الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
عثرات الأقلام
كل ناطق بالضاد يعرف ما (لمجلة المجمع العلمي العربية) من المقام الرفيع وما لها من الأيادي البيضاء على ترقية هذه اللغة الشريفة. وتقريظنا لها لا يزيدها شرفا كما أن سكوتنا عن ذكرها لا يحط من قدرها قيد شعرة. وهي تعقد فصلا تدرج فيه ما يوجب على أبناء عدنان من إصلاحه من الغلط الذي ينسل إليهم من بعض ضعفة الكتاب أو من المؤلفين الأعاجم. ولو لم يكن لها إلَاّ هذه المزية لكفاها شرفا وخدمة وتخليدا لاسمها.
إلَاّ أننا نرى في بعض الأحيان أنها تجزم في أمور كنا نود أن تصدر الحكم فيها بصورة غير قاطعة، بل ببعض التحفظ؛ ونحن نورد مثالا لذلك:
طاف يطوف
قالت المجلة في ص308 من هذا المجلد السادس: (ومنها (أي من عثرات الأقلام) قولهم. (وقد طاف جسده على وجه الماء) يريدون ظهر على سطح الماء بعد أن كان راسبا في قعره. وصوابه (طفا). وسمي (الرمث) طوفا لأنه ينتقل على سطح الماء من مكان إلى آخر، لا لأنه يطفو على سطحه) أهـ
قلنا هذا رأي لكن الرأي القائل بأنه طفا يطفو رأي وجيه لا يحتقر والدليل انهم قالوا في معناه: العامة. وهذه مشتقة من عام يعوم أي ماج يموج أو سبح يسبح على وجه الماء. كما أن طاف يطوف مقلوب طفا يطفو. وورود هذا القلب في اللغة قديم. قال في التاج: سميت (الطائف) لأنها طافت (ولم يقل طفت) على الماء في الطوفان. أهـ وكيف يمكن اشتقاق الطائف من طفا؛ أليس من الواضح أنه يذهب إلى أنها من طاف يطوف بالمعنى الذي أشار إليه المجمع. ولهذا كنا نود أن يقول المحفى في مكان: (وصوابه): (والأحسن) حتى تطمئن النفس بعض الاطمئنان.
وفي معرض الكلام عن مادة طوف يقول الكاتب اسعد خليل داغر في كتابه (تذكرة الكاتب) ص77 في الرقم المعلم ب161: ويقولون (إلى أن يطوف على قبائل العرب مستجديا
الصدقات) فيعدون الفعل طاف بعلى. وفي اللغة طاف حول الشيء وبالشيء. وطوف واستطاف: دار حوله وطاف في البلاد. وطوف: جال وسار. أما تعديتهم بعلى فلم تسمع عن العرب. أهـ
قلنا: لله دره من محقق. وطاف على قبائل العرب شيء وطاف حول القبائل وبقبائل العرب شيء آخر. وطاف على قبائل العرب سمع وهو أشهر من أن يذكر وأما طاف حولها وطاف بها. فلم ينقل عن أحد.
نعم أن كلا منهما يرى في كتب اللغة لكن لا بمعنى ما يريده الكاتب الأول من قوله: طاف على قبائل العرب. أما أنه لم يسمع فيكذبه ما جاء في سورة القلم: (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) وآية أخرى وردت في سورة الواقعة وهي: (يطوف عليهم ولدان مخلدون) وثالثة وردت في سورة الطور: (ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون) وهناك آية رابعة وردت في سورة الإنسان وهي: (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) وأظن أني في مندوحة عن ذكر أقوال أخرى بعد هذه الآيات.
فأين بقي تحقيق الصديق المحبوب؟ وكتابك كله يا أيها العزيز على مثل هذا الوجه من التحقيق والتدقيق والتصويب والتخطئة؛ إلى ما تشاء من الألفاظ المترادفة والمتضادة.
فويق ناقة
وقالت المجلة أيضا أما (فويق) في قولهم (مكثنا مع الأخوان فويق ناقة) فنحن لا نعتبر قولهم فويق ناقة من الأمثال، بل من الأقوال السائرة مسير الأمثال ولهذا لا نرى مانعا من اعتبار (فويق ناقة) بتصغير فواق من الغلط.
اركن
وقال المجمع (309: 6) لم يرد (اركن) رباعيا. وقد ذكر صاحب محيط المحيط (اركن) في معجمه وتبعه على (كذا) ذلك صاحب اقرب الموارد
والمنجد. وقد راجعنا التاج واللسان والصحاح والأساس وغيرها من أمهات كتب اللغة فلم نجدهم ذكروا (اركن) أهـ
قلنا: عدم ورود هذه اللفظة في دواوين اللغة لا ينفي وجودها. إذ لغتنا أوسع من أن تضمها دفتا معجم فهي بحر لجي لا قرار له. وقد وردت في سورة هود في قراءة: ولا تركنوا إلى
الذين ظلموا. قال صاحب الكشاف (615: 1) وقرأ ابن أبي عبلة؛ ولا تركنوا على البناء للمفعول من أركنه إذا آماله. والنهي متناول للانحطاط في هواهم. . . وتأويل قوله: ولا تركنوا فإن الركون هو الميل اليسير) أهـ. وهذا نص صريح على وجوده: فلا يمكن إنكاره؛ ولكن أشفق من أن يكون المجمع اعتمد على كتاب (تذكرة الكاتب) للصديق الودود اسعد خليل داغر القائل (في ص126 وفي الرقم 337): ويقولون: (فأركن الجيش كله إلى الفرار. والصواب ركن) فكان من الوهم ما كان. وقد كنت قد نبهت الأدباء سابقا على أن تذكرة الكاتب قد أخطأت في تصويباتها اكثر مما اصمت. (يقال: أصمى الصائد الصيد: إذا رماه فقتله مكانه وهو يراه وصديقنا لم يصد ببندقية تصحيحه شيئا يذكر غلَاّ أننا نمدح غيرته على العربية).
الزردقة
ونضم إلى هذا البحث ما حققناه قبل 25 سنة من أمر الزرطقة. فهذه اللفظة وردت مصحفة بوجوه مختلفة لجهل الكتاب صحتها: فقد وردت بصورة زردقة وزرطقة كما جاء في مجلة المجمع (322: 6) ووردت بصورة زرطفة (أي بفاء منقطة بواحدة) في نسخة كشف الظنون المطبوعة في ديار الإفرنج. وهي قراءة مخطوءة بلا أدنى شك. وهكذا أوردها صاحب محيط المحيط بحر الأغلاط والأوهام نقلا عن فريتاغ مفسد لغتنا وأن لم يصرح البستاني بنقله عنه. وفريتاغ يقول وجدها بهذه الصورة في ديوان جرير وهذا الديوان ليس بيدي وقت كتابة هذه السطور لأتثبت الأمر.
وعندي أن هذه الروايات كلها غلط والصواب رزطقة أي بتقديم الراء على الزاي لكن هذه اللغة الحقيقية الصحيحة مجهولة واللغة المغلوطة هي المعروفة والشائعة وليس ذلك بغريب فإن السلف كثيرا ما جمع بين اللغتين كلما جاورت الزاي الراء
من ذلك ناقه ضمرز وضمزر، وضمارز وضمازر (راجع المزهر 230: 1 من طبعة بولاق)؛ مزراب ومرزاب (اللغويون). ويقال سمعت رزة القوم وزرة القوم إذا سمعت أصواتهم: بتقديم الراء على الزاي (المزهر 261: 1) إلى غير هذه المثل.
وقد قال في المذكرة: رأى النبطي وقسطوس وابن العوام وكثير من الروم ضم الحيوان إلى كتب الفلاحة وسموا المجموع (زردقة) حتى اشتغل ادهم والغطريف وسومارس وارجانس
بإفراده. أهـ
فهذا كلام نفيس يدلنا على أصل الكلمة وأنها رومية (أي لاتينية لأن هذه اللغة كانت لسان أهل رومة ومنها لغة رومية) وهي عندي أي أشغال حقلية ثم خصت الكلمة بكل ما يتعلق بأشغال الحراثة علما ونظرا كانتقاء النباتات وتوطينها وخلقة النباتات والحيوانات والعناية بها وصنعها وتربية سمك البحر والنهر والبحث عن أنواع الأسمدة. والخلاصة الزردقة أو الزرطقة هي الرزطقة أي هي ما تسمى اليوم اغرونومية وباللاتينية وعليه يسمى المشتغل بها زرطقي أي كما قالوا بيطري أن يزاول البيطرة.
ولقد بلغت اليوم الزرطقة مبلغا بعيدا في التوسع في غايتها. من ذلك أن أهل هذه الصناعة أقاموا ما يسمونه (مواقف الزرطقة) وهي معاهد يعنى فيها بأنواع البحث عن جميع المسائل التي تتعلق بالزراعة والحراثة والفلاحة كتخير البزور وتربية المواشي ومعرفة الحيوانات والحشرات المضرة والنافعة وتربية دود القز والنحل ومحاربة ما يعاديها والبحث عن تركيب الأرضين واختبار
الآلات على اختلاف أعمالها ومنافعها وفحص ما ينمي اتاء الأشجار والبحث عن الخمائر وصنع الجبن وتكثير بيض الدجاج وسائر الطير إلى غير هذه الشؤون.
والذي يعتني بترقية هذه (المواقف) أهل الحكومة أو الاقضية والبلديات وإذا أدخلت هذه الاقضية (مواقف الزردقة) تساعدها الدولة بموجب احتياجها إلى المال أو بالنظر إلى الغايات التي تقوم بالسعي إلى بلوغها أو إلى الغايات التي تتوخاها.
هذا مجمل ما يقال في هذا المعنى ومن أراد التوسع فعليه بكتب الإفرنج المصنفة في هذا الموضوع الجليل بالاسم الذي ذكرناه.
أصل الميم في الأسماء المشتقة
كثيرا ما نقول (هذا الشيء معروف، وذاك الرجل معترف بذنبه، والذنب معترف به (بالمجهول)، وفي بلادنا مدارس كثيرة. والمصحف الذي بيدك حسن) إلى غير هذه الألفاظ المشتقة التي تقاس في أبواب اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمكان والزمان والآلة. فمن أين جاءتنا هذه الميم؟
الميم على ما تتبعته مقطوع من كلمة (من) الذي في الأسماء الموصولة الدالة على العاقل -
واصل النون راء وأبدلت منها لإنشاء صورة معنى جديد لفكر جديد. فأصل (من): (مرء) أي رجل واللاتين يقولون مر أي ويريدون به المرء كما في العربية والإنكليز يقولون (من) كما في العربية ويعنون به الرجل أو المرء. فاللغات إذا في هذا اللفظ تكاد تتشابه كلها معنى ومبنى.
ثم أن العرب ميزوا لفظ العاقل عن غير العاقل. فصيروا النون الأخيرة ألفا وخصوا لفظ (ما) بما لا يعقل من الكائنات. فيقولون مثلا: رأيت ما أحزن نفسي. ويريدون بذلك الشيء الذي أحزنها. ويقولون: رأيت من أحزن نفسي ويريدون به رجلا يعقل احزن نفسه.
فإذا علمت هذا، فالميم التي ترى في الأسماء المشتقة هي في الأصل مقطوعة من (من) للعاقل ومن (ما) لغير العاقل. فإذا قلت هذا الرجل معروف
أي (من) يعرف (بالمجهول) وأن قلت هذا الأمر معروف فمعناه (ما) يعرف (بالمجهول).
وكذا القول في سائر المشتقات. وعليه إذا سئلت ما أصل كلمة (مكنسة) قلت: (ما) تكنس، أي الشيء الذي يكنس، أن نسبت الفعل إلى الآلة كما هو معهود، وأن أردت نسبة الفعل إلى الرجل الذي يستخدم الآلة قلت معناها (ما) يكنس بها الرجل.
وهكذا قس سائر المشتقات المبتدئة بالميم المذكورة.
أتجمع ميل على أميال أم على ميول؟
يكثر المصريون من جمع الميل (بفتح الميم بمعنى الهوى أو ما يقاربه معنى) على ميول، جريا على أن فعلا المفتوح لا يجمع إلَاّ على فعول، وما ورد منه على أفعال نادر لا يعتد به - على أن المستقري لألفاظ اللغة في المعاجم يجد مجيء فعل مجموعا على أفعال اكثر من مجيئه على فعول.
والميول بمعنى الأميال لم ترد في كلام فصيح أو مولد فصيح بخلاف الأميال. فقد قال نعمة الله بن علي بن عزام (راجع معجم الأدباء لياقوت الحموي 249: 7):
نميل مع (الأميال) وهي غرور
…
ونصغي لدعواها وذلك زور
فهل للكتاب المصريين نص قديم أو مولد فصيح ورد فيه الميل مجموعا على ميول؟ فليذكروه لنا لنكون لهم من اخلص الشاكرين.
وزن فعلول المفتوح الأول
قال الجوهري عند كلامه عن اليعسوب: (الياء فيه زائدة لأنه ليس في الكلام فعلول (المفتوح الأول) غير صعفوق) أهـ ونقل هذا الكلام جميع اللغويين الذين جاؤوا بعده. وهو عندنا حديث خرافة. فقد ورد في كلامهم غير صعفوق مثل: الكرموص (عن التاج) والصندوق (على لغة) والسحنون (في رواية) والقرقوف (اللسان) والطرخون (عنه وعن القاموس) والبرشوم (يروى بضم أوله وفتحه. عن اللغويين) وهنالك غير هذه الألفاظ فليصحح كلام صاحب الصحاح ومن اتبعه.