الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب
تأليف السيد محمود شكري الالوسي البغدادي عني بشرحه
وتصحيحه وضبطه محمد بهجة الأثري
الطبعة الثانية في ثلاثة أجزاء طبعت في المطبعة الرحمانية بمصر سنة 1342هـ 1924م يحوي الجزء الأول 422 صفحة والثاني 395 والثالث 472 فالمجموع 1289 صفحة بقطع الثمن الكبير
-
لكل أمة تاريخ يذكر فيه أصل القوم. ونشوءه، وتقدمه في الحضارة، مع ذكر من اشتهر منهم في كل فرع من فروع العلم، والصناعة، والزراعة، والتجارة.
والعرب مع كثرة تآليفها وتصانيفها المتنوعة، لم تفرد سفرا لهذه الغاية فما معنى ذلك؟ - أكان عن قصورهم في هذا المدى؛ أو عن جهل لتاريخ السلف؟ - قلنا: لا هذا ولا ذاك، إنما الناطقون بالضاد سكتوا في هذا المعنى، لعلمهم اليقين أن قومهم من اشرف الأقوام، وأن منزلتهم عالية، شرفهم معروف، وانهم اعرق شعب في المدونات؛ ولما عرفوا منزلتهم هذه، استغنوا عن كل تاريخ بدون هذه الحقائق الشهيرة.
وأنت إذا تصفحت الكتب المختلفة على تنوع معانيها ومبانيها ترى ما كان للعرب من القدم الراسخة في العلوم الفطرية وما لهم من شرف النسب وطيب
الأعراق ومكارم الأخلاق، بحيث انك لو بحثت عن نظيرها عند سائر الأقوام لرجعت عن مسعاك أخيب من حنين.
لكن هذا الأمر لا يتسنى لكل امرئ، إذ أصبح الوقت اثمن من سابق لما ينتاب المرء من أمور تنازع البقاء. فصار الوقوف على مجد السلف في اقصر مدة من الأمور الواجبة على كل ناطق بالضاد. وكيف يتيسر الأمر للمطالع والبحث مشتت في أسفار عديدة ضخمة؟ ومع كل هذه الحاجة إلى مصنف جامع لهذا الموضوع لم نر من افرد له كتابا، حتى عرض أحد ملوك الإفرنجة جائزة لمن يضع سفرا يوفي هذا المبحث حقه، وذلك في أواخر الشطر الثاني من المائة التاسعة عشرة للميلاد. حينئذ تنبهت الأفكار إلى وضع كتب تجزأ الناس به عن تلك الأكداس من مصنفات السلف.
فتقدم فريق من المصنفين وعرضوا ما نسجوا برده على الجماعة الموكلة بفحص تلك
الشؤون، فلم يبرع فيها سوى أستاذنا محمود شكري الالوسي، السيد الشريف والكاتب الضليع. والشيخ إبراهيم اليازجي المعروف بوقوفه على أخبار السلف وآثارهم. فكوفئ كلاهما مكافأة حسنة.
وكل ما دونه الأستاذ مأخوذ من مئات من الكتب، ومما يؤسف عليه أنه لم يذكر أسماء المآخذ التي نقل عنها. ولو فعل لكان ارفع مقاما في عيون المحققين. لكثرة ما وقف عليه من المصنفات الجليلة. ولكان أوثق حجة وأوفى بالمرام.
على أن الحق يقال: أن هذا السفر الممتع وأن كان رحب الأكتاف إلَاّ أنه دون ما نتمناه اليوم من تقدم العلم والتاريخ. ففي الكتاب أمور جمة ينكرها المتثبتون وتردها مكشوفات العصر. بيد أنه لا بد من معرفتها على وجهها الذي ذكره الأستاذ لأنه ينطق بلسان السلف في مختلف عصورهم وكان ذلك منتهى علمهم وتحقيقهم. ولا يكلف الله نفسا إلَاّ وسعها.
هذا مجمل ما يقال في هذا التصنيف الفذ. أما طبعته هذه فتفوق الطبعة الأولى بكثير. وسنقول كلمتنا عنها في الجزء القادم.