الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبائش أو الجبايش
نظرا إلى نتائج تدقيقات علماء الأثريات ثبت أن بلاد العراق (ما بين النهرين) تكاد تكون في تاريخها وأثريتها أغنى بقعة وجدت على وجه البسيطة، فضلا عن أنها منبع الحقائق ومهد الحضارة، والذي يقلب صفحات التاريخ اليوم يتضح له جليا أن كل أمة لا بد من أن تنسب إلى هذه المملكة ولو من بعيد ولو أردنا أن نتعمق في هذا البحث مع ما علينا من جهل ما في بطونها من دفائن أمم وإمارات وبلاد أخفى عليها الدهر لأسباب تختلف حوادثها؛ لدخلنا في مواضيع كثيرة وحوادث مهمة ولاضطررنا إلى تحبير عدة صفحات من هذه المجلة.
وهذه الكبائش التي لا يعرفها تسعة أعشار العراقيين كانت بلدة مهمة في أيام العباسيين غنية بمواردها الاقتصادية وآهلة بعشرات الألوف من السكان لأنها كانت من البلاد التي تدر على الخزينة بكثير من المال خصوصا من اتاء الثمار وأخصها العنب والزبيب. وقد كانت تعرف ب (البطائح) يومئذ ثم حمل عليها الدهر الخؤون حملة شعواء وأطلق فيها يد التدمير والتخريب حتى أصبحت أثرا بعد عين حينما اتجهت إليها مياه دجلة والفرات فغمرتها وتركتها أراضي تتلاعب بها المياه من جميع جهاتها. ونظرا إلى قرب المصاب منها ووصول الرمال التي تحملها المياه إلى مستقرها أصبح من المنتظر عمرانها بصورة عامة ولا سيما لأن الهمة مبذولة في الوقت الحاضر لأجل إصلاحها.
ورب مستغرب يستغرب هذا الاسم (الكبائش) فنقول إن كلمة الكبائش أو الجبايش كما تلفظها العامة عربية الأصل محرفة عن كبيسة بأسباب ما طرأ على اللغة من التغييرات الناشئة من احتكاك العرب بالأعاجم وغيرها والكبيسة مشتقة من (الكبس) وهو في الأصل الضغط والكبس عندنا العراقيين الزرع الذي يبذر في أرض دخلها ماء فيضان النهر أو ماء فيه غريل كثير فيرسب على وجهها راسب يصلح لزرع بعض النباتات التي تكتفي بهذا الماء من غير أن تحتاج إلى مياه الأمطار ومياه الانهار، كالسمسم والذرة (الاذرة) والهرطمان وغيرها ويسمون هذا الزرع بالكباسي وتلفظ كافها كالجيم المثلثة الفارسية وكان العرب سلفنا يسمون هذا الزرع باللحق وزان سبب قال اللغويون اللحق واحد الإلحاق وهي
مواضع من الوادي ينضب عنها الماء فيلقى فيها البذر. اه. وأشهر هذه الكبائش (برق الحمار)
وقضاء الكبائش من الاقضية التي أنشئت حديثا بالمعنى الصحيح، ونقول بالمعنى الصحيح لأنه لم تتسلط الحكومة السابقة على إنشاء هذا القضاء بالمعنى الحقيقي. وأسباب ذلك ترجع إلى قصر نظر رجال تلك الحكومة وعدم اهتمام أربابها القابضين على زمام الأمور آنئذ بما يجب اتخاذه من وسائل العمران والتهذيب ونشر ألوية السلام. فقد كان هذا القضاء محفوفا مرهبا بأمرائه وعشائره الذين خولتهم ظروف المحيط وأحواله الطبيعية أن يتمكنوا من العصيان ولم
يكن في مقدرة الحكومة أن تسير قافلة من هناك ما لم تصحبها بالسيار اللائق (المرافق) حتى أنها كانت تستميل الرؤساء إلى جانبها حينما تريد أن تسير قوة ما.
فلهذه الأسباب بقي هذا المحيط مجهولا وبقي أمراؤه لقاحا إلى أن ارتكزت أقدام حكومة جلالة ملكنا المعظم سنة 924 - 925م. فتنفست المدينة الصعداء وعمرت الحكومة دارا ضخمة لها كلفتها نحو 238000 ربية والآن تسير الحركة العمرانية فيها سيرا محسوسا وقد شيدت الحكومة أيضا مدرسة أولية هناك لا بأس بها؛ إلا أنها على رقي متواصل.
يحد قضاء الكبائش من الشمال حدود لواء العمارة ومن الشرق ناحية المدينة التابعة لقضاء القرنة من أعمال البصرة ومن الغرب والجنوب قضاء سوق الشيوخ التابع للواء المنتفق. وتقدر وارداته السنوية بأكثر من 200000 ربية. أما نفوسه فتبلغ نحو 230000 نسمة وأهم خرجه القصب والبردي والسمك والشلب (الرز بقشره) والذرة.
والكبائش مجموعة عرائش فوق جزر كثيرة يفصل المياه أبنيتها. وإنك لا تستطيع أن تجد اكثر من عريشة واحدة فوق جزيرة واحدة في ذلك المستنقع الجسيم. ولا بد لكل عريشة من مشحوف (بلم صغير أو زورق) يركب فيه أصحابه لابتياع اللحم أو الخضراوات وسائر الحاجيات من الحوانيت القائمة فوق تلك الجزر بصورة متفرقة إذ لا يمكن تشييد المنازل الحجرية فوق أرض الكبائش. إن سراي الحكومة (صرحها) المبني من الآجر على آخر طرز صحي فالفضل فيه يعود إلى مالك هذه الأراضي قبل هذا الشيخ سالم الخيون لأنه سبق فأقام له بيتا من حجر في هذه البقعة بعد أن صرف الألوف من الربيات على كبسها وفرشها بالتراب.
هذه نبذة مختصرة نقدمها إلى حضرات القراء الكرام عن قضاء الكبائش الذي لا يعرفه معظم العراقيين كما أسلفنا ذلك عسى أن تكون فيا فائدة.
السيد عبد الرزاق الحسني