الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نموذج من تراجم العلماء
السيد نعمان خير الدين الالوسي
1 -
ولادته وحداثته
ولد رحمه الله في بغداد (12 المحرم سنة 1252 هـ) في أرض التعصب الأعمى والجمود الذميم، تحت سماء الجور والاعتساف ولكنه نشأ بفطرته حي الضمير نير البصيرة وربي على الآداب الإسلامية الفاضلة فشب مسلما عاقلا فاضلا غيورا على مصالح الأمة والوطن والدين. ولولا أن يتيح الله له من ينمي فيه قوة الاستعداد ويربي في الجملة ملكة الاستقلال (وهو أبوه الإمام أبو الثناء، وتلميذه العالم السلفي السيد أمين الواعظ) لغلبه جمود البيئة، واستحوذ عليه الخمول وفسد فيه ما وهبه الله من فطرة سليمة وضمير حر، وضعف ملكة استقلاله ووهن منه الحزم والعزم ضرورة. على أنه مع اجتنابه ذوي العاهات السارية الفتاكة لم يسلم من العدوى تماما. بل سرى إليه أثرها فظهر في بعض مؤلفاته:(غالية المواعظ، والإصابة في منع النساء من الكتابة) ولكن حسب من نشأ في هذه البلاد في تلك الأيام الحالكة فخرا - أن يكون مثل السيد نعمان في استقلاله واعتداله وجرأته على الدعوة ومجاهدة فريق الجمود والتقليد.
2 -
مناصبه
تولى في شبابه بفضله ونبله في بلاد متعددة وسار فيه سيرة مرضية فحمدت أفعاله وحبب إلى القلوب. وفيه يقول بعض أدباء (الحلة) يوم تولى قضاءها:
لتصف الشريعة للواردين
…
فقد جاءها اليوم (نعمانها)
وقد كان مطروفة عينها
…
فنال الشفا فيه إنسانها
ثم ترك المناصب خشية أن تشغله عما هو آخذ بإتمامه من تأليف ونشر وفي سنة 1295هـ قصد مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، فمر بطريقه إليها على مصر القاهرة لطبع (روح المعاني) تفسير أبيه الإمام فوقف على الحركة العلمية
هناك. . . فأتفق له أن اطلع على (فتح البيان) تفسير الإمام المصلح الكبير وناشر ألوية العلم السيد حسن صديق خان ملك
بهوبال - وقد طبع في مصر - فراقه وأعجبته آراء صاحبه العلمية والإصلاحية وتمنى أن يتصل به ولو مكاتبة.
فلما وصل مكة طفق يسأل عن الرجل ويبحث عن مؤلفاته فأتيح له رجل خبير بأحواله (وهو الفاضل الشيخ أحمد بن عيسى النجدي) فزوده بما زاد في إكباره له وإعجابه به واشتياقه إليه. وعند قفوله كتب إليه كتابا يستجيزه فيه ويذكر له تعلق قلبه به لقيامه بالدعوة إلى مذهب الحق فما كان منه إلَاّ أن أجاب ملتمسه ثم اتصلت بينهما المراسلة إلى أن قطع حبالها الحمام.
3 -
تآليفه
وفي هذه الأثناء كان السيد خير الدين يؤلف كتابه الجليل: (جلاء العينين في محاكمة الاحمدين) فلما أتمه (في شهر ربيع الآخر سنة 1297 هـ) قدمه إلى خزانته ورغب إليه في نشره فحقق له أمنيته واصدر أمره بطبعه في دار الطباعة بمصر. ولم يقتصر بتلك الصداقة المتينة على هذه الاستفادة وحدها منه فحسب بل استفاد أيضا ما قوي به على نشر مذهب السلف الصالح في العراق، وخدمة الأدب والعلم بطبع مؤلفاته ومؤلفات أبيه ومؤاساة الفقراء والمساكين كما يؤخذ من كتابه المنشور في مقدمة الجلاء. وفي سنة 1300 قصد الأستانة لإعادة ما اغتصبته يد الجور من حقوقه إلى نصابه، فمر على سورية وبلاد الأناضول واجتمع بعلماء هاتيك الديار فملك إعجابهم وأجاز وأجيز حسب العادة المألوفة
فلما وصلها وألقى فيها عصا التسيار واجتمع بأولي الأمر عرفوا له فضله واحلوه رحيبا وبالغوا في تكريمه. وانعم عليه السلطان عبد الحميد الثاني بمراتب عالية، واصدر أمره بإعادة مدرسة مرجان إليه. فآب إلى بغداد - بعد أن قضى في الأستانة سنتين - وتصدر للتدريس بعنوان (رئيس المدرسين) ونشر مطوي الفضائل ومكنون العلوم وحصر أوقاته في التدريس والتصنيف فكان يذهب إلى المدرسة صباحا ولا يعود إلى بيته إلَاّ مساء وقد هنأته الشعراء بالعود وأرخت توجيه المدرسة إليه بقصائد عديدة. منها قول السيد شهاب الموصلي من قصيدة:
وافى وعرفانه والعلم عرفه
…
إلى رجال ذوي علم وعرفان
موظفا قد أتى لكن (بمدرسة)
…
قديمة العهد من إنشاء (مرجان)
وظيفة قبله كانت لوالده
…
بموجب الشرط شرط الواقف علي
واليوم قد عاد مقبول الجناب إلى
…
بغداد باليمن مشمولا بإحسان
وفي صكوك العلى والعلم أرخه
…
سجل تدريس مرجان لنعمان
1302
4 -
خطابته ووعظه
وقد كان رحمه الله جوزي زمانه في الوعظ وقد بلغ في حسن التذكير والإرشاد النهاية فكان في كل سنة يجلس في شهر رمضان للوعظ في أحد المساجد الواسعة فيقصد من أطراف البلد حتى يغص المكان بالمستمعين - فأتفق له في شهر رمضان سنة 1305هـ أن استطرد في أحد مجالسه - والحديث ذو شجون - بحث سماع الموتى فذكر ما قاله علماء الحنفية في كتبهم الفقهية من عدم سماع الموتى كلام الأحياء وأن من حلف لا يكلم زيدا مثلا فكلمه وهو ميت لا يحنث وعليه فتوى العلماء وهو المرجح لدى المحققين - فقام حشوية بغداد وقعدوا لها وأنكروا عليه هذا العزو وأثاروا أفراد جهلة العوام والمرجفين في مدينة السلام، وكادت تقع فتنة تسود وجه التاريخ ولكنه بدهائه وحلمه سكن ثائرتهم فجمع في اليوم الثاني كل ما لديه من كتب فقهاء المذاهب الأربعة وصعد كرسي الوعظ - وقد احتشدت الجموع - فأعاد البحث وصدع بالبيان ثم اخذ يتناول كتابا كتابا فيتلو نصوص العلماء ثم يرمي بها إلى المستمعين ويصرخ: هؤلاء هم علماؤكم فإن كنتم في ريب منهم فدونكموهم وناقشوهم الحساب؛ حتى إذا فرغ نهض واخترق الجموع الثائرة غير وجل ولا هياب فأقبلوا عليه يقبلون يديه ويعتذرون إليه من قيامهم بتحريك المرجفين من فريق المقلدة والجامدين.
ثم ألف رسالة لطيفة جمع فيها ما زبره الفقهاء في هذا الباب واسماها:
(الآيات البينات في عدم سماع الأموات).