الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
عره وحزه!
عند الإنكليز كلمتان يتلفظون بهما في أفراحهم وعرض جنودهم، حربيين كانوا أو بحريين، وإذا سألتهم عنهما لا يعرفون من حقيقتهما شيئا. ودونك تاريخهما:
العرب كانت إذا اجتمعت في معاركهم والتفت الساق بالساق تسمع فيهم من يقول: عره، حزه! (ويلفظون عره بضم العين وتشديد الراء المفتوحة وضم الهاء الأخيرة إلا أنهم يسكنونها غالبا في الوقف كان يأمر الواحد أخاه بالعر وهو إصابة العدو بالضرر) ثم يقول للحال: حزه (وتضبط ضبط الأولى، ومعناها بقطع الرأس لأن حزه قطعه) ومحصل الكلمتين؛ عر عدوك (أي أصبه بشر، لا بل اقطع رأسه وهو الأهون لنا.
هذا ما كان يجري في معاركهم الدامية، بل ما يجري في عهدنا هذا في
بعض أنحاء العراق، وكنا قد حضرنا بعضها.
ثم انتقلت هذه الألفاظ من العرب إلى الترك. ولما كان السلطان يحضر عرض جنوده ولاسيما المماليك منهم (أي الينكشرية) كانوا يصرخون في آخر العرض: عره. حزه! كأنهم يتصورون انهم يؤمرون بعد قليل بذبح العدو فيشجع وأحدهم صاحبه على أي قاع الضرر بالعدو أو على قطع رأسه. ولما كان الترك مجاورين للروس تعلم هؤلاء منهم هذا الصراخ في الحرب ثم تلقاه عن الروس مجاوروهم الألمان سنة 1813 وعنهم الفرنسيون فالإنكليز؛ واليوم اكثر الناس استعمالا للكلمتين؛ عره! حزه! أبناء بريطانية الكبرى.
ومن الغريب أن الملوك ورجال السياسة يهتفون بأحد هذين اللفظين أو بكليهما عند شرب النخب وهم يريدون بذلك أن (يحيى) الذي يهتفون له، غير عالمين أنهم يدعون عليه بالضرر والقتل.
وقت استعمال هذين اللفظين
يتلفظ بهما أو بأحدهما بكل ما أوتي الجندي من الشدة في الصوت عند الهجوم على العدو بألواح السلاح أي بالسلاح غير الناري.
ويصرخ به أيضاً البحريون في بعض الحفلات عند زيارة رئيس الدولة لهم فيكون ذلك الهتاف بمنزلة شهادة على حبهم له. أو عند زيارة رئيس أسطول غريب صديق لدولتهم. واليوم تستعمل هذه اللفظة أو هاتان اللفظتان في جميع الأفراح والأعراس بل عند اجتماع الأصدقاء للشرب. فتكون من قبيل الدعاء بالشر عند العرب والمراد به الدعاء بالخير ومثله قول العامة؛ يخرب بيتك! وهم يطلبون من الله أن يعمر بيته!
أما أن مثل هذا التعبير وارد في كلام الأقدمين فهو أشهر من أن يذكر فقد قال ابن الأعرابي؛ إذا قيل: قتله الله! لا يكون إلَاّ شتما، وإذا قيل: قاتله الله يكون تعجبا، ومثله ما لا عد له لكثرته، كقولهم: تربت يداه! وثكلته أمه! وهوت أمه! كل ذلك يستعمل على طريق التعجب واستعظام القول فيه) أهـ ولهذا قال بعض الشعراء:
اسب إذا أجدت القول ظلما
…
كذاك يقال للرجل المجيد
قلنا: فقولهم: عره! وحزه! هو من هذا الباب. ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فعليه بمراجعة مادة ت وب في التاج ففيه مجزأة.