الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكمرك والديوان والمكس
الكمرك كلمة تركية مأخوذة من اليونانية المولدة الداخلة إليها من اللاتينية أي التجارة وقيمة الشيء وثمنه وحق البيع والشراء ويأتي بمعنى محل قبض أجرة بيع الشيء.
وقد كتب الأتراك في سابق العهد وحتى الآن الكلمة المذكورة بصورتين أخريين وهما (كومرك وكومروك) والثلاث مقبولات عندهم والشائعة اليوم عندهم كومروك. والقريبة الصيغة إلى العربية هي الكمرك لأنها على وزن قنفذ والحركات فيها مقصورة لا ممدودة على حد ما هي في اللاتينية والكاف الأولى يلفظها الترك كالقاف المعقودة أي كالجيم المصرية. ولهذا كتبها المصريون جمرك. وهو جائز لأن القاف المعقودة قد تنقل إلى العربية جيما كما هو كثير الورود في المعربات.
وكان العرب يسمون الكمرك (الديوان) ولعل أصل الوضع كان ديوان الحقوق أو ديوان الضرائب أو ديوان الخراج إلى غيرها. ومن السلف تلقفها الإفرنج فقالوا (دوان فاكتفوا بالمضاف عن المضاف إليه. وهكذا جاءت في الكتب العربية التي الفت في القرون الوسطى كابن بطوطة وابن جبير والمقري ولا سيما ابن خلدون في كلامه عن الدواوين. وممن ذكرها أيضا بدر الدين العيني في كتابه عقد الجمان إذ يقول في حوادث سنة 614هـ (1265م)(وصلت رسل الانبرور والفونش وملوك الإفرنج واليمن (كذا) بالهدايا إلى صاحب الإسماعيلية فأمر السلطان بأن تؤخذ الحقوق الديوانية من هذه المراكب إفسادا لنواميس الإسماعيلية وتعجيزا لمن اكتفى شرهم بالهدية) اه فالنص واضح في المعنى الذي ذكرناه.
وسمى الديوان (ديوان الحقوق والضرائب) بعضهم قبل ذلك في القرن العاشر للميلاد، باسم المنظرة. قال المؤلف عجائب الهند (ص119): وحدثني عن من دخل سرنديب (جزيرة سيلان) وخالط أهلها أن من رسوم سلطانها في معاملته أشياء منها أن له منظرة على الشط يضرب فيها على الأمتعة. اه. وفي رواية أن له منظرا. والأولى هي الصحيحة.
قلنا: وقد استعمل الكاتب هنا (وهو بزرك بن شهريار الناخذاه الرامهرمزي) كلمة الرسوم بالمعنى المعهود اليوم أي ما يشبه الضرائب أو الضرائب نفسها.
وقد وردت أيضا بهذا المعنى في كتاب الشريف الادريسي إذ يقول: ولواليها وجابيها شيء معلوم ورسم ملزوم على المراكب. وكذا في تاريخ الخطيب إذ يقول: وأما رسوم الأعراس والملاهي فكانت قبالاتها غريبة. وقد جاءت في غير هذه المصنفات. والترك اخذوا هذه اللفظة أيضا (أي الرسوم) عن المولدين من السلف بالمعنى المعروف اليوم.
فما أحرى بنا أن نقول اليوم كما قال من سبقنا: الديوان أو المنظرة أو دار الرسوم وأن نهرب من استعمال كمرك التي لم تعرف قبل القرن التاسع عشر للميلاد.
وأما المكس فالأصل فيه على ما قال ابن الأعرابي: درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه. وفي الحديث: لا يدخل صاحب مكس الجنة (اللسان في مكس) والمكس أيضا: دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق في الجاهلية. والماكس العشار ويقال للعشار: صاحب مكس. والمكس: ما يأخذه العشار. ويقال: مكس فهو ماكس. (اللسان) فالمعنى الظاهر هو إن المكس من الضرائب الممقوتة أو هو الدرهم الزائد عن الحق. وعندنا إن الكلمة رومية (أي لاتينية) لأن ضرب الضرائب من أعمال الرومان - وإن كان قديما في حد نفسه - فالرومان هم الذين أشاعوا اتخاذه وعلموه في بلادهم. ونظن أن المكس من لسانهم (مكسما) بتقدير درهم، أي الدرهم الزائد على الحق، أو الدرهم المأخوذ ظلماً وفوق المقدر. وهو المعنى القديم للفظ العربي وقد أيد ذلك صاحب المصباح إذ قال:(وقد غلب المكس في ما يأخذه أعوان السلطان ظلما عند البيع والشراء.) اه
فترى من هذا كله أن الكمرك تركية الأصل يونانية النقل رومية الوضع والديوان فارسية النجار، والمكس لاتينية المعدن، أما المنظرة ودار الرسوم فمن محتد عربي صميم، فعلينا بهما: ولا سيما المنظرة لأنها شاعت بمعنى ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك وما ذلك إلَاّ لأن دار الرسوم كانت تبنى في اغلب الأحيان على شطوط البحار أو الأنهار ليشرف منها على السفن والمراكب حتى يتمكن الجباة من أخذ المكوس عند دخولها المكلأ. وبهذا القدر كفاية.