كانت أو افرنسية أو إيطالية وهي في هذه من أصل عربي وهو خنيف وهو أردا الكتان، لكن كتبة العرب العصريين جهلوا اللفظة العربية الأصلية فعربوا الإفرنجية بصورة جنفاص. وهكذا يتفق لنا أن نأخذ كلمتنا العربية عن أهل الغرب وهي عربية في نظر الإفرنج أنفسهم ككلمة الكحل فان الكلمة عربية فنقلها الإفرنج إلى صورة أو فقال فيها بعض ضعفاء الكتاب الكؤول والكحول والكول إلى غير هذه الروايات مع إنها عربية محضة ومعناها في الأصل الشيء الدقيق القوام، مهما كان ذلك الشيء سائلا أو جامدا.