الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصل في لغة عوام العراق
الوصل في كلامهم هو عبارة عن وصل آخر حرف من الكلمة بأول حرف من الكلمة التي تليها. وهو كثير الوقوع في كلام العامة، وهم إذا وصلوا حرفا بحرف جعلوا الثاني منهما ساكنا. ولابد أن يكون الأول متحركا وإلَاّ لم يصح الوصل. فإن لم يكن متحركا حركوه بالكسر ثم وصلوه. ولنوضح لك ذلك بأمثلة من كلامهم:
قالوا في أغانيهم (سلم عليَّ من بعيد، وحواجبه هلال العيد) ففي هذا الكلام وصلوا ياء (عليَّ) بميم (من) والحرف الأول (الياء المثناة) مفتوح والثاني (الميم) ساكن. ثم وصلوا نون (من) بباء (بعيد) وقد حركوا النون بالكسر وسكنوا الباء من (بعيد) وأيضا وصلوا الواو العاطفة بالحاء من (حواجب) والواو مكسورة لأن واو العطف يغلب عليها الكسر في كلامهم كما سيأتي. والحاء من (حواجب) ساكنة، ثم وصلوا الباء من (حواجب) بالهاء من (هلال) والباء مفتوحة والهاء ساكنة. وأما هاء الضمير في (حواجبه) فغير ملفوظ وأن كان مكتوبا لأنهم يسقطون من اللفظ كل ضمير مفرد غائب كما سيأتي بيانه في محله.
وقالوا في أغانيهم:
(كلهم عكلهم سود ومن أين اعرفه
…
حتى السمج بالماي يبجي على ولفه)
ففي هذا الكلام وصلوا واو العطف بميم (من) والواو مكسورة والميم ساكنة ثم وصلوا نون (من) بياء (أين) والنون مفتوحة والياء ساكنة، وأيضا الكاف من (يبجي - يبكي) موصولة بالعين من (على) والكاف مكسورة والعين ساكنة. وأما الياء في آخر يبكي فسقطت من اللفظ لالتقاء الساكنين.
وقد يتوسط بين الحرفين الموصولين حرف ثالث، فيسقط من اللفظ لأن اللسان ينتقل من الحرف الذي قتله إلى الحرف الذي بعده. وسقوط هذا الحرف الثالث المتوسط أما لأجل الوصل كما في قوله المذكور آنفا (ومن أين اعرفه) فإن ألف أين لما توسطت بين النون والياء الموصولتين سقطت من اللفظ لأجل الوصل. وأما لأجل التقاء الساكنين كما في قوله المتقدم (يبجي على ولفه) فإن الياء من (يبكي) لما توسطت بين الكاف والعين الموصولتين سقطت من اللفظ لأنها ساكنة والعين بعدها ساكنة أيضا بسبب الوصل. وأما لكونه ساقطا
في كلامهم وأن لم يكن هناك وصل كما في قول الشاعر المتقدم (وحواجبه هلال العيد) فإن الباء من (حواجبه) موصولة بالهاء من (هلال) ولسان المتكلم ينتقل عند النطق من الباء إلى الهاء. فضمير الغائب الذي بينهما ساقط من اللفظ عندهم سواء وصلت الباء بالهاء أو لم توصل.
وأعلم أن هذا الوصل قد يكون لازما متحتما وقد يكون غير لازم. أما كونه غير لازم فكما في قوله (سلم عليَّ من بعيد) فلو قال (سلم عليَّ مِنْ بعيد)(أي بكسر ميم من وإسكان نونها) بلا وصل لجاز أيضا. وأما كونه لازما ففي واو العطف كالواو الموصولة في الأمثلة المتقدمة فإن وصلها متحتم عندهم.
ومما يتحتم فيه الوصل (ما) و (لا) النافيتان إذا دخلتا على الفعل المضارع من الثلاثي المجرد الأجوف كيقول ويخاف ويبيع أو المضاعف كيمد ويشد أو من الثلاثي المزيد الذي هو من باب التفعيل كيخوف ويهيج ويغني. أو من الرباعي المجرد كيعكنش ويخرمش ويطبطب وغير ذلك. فهذه الأفعال كلها إذا دخلت عليها (ما) أو (لا) النافيتان أو (لا) الناهية وجب وصل الميم من (ما) أو اللام من (لا) بحرف المضارعة من الأفعال المذكورة إذا لم يكن حرف المضارعة همزة تقول (ما يكول) فتصل ميم (ما) بياء (يقول) وتسقط ألف (ما) من اللفظ لأجل التقاء الساكنين وتقول (ما يصلي ولا يصوم)(بإسكان ياء يصلي ويصوم) أي تصل ميم (ما) بياء (يصلي) ولام (لا) بياء (يصوم). وتقول (فلان ما يهب ولا يدب)(بإسكان الياءين) وتقول في الرباعي (اترك البزون لا تخرمشك)
فتصل لام (لا) بتاء (تخرمش). ومن أمثالهم (لا ينام ولا يخلي الناس تنام)(بإسكان حرف المضارعة) أما إذا كان حرف المضارعة في هذه الأفعال هو الهمزة فالوصل غير لازم بل غير جائز. وقد جعلنا علامة الوصل هكذا (-) وهي خط صغير يوضع بين الحرفين الموصولين.
تفخيم اللام
إن تفخيم اللام في اللغة الفصحى خاص بلفظة الجلالة وأما في لغة العامة فإنهم يفخمون اللام في كثير من الأسماء والأفعال ولم أجد لتفخيم اللام في كلامهم من ضابط عام تمتاز به مواقع التفخيم عن مواقع الترقيق، سوى أني نظرت في كلامهم فرأيتهم اكثر ما يفخمون اللام في الأسماء التي اجتمعت فيها الخاء واللام فمن ذلك الخل (لما حمض من عصير
العنب وغيره) والخلخال والخلان (جمع خليل) والخال (لأخي الأم) والخالة والخلة (للقفر الذي ليس فيه أحد) والمنخل والنخالة والخلال (للبسر وهو التمر قبل ارطابه) والخلالة والمخلل (لضرب من الكامخ) والخلك (بفتحتين للبالي من الثياب) والخلكان (جمع الخلق) والنخل والنخلة وخلف (من أعلامهم) والخلك (بكسر اللام أي الخلق أو المخلوق) والسخل والسخلة. وقلما يفخمون اللام من الأسماء التي لم تجتمع فيها الخاء واللام ومن ذلك الغلك والظلمة والظلام والكلب (القلب) والمكلوب (المقلوب) والكول (مصدر قال والكمل (القمل) والكملة (القملة) والبكال (البقال) وكبل (قبل) والبغل (الحيوان المعهود) والبغلة؛ وغير ذلك من الأسماء.
أما الأفعال التي يفخمون فيها اللام فكثيرة أيضا ومنا قولهم نخل الطحين بالمنخل وينخل الطحين، وربنا خلكنا من التراب، وفلان مات وما خلف شي (بكسر الشين)، وغلك الباب، والحاكم ظلم الناس ويظلمهم، والنايم يتكلب على فراشه، وهو كال وهي كالت وهم كالوا (وهذه الثلاثة خاصة بأهل البادية وأما أهل الحضر فلا يفخمون فيها اللام)، ونكلنا الطعام، والنكال ينكل الحطب على رأسه. إلى غير ذلك من الأفعال وإنما أكثرنا من الأمثلة لمزيد الإيضاح وإلَاّ فالعمدة في تفخيم اللام على السماع.
معروف الرصافي